في رحاب كَنزا ربّا – الكتاب المقدس للصابئة المندائيين - ح 4

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
01/10/2007 06:00 AM
GMT



( الأعجاز العلمي والأعجاز الإلهي )

يا لروعة الأعجاز العلمي في كتابنا المقدس ( كنزا ربّا ) ، فبعد أن وضحنا في مقالتنا السابقة تطابق أحدث النظريات العلمية حول نشأة الكون مع ما ورد في كتابنا المقدس .. نسوق لكم في هذه الحلقة البعيدة عن التعقيد اللغوي واللفظي ، ما نحسبه إعجازا ً آخرا ً لكتاب الحي العظيم ، وأسمحوا لي في البدء أن أذكر لكم مقدمة علمية ستشكل مدخلا ً لموضوع حلقتنا هذه .

( ذكر فريق دولي من العلماء الفيزيائيين من جامعة هارفارد ، أنهم قاموا بأول قياس لذرات ولدت من مضاد المادة ، وهي المادة المتفجرة والمعاكسة للمادة التي نستخدمها يوميا ً ) .

لقد أعتقد العلماء منذ زمن ، أنه عندما تكوّن الكون ، كانت فيه أجزاء متساوية من المادة ومضاد المادة ، ولكن ، لأن هاتين المادتين تبيدان بعضهما ، لم يستطع العلماء أن يدركوا ، لماذا أن المادة العادية – وليس مضاد المادة – هي المهيمنة في الكون ، وعلى المدى الطويل ستفتح هذه النتائج أبوابا ً جديدة من المواد في العلوم .

والآن ، دعونا ننظر في كتابنا المقدس ( كنزا ربّا ) ، وعلى وجه التحديد في موضوع ( المثيل السني الكامل ) الذي يشكل جزءا ً من عالم الأنوار ، يقول التسبيح الثاني من الكتاب الثالث – الجزء اليمين ( أيتها النفس تنهضين – والحي القدير تمجدين .. وله تسجدين .. سبّحي لعليين .. حيث يجلس الصالحون .. ومجّدي أدكاس زيوا ( 1 ) الأب الذي منه أنبثق آدم ) ، إن هذه البوثة ( الآية ) تفسر لنا وجود آدم بغرا ( 2 ) ( آدم الجسد ) في عالمنا الأرضي ، والذي هو زوج حواء ، ورأس السلالة البشرية ، أي أن آدم كسيا ( 3 ) ( آدم الخفي ) هو المثيل السني ل ( آدم بغرا ) ، وأنه يمثل الكمال بالنسبة له ، فهو كائن نوراني كامل في صفاته وأيمانه وقدراته التي هي جزء من قدرات عالم الأنوار .

ولنقول مجازا ً أن ( آدم كسيا ) هو مضاد ( المقابل وليس المعاكس ) ل ( آدم بغرا ) – الخطـّاء ، غير الكامل الذي يعيش في عالمنا ( عالم الظلام ) .

لنعود الآن الى ما أكتشفه العلماء مما أوردناه في أعلاه ، فأنه يضعنا في أول الدرب للوصول الى مضاد إنسان ، لأن ذرات مضاد المادة – المتشكلة من ألكترون ذرة مادة مضادة ( بوزترون ) وبروتون مادة مضادة ( أنتي بروتون ) – ستشكل هذه الذرات جزيئا ً ثم مضاد مادة وبالتالي مضاد أنسان ، وسنصل بعدها الى ما يقوله كتابنا المقدس ( مع مثيلي أنا أتحدث .. تعال نصلي أنا وأنت .. مجّدني وأمجّدك .. ساعدني وأساعدك .. فتصعدني وأصعدك .. ) ت 6 ك 17 – اليمين .

ومضاد الأنسان هذا ليس بالضرورة أن يكون الصورة السلبية لما نحن عليه ، بل يمكن أن يكون مكملا ً لنا ، فقد عُرف في العلوم دائما ً موضوع وحدة المتناقضات ، أو تكاملها ، وعليه ، فمثلا ً ( رام بغرا ) ، يكون مثيله السني ومثاله الكامل هو ( رام كسيا ) الذي يسكن في المطراثي ( 4 ) ، وهي جزء من مشوني كشطا ( 5 ) ، وبالتالي هي جزء من عالم الأنوار . ويمكن لقوى رام كسيا الغيبية المتكاملة أو جزء منها ، أن تنتقل الى رام بغرا ، حتى قبل مماته . إذ كلما إتحد الأثنان ، سيكون من نتيجة هذا الأتحاد ( لوفا ) ( 6 ) إنتقال جزء من قدرات ال ( كسيا ) الفائقة الى ال ( بغرا ) ،وبالتالي يمتلك الأخير ما نسميه نحن ب (الكرامات) ، أو ( إعطاء المراد ) .

