هل ان الشعب العراقي هو المسؤول ؟ |
المقاله تحت باب في السياسة دهشت حقا لذلك التعريف الرقمي او الهامشي الذي طالعنا به كتاب ومحللون في وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة والمرئية عن دمويات الشعب العراقي التي تمثلت في اغتيال قادته او اعدامهم ؛ حيث ذكروا كل ذلك تعدادامن خلال لمحات عابرة لا تتجاوز بضعة سطور ؛ دون الغوص في ركائز مهمة أدت الى ذلك ؛ كالمكان والزمان والخلفيات والدوافع السياسية او القانونية او الاجتماعية ؛ كما لم تعقد تلك المكثفات ؛ مقارنات لما حدثنا به التأريخ تصريحا او تلميحا عن مثل تلك الاحداث لكي تصبح تلك المعميات المبالغ بها اليوم والتي ألصقت بالشعب العراقي بتهويل متعمد دونما غوص في المسببات الحقيقية ؛ امرا مقنعا للقاريء بان هذا الشعب انما هو شعب متفرد بين شعوب الارض بدمويته وخشونة طبعه. لقد ذكروا بمقالاتهم الفضفاضة ؛ بأن الاغتيال في العراق المعاصر بدأ ب ( الملك فيصل الاول ) وتواصل ببعض الشخصيات التي جاءوا عليها ( بايجاز شديد ) في حين تناسوا البعض الآخر ؛ كرستم حيدر ؛ رئيس الديوان الملكي ووزير المالية ؛ وعبد الله باش عالم ؛ وضياء يونس ...الخ. كما تطرقوا الى الاعدامات بدأ بالرعيل الاول من القوميين كيونس السبعاوي وقادة حركة 1941 العقداء ( صلاح الدين صباغ ؛ وفهمي سعيد ؛ ومحمود سلمان ؛ وكامل شبيب ) وقادة الحزب الشيوعي بزعامة فهد وتناسوا مثلا احد قادة ثورة العشرين الشيخ ضاري .... الخ ثم ذكروا سعيد قزاز وتناسوا عبد الجبار فهمي؛ وبهحت العطية .. الخ وهكذا دواليك ان مثل هذا التقافز والانتقائية في المعلومات لا يدلل على ان الذي يكتب في مثل هذه المواضيع له دراية بالمعلومات التأريخية المعاصرة ؛ذلك ان المنهجية تقتضي الانطلاق من ثوابت اساسية او مرتكزات لعل ابرزها ما يأتي: - اولا - الزمان : - تلعب الازمنة دورا اساسيا في الاحداث التي تتسم بذلك الشكل من العنف الذي يؤدي الى كثير من الاحداث الدموية ؛ فاحداث ثورة العشرين في العراق وما ذهب فيها من ضحايا في مراكز القيادة هي غيرها في حركة 1941 ؛ او في وثبة 1948؛ او ثورة 1958... الخ وهذا التفريق ينصرف ايضا الى الاحداث االمتقاربة في اختلاف العهود من حيث اثارها على ما حل بكثير من القيادات في دول اخرى كالسودان ؛ ومصر ؛ ولبنان واليمن وسوريا ... الخ وفي فترات زمنية مختلفة . ثانيا - المكان : - لو قيض لنا ان نستعرض بعضا من الامكنة خارج خارطتنا العربية ؛ كامريكا اللاتينية وافريقيا وبعض البدان الاوربية والاسيوية ... الخ وحاولنا ان نحصي ما جرى لقادة بارزين في دول عدة منها (من اغتيال اوتسميم واعدام باساليب من التآمر والغدر ) لوجدنا ان الامكنة وبما أفرزته من جهل سببه عادات وتقاليد بالية ونزعات قبلية ؛ اوتعصب عرقي او طائفي كان لها اثرها المباشر على نتائج النهايات المأساوية لكثير من القادة . جل بنظرك في أيرلندا والبوسنة والهرسك وصربيا ؛ وتشيلي ؛ وكولومبيا ؛ ؛ ونجيريا ؛ والفلبين ؛ وتيمور الشرقية ؛ ... الخ فستجد من مثل تلك الممارسات الشنيعة ما يسجل صفحات دموية في تأريخ كل منها وسببها النزاع حول السلطة ؛ او التعصب الديني اوالعرقي اوالحزبي ؛ او كلها مجتمعة . ثالثا - الموت والاغتيال : - هناك خلط او ادماج ما بين موت بعض الزعماء و اعتباره بمثابة اغتيال ؛ كما الحال مع الملك فيصل الاول ؛ والملك غازي الاول وعبد المحسن السعدون ؛ وعبد الناصر ... الخ وبين الاغتيال الحقيقي ؛ كما حدث لجعفر العسكري ؛ ورستم حيدر و والملك فيصل السعود وحسني الزعيم ورياض الصلح وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وانور السادات ورفيق الحريري ... الخ رابعا – الاعدام : - وهذا بدوره لايسير على خط واحد مستقيم اذ يتوزع على عدة فروع ؛ منها ما يقع اثناء الثورات والانقلابات والهيجان الجماهيري كما حدث في الثورة الفرنسية والثورة البولشفية وثورة 14 تموز والثورة الاسلامية الايرانية ؛ ومنها تنفيذا لاوامر السلطة التنفيذية اثناء الاحكام العرفية او الطواريء ؛ والثالث ما يقع تنفيذا لاوامر الحتلال كا حدث في ليبيا والجزائر ومصر والعراق ...