الحزب الديمقراطي الأمريكي والقرار الخائب

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
29/09/2007 06:00 AM
GMT



واهم من يعتقد أن الحزب الديمقراطي الأمريكي يختلف عن قرينه الحزب الجمهوري، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، وكل ما ظهر ويظهر في هذا الوقت من تناقض بين الحزبين حول الموقف من الحرب الدائرة في العراق لا يعدو أن يكون جزء من الحملة الانتخابية التي ستجري بعد عام.

ويخطئ مرة أخرى من يعتقد أن الديمقراطيين سوف يسحبوا قواتهم ويخرجوا من العراق إذا ما انتصروا في الانتخابات الأمريكية، وهو أمر شبه مؤكد،وهم الذين صوتوا إلى جانب الجمهوريين، ودعموا الحرب على العراق.

ويخطئ مرة ثالثة من يعتقد أن الحرب التي شنها الرئيس بوش على العراق كانت حباً بالشعب العراقي ، وحرصاً على حريته وتحريره من عبودية الدكتاتور صدام حسين وحزبه الفاشي فكلاهما [ حزب البعث وصدام] صناعة أمريكية، فقد كان صدام وحزبه منذ انقلاب 8 شباط 1963 في خدمة المخططات الأمريكية، حارب إيران ثمانية أعوام بالنيابة عنها، تلك الحرب التي قال عنها هنري كيسنجر في مذكراته:

{ إنها أول حرب في التاريخ أردناها أن تستمر أطول مدة ممكنة، ولا يخرج منها أحدٌ منتصراً}.

وكانت الولايات المتحدة تمد العراق وإيران بالمساعدات العسكرية والمعلوماتية حول تحرك قوات البلدين لكي تستمر الحرب التي خططت لها القيادة الأمريكية، ونفذها صدام حسين، تلك الحرب الكارثية المفجعة التي شنها الجلاد صدام ، والتي لا ناقة للشعب العراقي فيها ولا جمل، كما يقول المثل المشهور،ودفع خلالها الشعب العراقي ثمنا باهظاً جداً من دماء شبابه جاوز نصف مليون شهيد، ودمر الاقتصاد العراقي، واستنفذ كل مدّخرات العراق وموارده النفطية، وأغرقت العراق بالديون بأرقام فلكية، ودمرت البنية الاجتماعية العراقية ، وتركت تلك الحرب ملايين المعوقين واليتامى والأرامل.

ولم تقرر الولايات المتحدة وقف تلك الحرب إلا بعد أن تحولت إلى حرب الناقلات النفطية، وأصبح توريد النفط مهدداً، عند ذلك قدمت الإدارة الأمريكية مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو إلى وقف الحرب!!.

خرج العراق من تلك الحرب يمتلك جيشاً جراراً، وكميات هائلة من السلاح ، بما فيها أسلحة الدمار الشامل التي كانت الولايات المتحدة وحلفائها قد جهزوا صدام بها، ولكنه يمتلك اقتصاداً منهارا، وهنا بدأ صدام يتطلع إلى التعويض عن خسائره، ويحاول إعادة بناء الاقتصاد العراقي المدمر، وكانت عيناه تتجه نحو دول الخليج الغنية بالنفط، وفي المقدمة منها الكويت، عند ذلك أدرك قادة الولايات المتحدة خطر التطلعات الصدامية، وقرروا تجريد العراق من سلاحه ليس فقط أسلحة الدمار الشامل فحسب بل كل ما يمتلكه من أسلحة تقليدية ومصانعها التي كانت تديرها هيئة التصنيع العسكري،بل لقد تجاوزت الأهداف الأمريكية كل البنية الاقتصادية العراقية، فكان أن نصبت لصدام الفخ القاتل في الكويت، وشجعته بصورة غير مباشرة على غزوها، عندما أبلغته السفيرة الأمريكية كلاسبي بأن الولايات المتحدة لا تتدخل في المشاكل بين البلدان العربية، وأبلغت صدام بأنه يستطيع حل مشاكله مع الكويت بالطريقة التي يراها مناسبة.

وابتلع صدام الطعم، ظناً منه أن كلاسبي قد أشعلت له الضوء الأخضر لغزو الكويت والسيطرة على نفطه وسائر مدخراته، وتوسيع نافذته على الخليج.

