غربال الذاكرة : محمد الماغوط |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات اكتب اليوم ( 3/10/2007 ) عن الشاعر محمد الماغوط بعد مرور سنة ونصف بالتمام على وفاته قي 3/4/2006 ، اي انني احتفي بالذكرى السنة – نصفية وليس الذكرى السنوية لوفاته أيها المقنّعون بكل ما نحب ونكره لم لا تصغون إلى؟ لساني الثقيل سيذهلكم إذا ما انطلق مرة واحدة أيها الغامضون إذا مسستكم بسيفي شطرت لسانكم إلى ألف كل شطر يناقض الآخر. أصغيت إلى الأعراب والخراسانيين بوفاة سنية صالح ، فقد محمد الماغوط الزوجة والرفيقة والطفلة كما كان يصفها في احاديثه فلا يجد بعدها "طفلة" في العالم، فدوّن خسارته بكلمات قليلة كتبها على شاهدة قبرها في دمشق/ السيدة زينب: "هنا ترقد الشاعرة سنّية صالح، آخر طفلة في العالم. ثلاثين سنة وهي تحملني كالجندي الجريح ولم أستطع أن أحملها إلى قبرها بضع خطوات.." لقد عرفنا سنة صالح من خلال الماغوط عرفنا مقدار التفاني والمؤازرة والصبر والقوة التي حملها قلبها فكانت تتحمل حدة مزاجه الى جانب تحمل نتائج نقده اللاذع للانظمة العربية الشمولية فتعاضد وتساند وتؤازر الشاعر في أحلك ظروفه ( بما في ذلك السجن ) ... وهي التي كتبت بمعرفة ناضجة ومسؤولة وبقلم ينضح شقاء وحبا، مقدمة الأعمال الكاملة لزوجها" الماغوط" ورفيق دربها في الكتابة ومقارعة الحياة ... ************* في الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان الماغوط يدهشنا بتنوع انتاجه ، فبالإضافة إلى الشعر الذي بدأه بديوانه( حزن في ضوء القمر ) والمسرحية الشعرية(العصفور الاحدب) التي لم تقدم على المسرح ابدا , كتب للتلفزيون وللمسرح والسينما، ولا تقل كتاباته النثرية أهمية عن كتاباته الشعرية، وكنا نتابع باهتمام زاويته الاسبوعبة في جريدة تشرين والتي كان احيانا يكتبها امامنا ، ينعزل عن مجلسنا لساعة او اكثر عندما تأتيه الخاطرة ويضع الورق على ركبتيه ( وهي طريقته المفضلة للكتابة ولا يحب الكتابة على طاولة ) ويكتب مفكرا بكل كلمة يخطها فهو يعرف ان الاف القراء ينتظرون ما يكتبه من لواذع فكرية سياسية ... وهو يقول عن نفسه في حديث معه قبل وفاته باشهر قليلة ( أنا من أكثر الكتّاب العرب صدقاً وبساطة، وأصل إلى الناس بسهولة عن طريق الشعر، وإن لم يكن عن هذا الطريق فليكن عن طريق المسرح أو التلفزيون أو الإذاعة وهكذا. إن دروبي عديدة للوصول إلى القارئ لأنني أعلم أن محمد الماغوط من أكثر الكتّاب الذين يقرأ لهم الناس، فالعالم العربي كله قرأ كتابي "سأخون وطني" وكان من أكثر الكتب قراءة في فلسطين والسجون "الإسرائيلية"، مع كل ذلك لو أنكرني الجميع، سأظل كما أنا ولن أغير أو أبدل كلمة واحدة أو أعدل في أسلوبي....) كان الماغوط في لقائتنا الخاصة يسكت عندما يرى ان الحوار خرج عن المنطق والواقعية ودخل في التحليلات العاطفية .. وكان يصرخ فينا قائلا ( اسمعوا انا ضد منطق الغوغاء منذ صغري، الهزائم التي لحقت بالأمة العربية كلها بسبب غوغاء الشعارات .. لم اصفق في حياتي لشعار غوغائي وموقفي هذا اوصلني إلى السجون والقهر والجوع والتشرد ) في فترة السبعينات اصدر الماغوط ديوانه ( الفرح ليس مهنتي ) ثم مسرحية ( المهرج ) التي خلط فيها ماضي الامة مع حاضرها في صيغة لاذعة ! ثم انصرف فترة لكتابة مسرحياته السياسية لدريد لحام من غربة – الى ضيعة تشرين ثم كاسك يا وطن وكتب للسينما فيلمين مع دريد لحام هما التقرير والحدود !! **** كان محمد الماغوط ابن السلمية (ولد فيها عام 1934 ) مغرما بمدينة دمشق حتى ان ابنته اسمها شام ! وفي احد الايام ( اواخر الستينات او اوائل السبعينات ) جائني الماغوط وانا مدير تلفزيون دمشق وابتدا يتحدث عن عدم رضاه عن الاعمال التلفزيونية المعروضة وقلة اهتمام الكتاب بهموم الناس اليومية .. وقال ان عنده رغبة في ان يقدم مسلسلا عن دمشق والدمشقيين ! قصص الناس البسطاء مسلسل في حلقات بعناوين مختلفة تتناول الظواهر الاجتماعية والاقتصادية السلبية والايجابية، وصار الماغوط يشرح كيف ينبغي ان يتناول المسلسل تفاصيل هموم الحياة اليومية لمواطنين عاديين وصراعهم مع جملة الشروط الموضوعية التي تحيط بهم، والبحث عن المفارقات بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي ضمن الظروف الاجتماعية والاقتصادية للافراد ... وكان الاطار العام للمسلسل من خلال مشاهدات حارس ليلي في حي شعبي بدمشق ! وقد تحمست للفكرة واشتغلها المخرج غسان جبري مع الماغوط الذي ادهشنا يومها بتفهمه لمتطلبات العمل التلفزيوني وصبره في التعامل مع الفنانين والفنيين , وهكذا ولد مسلسل ( حكايا الليل ) وهو واحد من اهم الاعمال التي قدمها التلفزيون السوري في السبعينات من القرن الماضي دون بهرجة انتاجية وبلا فخفخة شكلية هدفها الابهار ليس الا ، وانما مسلسل شعبي واقعي يتكئ على افكار محمد الماغوط ولغته الشعرية الشفافة ! لقد قضيت حياتي وأنا أنتظر حلول الليل طلوع الفجر الحب شروق الشمس الابداع ,الالهام , الهبوط ,الاقلاع إلا الذي أحبه أن يعود. فلا أرى له أية بارقة أمل. *** أن لا يكون هناك ما تنتظره أو تتذكره أو تحلم به!! |