الخ ؛ اما الاخير منها فهو ما تقرره المحاكم الجنائية الحقيقية في الجرائم الفعلية ؛ والتي لا تخضع الا لسلطة القانون والعدل . لقد وضع بعض الكتاب كل تلك الوفيات الطبيعية والاغتيالات والاعدامات .. الخ في سلة واحدة دونما تمييز او تحقيق او تثبت او مراجعة متأنية تعنى بالواقع الحقيقي ؛ في حين ان لكل حالة فردية او جماعية من هذه لها ظروفها واسبابها ودوافعها الداخلية او خضوعها لارادات خارجية ؛ أملت تنفيذها . فكان على الكتاب والحالة هذه ؛ تفحصها بعناية ثم افراد لكل حالة على حده ما يوضح للقاريء الاسباب الحقيقية من وراء تنفيذها لكي تمنح مصداقية موثقة بالدليل القاطع ؛ امام القراء والباحثين في صفحات تاريخ العراق المعاصر . فلو جرى كل هذا بعين بصيرة وضمير حي ؛ لما الصقنا بالشعب العراقي صفة الدمويه والوحشية بكل تلك البساطة ؛ في حين ان الذين يتحملون المسؤلية الفعلية المباشرة في التهيئة او التحريض او التنفيذ هم بعض الذين جلسوا ويجلسون على دست الحكم سواء أكانوا افرادا أم جماعات . ذلك ان كثيرا من الشعوب وخاصة تلك التي تسبح في مجاهل الامية والجهل المطبق والتي تعودت على تقبل رؤية المذابح والقتل العشوائي ؛ يصبح من السهل انقيادها لرغبات معقدة وانانية متوحشة ونوازع فردية ضيقة لاؤلئك المهوسين الذين يحرضون بشتى الوسائل والطرق ؛ فئات جاهلة واسعة من الشعب على اقتراف الافعال الغريبة عن خصاله وشمائله . لو رجعنا الى الوقائع التأريخية المعاصرة وحددنا الجهة التي تولت الاغتيال او الاعدام ووضعنا الاسئلة التوضيحية امامها لوجدنا ان لا دخل للشعب العراقي في مثل تلك الاحداث الا في النزر اليسير منها ؛ فعلى سبيل المثال نتسآءل: - 1- من الذي اغتال ؛ جعفر العسكري ؛ وبكر صدقي ورستم حيدر ؛ والملك غازي ؛ والملك فيصل الثاني والامير عبد الاله ..الخ هل هو الشعب العراقي ؛ أم القابضون على السلطة ؟! 2- اعدام الشيخ ضاري ؛ وقادة حركة 1941؛ ومجموعة سعيد قزاز ؛ وقادة حركة الشواف ؛ والزعيم عبد الكريم قاسم ومساعديه ... الخ هل هو الشعب العراقي ؟ أم القابضون على السلطة ؟! 3 – وهل كانت الاعمال الدموية التي صاحبت ثورة 14 تموز ؛ او حركة الشواف 1959 ؛ او انقلاب 1963؛او انقلاب 1968؛ او بعد الاحتلال الاميركي للعراق بدءامن فوضى المحتل وعهد بريمر سيء الصيت وذيوله وتوابعه والمحميين بسلطاته ؛ هي من صنع الشعب العراقي ام بايعاز وتحريض وتوجيه من سلطات الحكم مباشرة او بصيغ شتى غير مباشرة ؟! هذه امثلة من عشرات ؛ على ان كل تلك الافعال ؛ لم تكن بارادة الشعب ورغبته ؛ بل كانت بارادة السلطات الحاكمة ؛ تحريضا وتوجيها وتشجيعا ؛ سواء أكانت مباشرة أم بواسطة التابعين او الموالين او المخططين . في حركة 1941ضد الاحتلال البريطاني ؛ وجهت قيادة الحكومة والجيش ؛ الشعب العراقي الى لزوم الانضباط والحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة دون اية اعمال فوضوية !! هل يعرف القاريء الكريم ما الذي حدث ؟! لقد حافظ الشعب العراقي ؛ اثناء الحرب التي دامت اكثر من شهر ؛ على كل جزء من مدن العراق وقراه ..الخ فلم تسجل مراكز الشرطة في جميع انحاء البلاد اي’ حادثة سرقة او اعتداء من اي نوع كان . ان قرار قيادة الدولة في توجيه الشعب الوجهة الصحيحة الخيرة وكبح جماح هيجانه او ما يستفزه انما هو المعّول عليه في الحكم على الاحداث السلبية . اذا كان الشعب العراقي دمويا الى هذا الحد فماذا نقول عن الشعوب التي اغتيل فيها ؛ المهاتما غاندي ؛الكونت برنادوت ؛ الملك فيصل السعود ؛أولف بالما ؛ عبد الفتاح اسماعيل ؛ حسني الزعيم ؛ رياض الصلح ؛ انطون سعادة ؛ رينيه معوض ؛الملك عبد الله ؛ محمد بوضياف ؛ مصدق ؛انور السادات ... الخ ؛ بل اكثر من هذا وذاك ؛ ماذا نقول عن الشعب الامريكي وقد اغتيل فيه الرؤساء ابراهيم لنكولن 1865؛ جيمس جارفيلد 1881؛ وليم ماكينلي 1901؛ جون كندي 1963... الخ فهل ان كل هذه الشعوب هي المسؤولة مباشرة أم وراء كل تلك الاحداث الدموية سلطات وهيئات ومراكز قوى آمرة ناهية |