وهكذا وقع صدام وأوقع جيشه وبلده وشعبه في الفخ الأمريكي القاتل، فكانت الكارثة الكبرى التي حلت بالشعب العراقي ليس فقط جراء حرب الخليج الثانية، فحسب، بل جراء حرب أقسى وأشد وحشية، إنها حرب تجويع الشعب العراقي، تلك الحرب التي تعتبر افضع أنواع الحروب، الحرب التي امتدت ثلاثة عشر عاماً لم يعرف أي شعب من شعوب الأرض مثيلاً لها، والتي أتت على البنية الاجتماعية العراقية وخربتها شرَّ تخريب، وخلال تلك السنوات العجاف تداول السلطة كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ثم عاد الحزب الجمهوري إلى الحكم من جديد على عهد بوش الابن، وقد مارس الديمقراطيون نفس الأساليب العدوانية ضد العراق خلال سنوات حكمهم كما هو معروف للجميع.

إن كل ما حل في العراق منذ عام 1963 وحتى يومنا هذا تتحمل مسؤوليته الولايات المتحدة وحزبيها الذين يمثلان وجهان لعملة واحدة، يتداولان السلطة بينهما، ويجمعهما هدف مشترك هو تأمين المصالح الإمبريالية للولايات المتحدة وشركاتها الاحتكارية الكبرى التي تتحكم في الاقتصاد العالمي، تنهب خيرات الشعوب .

واليوم طلعت علينا الأخبار الواردة من الولايات المتحدة بنبأ القرار الذي تبناه الحزب الديمقراطي في الكونكرس، والقاضي بتقسيم العراق إلى دويلات طوائف دولة شيعية، ودولة سنية، ودولة عنصرية كردية، هذه هي الديمقراطية في مفهوم الحزب الديمقراطي الأمريكي !!، والتي يضحكون بواسطتها على ذقن الشعوب .

أنهم حريصون جداً على الشعب العراقي!!، وعلى الأمن والسلام في ربوع العراق!!، وحاشاهم أن يكونوا هم وقرينهم الحزب الجمهوري، وقادة الكونكرس ومجلس الشيوخ من أصحاب روؤس الأموال والشركات الاحتكارية الكبرى، والذين يتحكمون في الاقتصاد العالمي، من خططوا ودعموا إدارة الرئيس بوش لشن الحرب على العراق، وأوصلوه إلى هذه الكارثة التي فاقت بوحشيتها كل الكوارث السابقة، حيث أججوا النعرات الطائفية والعنصرية المقيتة في المجتمع العراقي، وأوصلوه إلى الحرب الأهلية الوحشية التي لم يعرف الشعب لها مثيلاً من قبل، ومزقوا نسيجه الاجتماعي.

وهم اليوم يبتغون من وراء مشروعهم الإمبريالي الخائب والبائس تعميق هذا الصراع، وصب الزيت على نار الحرب الطائفية، والصراع القومي بين مكونات الشعب العراقي باسم الفيدرالية، التي خرجت عن كل معانيها، وبات الهدف الحقيقي يرمي إلى تمزيق العراق، وخلق دويلات الطوائف، لكي يستمر الصراع وتستمر الحرب الأهلية، فلا تقوم للعراق قائمة بعد ذلك.

إن من يعتقد أن تمزيق العراق وتقسيمه إلى دويلات طائفية وعرقية سوف ينهي الصراع الحالي الجاري في البلاد واهمٌ جداً، بل على العكس من ذلك سيجر العراق إلى حرب بين هذه الدويلات اشبه بحرب المئة عام المعروفة، فالعراق عزيز على قلوب العراقيين، وهذا الذي يجري اليوم على أرضه ليس من صنع الشعب، بل هو بكل تأكيد من صنع ملوك وأمراء الطائفيين والعنصريين الطامحين بالسلطة والثروة، حتى ولو كانت على أشلاء العراقيين، لكنني مؤمن أشد الأيمان إن مخططاتهم ومخططات أسيادهم الأمريكيين سوف تفشل في النهاية، فلا يصح إلا الصحيح.

إن كل من يدعم هذا المخطط الإمبريالي الأمريكي الجديد يقترف خيانة وطنية كبرى سوف لن يسامحه الشعب العراقي إلى الأبد، وسيبقى يحمل عار الخيانة المخزي، فليس هناك جريمة أكبر من الخيانة الوطنية. وسيعلم الذين يدفعون العراق وشعبه نحو الكارثة أي منقلب سينقلبون.