ربنا يزحمها أكثر وأكثر

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
23/09/2007 06:00 AM
GMT



بينما كنت اقرأ موضوعا عن وضع الشعب العراقي وحالة الفوضى والإهمال المرعب الذي يعانيه وتدهور وضع المرأة في الداخل والخارج , تذكرت الحاج متولي بطل مسلسل ( عائلة الحاج متولي ) والسبب ليس لان حكومتنا صارت مثل الحاج زوج الأربعة الذي يسعى لإرضائهن والتوفيق بينهن , فالحاج والشهادة لله كان ( حمش ) وقادر على ضبط بيته بحزم مرة وبعقلانية مرات .. لكن تذكرت عبارة قالها ( الحاج ) في موقف .. عندما شكا إليه احد عمال محله العامر بالقماش والزبائن شدة الزحام داخل المحل فقال له الحاج: أن الزحام هذا هو سر ومصدر نجاحنا فالمحل المزدحم يجذب زبائن أكثر من محل جيد البضاعة قليل الزحام أو الفارغ.. وهنا أردف الحاج حكمته هذه بعبارة ( ربنا يزحمها أكثر وأكثر )..

والحقيقة أن المحل المزدحم ليس مصدر نجاح صاحب المحل, لكنه وفي كثير من الأحيان يكون مصدر رزق لصغار اللصوص المستغليين للزحام والمندسين بين الناس لسرقة جيوبهم وحقائبهم.. وهذا ما يحدث ألان في العراق

فبينما ينشغل البعض بفضح سرقات اللصوص الكبار يبقى صغار اللصوص بعيدا عن أي رقيب ومحاسبة يمتصون دماء أبناء الشعب العراقي مثل البعوض ويتفننون في ابتداع طرق لسد أي منفذ تصل منه خيرات هذا الوطن إلى المواطن.. فصغار اللصوص يعششون في دوائر الدولة مثل سرطان مستشري ينخر ما تبقى من الجسد المتداعي.. أما المؤسسات التي تمثل حلقة الوصل بين المواطن والدولة فالسرقة والنهب فيها تجري على قدم وساق وبلا هوادة.. وكمثال على هذه المؤسسات, المجالس البلدية المنتشرة في كل المناطق السكنية.. حيث احترفت عصابة من اللصوص لا يتجاوز عددها عادة أصابع اليد الواحدة وباسم أعضاء المجلس البلدي, احترفت سرقة أبناء المنطقة الواحدة وحرمانهم من أي خدمات تقدمها الدولة عن طريق هذه المجالس.. وربما لا يعلم الكثير أن هناك بعض منظمات المجتمع المدني ( وهذه وحدها مصيبة ) تقدم خدمات للمواطنين عن طريق هذه المجالس فيصبح عضو المجلس النزيه جدا والنظيف حلقة الوصل بين هذه المنظمات والمواطن فعندما تقدم جمعية ما مشروع دورة لتدريب النساء في المنطقة لتطوير قدراتهن في مجال الحاسوب يقوم أعضاء المجلس البلدي بتوزيع الاستمارات بشكل سخي يثير الشكوك لما معروف عن خلفية هذه العصابة وتكتمها حول ما يجري داخل المجلس وبعد أن يجمع الأعضاء ما يزيد عن ثلاثمائة استمارة مملوءة بالمعلومات ومزودة بنسخ عن هوايات الراغبين بالمشاركة إضافة إلى صورهم الشخصية , تلغى الدورة المزمع إقامتها في مقر المجلس البلدي بعد مشاجرة مفتعلة بين رئيس المجلس وعضو بحجة إن بناية المجلس غير ملائمة لإقامة الدورة لعدم توفر مولدة للتيار الكهربائي قادرة على تشغيل الحاسبات .. طبعا يقتنع الناس المساكين بالعذر أو لا يقتنعون فليس بأيديهم شيء ويتجه كل واحد لبيته مكسورا مدحورا ليكتشف بعدها أن كل مشارك في الدورة خصص له راتب شهري يتراوح بين المائة والمائة وخمسين دولار حسب نوع الدورة التي يريد اجتيازها وتتراوح مدة هذه الدورات بين الشهرين والستة أشهر ولثلاثمائة مشترك وربما أكثر وبإمكانكم تقدير المبلغ الذي تم سرقته من قبل أعضاء المجلس البلدي !! .. ولكن هل هذا كل شيء ؟ بالتأكيد لا فأعضاء المجلس البلدي يتمتعون بمميزات مذهلة فكل واحد منهم يحمل من الألقاب ويشغل من المراكز مالا يمكن إن يخطر على بال احد فعضو من الأعضاء كان المسؤول المباشر عن المنظفين وجامعي القمامة في المنطقة ( والشهادة لله فان منطقته كانت من أقذر المناطق السكنية في بغداد) وهو المسؤول عن لجنة المهجرين في المنطقة كما انه المسؤول عن استلام وتوزيع المحروقات على مواطني المنطقة إضافة إلى انه يحمل هوية حارس في محطة الوقود التابعة للمنطقة ( وهذه وحدها ميزة عظيمة ومصدر من مصادر نهب المواطن البائس ) كما انه مسؤول لجنة العوائل المعوزة في المنطقة .. وربما يعتقد أحدكم إن الشخص قد يكون كفأ للمواقع التي يشغلها حتى يكتشف أن العضو المهم هذا قام بتسجيل عشرات الأسماء الوهمية من ضمنها أسماء أولاده في قوائم رواتب منظفين الشوارع ! أما المحروقات ( النفط والغاز ) التي يستلمها من الدولة كحصة شهرية لكل مواطن يسكن المنطقة فيقوم بتوزيعها على مجموعة محددة من المستنفذين والمشاغبين الذي يعتقد أن بإمكانهم قلب الأمور ضد أعضاء المجلس ورئيسة كرشوة ! أما المهجرين والمعوزين الذين حازوا على هويات ورواتب شهرية بموجب استمارات قام هو بتنظيمها لهم يقدمها المجلس البلدي مباشرة إلى وزراة المهجرين أو وزارة العمل والشؤون الاجتماعية , فهم أقربائه وأقرباء بقية أعضاء المجلس البلدي وهكذا تحولت هذه المؤسسة المهمة إلى إقطاعية خاصة بأعضاء المجلس ورئيسة كل ما تقوم به هو تقديم خدمات خاصة جدا ومميزة لهذه العصابة

