وثيقة سوء السلوك |
المقاله تحت باب في السياسة حين أنهينا الدراسة الثانوية فبل أكثر من ستين عاما لم تكن هناك جامعة في العراق و لا مكتب تنسيق مركزي للقبول في الكليات , فكان على كل طالب أن يهيء ملفا كاملا بالوثائق المطلوبة للتقديم في كل كلية و كانت الكلية تستلم طلبات الإنتماء للدراسة فيها. و رغم ان القاعدة الفقهية و الشرعية تقول ان الأصل براءة الذمة و أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته إلا ان القاعدة العملية عندنا , و ربما في كل البلدان التي سميت بالعالم الثالث بعدئذ, كانت ان كل امرئ متهم , و ربما مدان, و عليه أن يثبت براءته . كان إثبات البراءة يتطلب وثيقتين كان الجميع يعاني المصاعب في الحصول عليهما بسبب ازدحام الدوائر التي تصدرهما و تكرار المراجعات. كانت إحداهما شهادة عدم المحكومية التي تقرر بعد تلطيخ الأصابع بالحبر الآسود لفحص البصمات في دائرة التحريات الجنائية أن حاملها ليس محكوما بجريمة , و الثانية شهادة يصدرها مركز الشرطة بعد الاطلاع على شهادة عدم المحكومية و وثيقة أخرى يوقعها مختار المحلة و اثنان من اختيارها اولا تقول ان حاملها حسن السيرة و السلوك و تدعى شهادة حسن السلوك و قد تغيرت هذه الحالة منذ زمن, حين اخذت الحكومات المتعاقبة بمبدأ ( الأصل براءة الذمة ) فاعتبرت جميع ابناء الوطن حسني السلوك دون حاجة للركض بين دوائر الشرطة و مكاتب المختار و الاختيار. لكنها عادت لتكون موضوع حديثنا اليوم , إ ذ يبدو أن تلك اللعنة قد عادت للظهور لتطارد العراقيين في حلهم و ترحالهم فأصبحوا جميعا بين فكي كماشة من إرهاب العملاء و الأعداء في الداخل و اضطهاد الغرباء و الأخوة في الخارج . الوثيقة التي يحملها العراقي اليوم , سواء كانت ج أم س أم ميم أم نون أم هاء فإنها تعلن بصورة واضحة و صريحة أن حاملها متهم خطر يجب تجنبه مهما اختلفت حروف الوثيقة التي يحملها. تصل الطائرة الى المطار الشقيق في بعض الأحيان فيساق حملة وثيقة الاتهام الى غرفة تقفل بابها عليهم و لا عبرة في أن يكون أحدهم مريضا جاء لطلب العلاج أو مسافرا ينتظر طائرة أخرى تحمله الى بلد آخر و عبثا يحتج منهم من يحتج على معاملته كالمجرمين بالرغم من أنه مسافر ببطاقة سفر أصولية و يحمل جواز سفر نافذا يظن أنه يوفر له حماية كرامته على الآقل لأنه أصبح موقوفا في هذه الغرفة حتى تتوفر طائرة عائدة الى بلده لتضعه في أيدي العصابات الرسمية التي تريد رأسه و سواء طال الانتظار ساعات أو أياما فانهم جميعا رهن الاعتقال بموجب وثيقة الاتهام التي يحملونها. و يصل المسافر الى نقطة الحدود التي أقيمت لتمجد كل يوم إنجازات طيبي الذكر سايكس و بيكو و تقدس مخلفاتهما فيتجه الى شباك تعلوه لافتة تقول ( العرب ) لأنه يعتبرنفسه عربيا أو أنه يحمل وثيقة صادرة باسم بلده الذي كان يعهده عربيا, لكنه حين يصل دوره أمام الضابط المختص و يرى الضابط لون وثيقته يفاجأ بتوجيهه الى شباك آخر خصص لحاملي وثيقة الإتهام, و لا يستطيع أن يتساءل عن السبب و هل هو غير عربي؟ لأنه يكتشف بسهولة أنه يقف على كف عفريت و أنه معرض للرفض عند أي حركة, أو حتى بدونها بالرغم من كل الادعاءات بتسهيل امور ( الاخوة العراقيين ) كما يحلو لهم أن يدعوهم, بل انه كثيرا ما يشعر أن الأمور تسير على عكس هذا الإدعاء و أن بعض (الإخوة ) يتفنن في محاولات الإذلال بكل طريقة فكأن لهم ثأرا حتى أن أحد السفهاء في بلد ( شقيق !!) نشر إعلانا يقول فيه " مطلوب خادمة عراقية تحمل شهادة جامعية "!!! لكن لماذا العجب أو العتب؟ فالمفروض أن كرامة المواطن من كرامة بلده التي تحميها حكومته, و الناس ترى أن الحرص مفقود أو معكوس في أكثر الأحيان, فالمواطن الذي يهرب من إرهاب مليشيات الحكومة ( إقرأ حكومة المليشيات ) ينتابه القلق حين يسمع بزيارة اي مسؤول من بلده للبلد الذي يؤويه و لا يخيب الجميع توقعاته السيئة. و لنا أن نذكر, للمقارنة فقط, الثورة العارمة التي انتابت ( فخامة ) "رئيس الجمهورية "على اعتقال الاميركان لإيراني واحد فهدد و توعد في الوفت الذي ما يزال عشرات الآلاف من العراقيين يقبعون في سجون الاحتلال منذ سنوات , و يبشرهم المبشر أنهم ينظرون في إطلاق سراح الذين لم توجه اليهم تهمة , و كأن المفروض أن يبقوا رهن الاعتقال و تكفي تهمة أن يكونوا عراقيين . على اننا لا نلوم (فخامته) على سكوته على اعتقالهم لأن نائبه يطمن المعتقلين الذين زارهم في سجون صولاغ و البولاني التي سُمح له بزيارتها أنهم احسن حالا من الموجودين خارجها, و لعلنا نتوقع بعد تصريح (دولة النائب) أن يتقدم الجميع بطلب اعتقالهم فيدخلوا جنة سجون (التحرير) وليتمتعوا بطيب الإقامة التي يحسدهم عليها (صاحب الدولة). و لم لا ؟ على الأقل سيتخلصون من القلق على لقمة العيش و شربة الماء التي عجز أصحاب الفخامة و الدولة و المعالي عن تأمينها لهم. |