وقد يحصل ذلك بعد وفاة ( بغرا ) وأنتقال النفس للحساب في المطراثي لتوزن بميزان شيتل بر آدم ( النبي شيت بن آدم ) ، فإن كانت بلا حساب ، بسبب تقواها الشديد ، إلتحمت مع كسيا وأكتسبت بذلك قواها وقدراتها و( كراماتها ) و( رام كسيا ) سيسوق نفس ( رام بغرا ) بعد الموت ويصعد بها الى بارئها ،

( خارج أنا للقاء شبيهي .. وخارج شبيهي للقائي .. حنا علي ّ .. وحنوت عليه .. كأنني عائد من السبي إليه ) ت 25 اليسار .

والنفس تسوق الروح معها أيضا ً. أنظر الى الروح وهي تقول لنشمثا ( النفس ) .. ( قوديني معك الى أن يقام الميزان ، فيُحسب ما بي من كمال ويحسب ما بي من نقصان .. وعندها يقرر الحساب ، أتبعك أم أبقى في العذاب ) ت 25 اليسار .

وكما عَرف آدم ، رأس السلالة البشرية ، أباه ( أدكاس زيوا ) الملاك ،

( وحين آدم ركع ، ولأبيه الملاك خشع ، أظهر له أدكاس زيوا نفسه ، فامتلأ آدم تسبيحا ً ورتـّل جسدا ً وروحا ً ) ت2 اليمين .

فإن كل ( آدم بغرا ) ، أي كل واحد منا سيعرف ملاكه الموكل بقيادة نفسه بعد حسابها وبعد صعودها الى مشوني كشطا والى عالم الأنوار – موطنها الذي منه أتت ، فالنفس وديعة الله – الحي العظيم – في الأنسان ، ولا بد من أسترداد الوديعة ولو بعد حين ،

( وحين يتم آدم مهمته ، يُمكـّن من العودة الى موطنه ، موطن النور .. مع أدكاس زيوا أبيه .. ليكون ملاكا ً فيه ) .

إن ما نسّطره في مقالتنا هذه ليست فكرة معقدة لا يمكن فهمها أو تتبعها ، بل هي حقيقة متسلسلة يدلنا عليها كتابنا المقدس ( كنزا ربا ) ، ويمكن إيجازها بما يأتي :

في الخلق :

من عالم الأنوار ___ النفس _____ الى جسد الطين ( بغرا )

في الموت :

من جسد الطين ___ النفس _____ الى المطراثي __ الى كسيا __الى مشوني كشطا __ الى عالم الأنوار .

وبذلك يكون آدم كسيا لكل منا ، رقيبا ً موكلا ً – ملاكا ً – ومانحا ً للقوة لنا عند تكامل إيماننا ، وسائقا ً لأنفسنا بعد الموت .

( ونفذ الصوت ، نحن نسميه الحق ، وأنتم تسمونه الموت . )

والآن لنتمعن القول مرة أخرى في المعلومة العلمية الواردة في بداية المقالة ، ولنقرأ حقيقة ( مضاد المادة ) في وجودنا، ولماذا المادة العادية – وليس مضاد المادة – هي المهيمنة في الكون ، ولنتسائل ، أين ذهبت مضاد المادة ؟ وأين هي الآن ؟ ، إن كانت معنا ، فما شكلها ؟ ، وبشكل أدق ، ما شكل مضادي أنا ؟ ، وأين هو ؟ وما هو تأثيره علي ؟ وما موقعه مني ؟ ومن منا يملك طاقة أكبر ؟ .

أدعوك قارئي الكريم ، أن تقرأ المقالة مرة ثانية ، وأفترض معي أن كسيا هو مضاد بغرا ، فماذا سنحصل ، وماذا يكون ؟ ، صحيح أن كلا ً منا يعيش في عالمه ، ولكن عالمنا دائم الأتصال بالعالم الذي يعيش فيه ( كسيا ) كل منا ، أي أن عالم الغيب وعالم الشهادة هما على أتصال دائم ، فلا تستغرب أنتقال قدرات كسيا الى بغرا .

كما نؤمن أن طريق النفس التي أودعها الله في بغرا ، ستمر بعد الموت ب ( كسيا ) ، أو المثيل السني الكامل .

وأعتقد أيضا ً أن هذا الموضوع يحتمل بأفتراضاته العديدة أن يكون بحثاً مستقلا ً ، لعلنا نوفر له الوقت الكافي يوما ً ما .

 

الهوامش

1- أدكاس زيوا : كائن نوراني ، وهو آدم الخفي البهي .

2- بغرا : الجسد .

3- كسيا : الخفي .

4- المطراثي : مطراثا : مطهر في العالم الآخر لتطهير النفس من آثامها .

5- مشوني كشطا : أرض العهد ، ويعيش عليها المختارون الصالحون .

6- الأتحاد : وفي المندائية يسمى ( لوفا ) ، وهو ما تتضمنه ( رواها إد هيي ) التي تقرأ في مناسبات العزاء والتي هدفها التوسل لحصول الأتحاد بين بين كسيا وبغرا .

basharsabti_7@yahoo.com