في مكان آخر طلب مني عضو في مجلس بلدي لأحد المناطق أن أساعده ( أو الأصح اكتب بالنيابة عنه ) تقرير متكامل وشامل عن منظمات المجتمع المدني وأهدافها واهم الخدمات التي تقوم بها ولأني اعرف تماما إن هذا الشخص هو شبة أمي لم يحصل حتى على شهادة الابتدائية وذلك لأنه ضرب مدير مدرسته وبذلك تم فصلة , سألته عن غرضه من هذا التقرير فقال لي انه ينوي مع مجموعة من الأساتذة الجامعيين ! والمثقفين ( العدد الذي جمعة لا يتجاوز الخمسة أعضاء ) تأسيس جمعية من جمعيات المجتمع المدني وبعد بحث صغير اكتشفت أن هناك عصابات تخصصت في هذا النوع الجديد من السرقة وذلك بإقامة جمعيات وهمية عن طريق طلب يقدم إلى الوزارة المعنية لا يتضمن سوى النظام الداخلي للجمعية وهدف تحدده الجمعية لنشاطها ( طبعا الهدف يحدده اكتشاف العصابة لجهة مانحة فإذا كانت جهة المنح ثقافية كانت المنظمة أو الجمعية ثقافية وبكامل المواصفات ، وإذا كانت الجهة المانحة تربوية أو مهنية أو غيرها جاءت العصابة بالمواصفات المطلوبة لاستلام الدعم ليس إلا ) .. طبعا كان من الجائز جدا إن يكون هذا العضو المحترم مظلوما من قبلي لو انه لم يحدثني صراحة عن عمل جمعية تعاونت مع المجلس الذي ينتمي إليه وعن المهازل التي كانت تحدث باسم تأهيل المجتمع المدني لان يكون ديمقراطيا ومن هذه المهازل دورة إقامتها جمعية في احد فنادق الدرجة الأولى في بغداد وطبعا كان نصف المشاركين فيها عبارة عن أسماء وهمية , قرر المشرفون على الدورة عمل زيارة وغداء للإشراف على سير الدورة في نفس الفندق وهنا اتصل الدكتور المحاضر بالعضو المذكور أعلاه ( كان صديق له وشريك في إعمال السرقة واحد أعضاء جمعيته المرتقبة ! ) ليبلغه إن هناك نقص في عدد الحضور وانه يحتاج على الأقل لعشرة أشخاص ليغطي على النقص فما كان من العضو المذكور إلا إن اتجه إلى المجلس البلدي فوجد على بابه مجموعة من النساء البائسات تعودن التجمع على باب المجلس بانتظار النفط والغاز والمعونات فقام بإقناع مجموعة منهن بغداء فاخر ومبلغ من المال إن هن ذهبن معه إلى الفندق المذكور لحضور المحاضرة بعد إن يلبسن ملابس لائقة طبعا وبالفعل اقنع سبعة منهن اتجهن بصحبته إلى الفندق لملأ المقاعد الفارغة وبعد أكثر من ساعة كان فيها الأخ ( وحسب تعبيره ) مثل الأطرش في الزفة خرجوا من المحاضرة ليتجهوا إلى قاعة الغداء في الفندق والتي كانت بوفيه مفتوح فيه طعام يكفي مئة شخص خصص لأعضاء الدورة وزائريهم من المشرفين والذي لم يتجاوز عددهم الثلاثين ! ولا ينسى عضو مجلس البلدي إن يذكر عبارة همستها في إذنه إحدى النساء التي اصطحبها من باب المجلس حين قالت له أنها لم تأكل طعاما كهذا حتى في عرسها اتبع عبارتها هذه بضحكة كبيرة تشبه ضحكة من اطعم شعبا كان جائع !!

هذا وأكثر يجري في مؤسسة صغيرة فما بالنا ببقية دوائر الدولة وما فيها من فساد إداري فهل نستغرب بعد هذا أن استمرت حالة الفوضى وفقدان الأمان والخدمات ! ..

يقال إن ضباطا في الجيش العراقي ابدوا تذمرهم واستياءهم من إعلان وقف إطلاق النار مع إيران في نهاية الثمانينات بعد حرب طالت لثمان سنوات وسبب تذمرهم أنهم كانوا مستفيدين من هذه الحرب وان أرزاقهم ستقطع بانتهاء هذه الحرب ! ويبدو إن هذا ما يحدث منذ أربع سنوات وأكثر في العراق فصار قطع الأعناق والتهجير وانعدام الأمان والفوضى أهون من قطع أرزاق اللصوص !.. وبالتأكيد فأن دعاء كل مستفيد من هذا الوضع هو ( ربنا يزحمها أكثر وأكثر )!