مبدأ المواطنة لدى تركمان العراق ومعاناتهم مع السلطات العراقية - ج1 |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات من خلال أستقراء تأريخ الحركات السياسية و الحركات المسلحة المختلفة التي أنطلقت في كافة أنحاء العالم كحركة ألوية الخمير الحمر في كمبوديا، وحرب الباسك في أسبانيا وجيش التحرير الأيرلندي وحركة التحرير الفلسطينية وحتى الحركات الكردية في شمال العراق التي رافقت مسيرة المنطقة في العهود الماضية بأنها قد فشلت في الوصول الى أهدافها بالعنف الثوري وقدمت الكثير من أرواح أفرادها كضحايا بسبب أساليبها الغير المتمـدّنة في المطالبة بالحقوق والتعامل مع الأحداث بينما توصلت الحركات الأخرى التي لجأت الى النضال السلمي والحضاري الى نتائج أيجابية ملموسة وأن طال معهم الزمن. والشعب التركماني وبسبب غلبة المستوى الفكري والعقائدي والحضاري والديني العالي لديهم والتي خلقت فيهم بالنتيجة- عنصر النضج السياسي - يلجؤون بشكل عام الى الأساليب السلمية في الدفاع عن الحقوق المشروعة والى وسائل حضارية نزيهة دون اللجوء الى السلاح والعنف والأرهاب و ينبذون فكرة القتال . وهذا الخط السياسي للتركمان أخرجته الظروف الجغرافية والتأريخية المتضمنة عدم معاناتهم من حرمان النفوذ السياسي في الماضي القديم حيث أنهم ينحدرون من أصول يشهد لها التأريخ بأقامة أمبراطوريات سياسية وأجتماعية سادتها مفاهيم العدل والعقيدة السمحاء والرحمة ومن دول تركية عديدة تمتد عبر أواسط أسيا وأوربا . لذا فلا يحملون في نفوسهم (عقد النقص المتنوعة) كعقـدة القيادة والحكم والسيطرة على الآخرين وغيرها. وهذا الخيار السلمي يعتبر خيارا عـقلانـيا و منطـقيا لكونه دليل على بعد النظر والى أرتفاع نسبة المثقفين في صفوفهم حسب الأحصاءات الرسمية. وأحسن دليل على هذا الوصف هو عدم نشوء منظمات مسلّحة متطرفة في تأريخهم النضالي ولم ينخرطوا كذلك في أية سياسة هجومية متعالية بأستثناء حالات قليلة متفرقة غلب عليها الأندفاع والهوس العاطفي المتشدد اوكردود فعل آنية على بعض التجاوزات من قبل الآخرين على حقوقهم وكذلك لم تتلطخ أيادي التركمان بدم الآخرين من أبناء الشعب العراقي. وتأريخ العراق يشهد للتركمان خدماتهم الجليلة لوطنهم ولرفعة وعزة بلدهم العراق و كانوا ومازالوا ينادون بحق العيش في وطن واحد يحترم خصوصيتهم القومية ويحترم حقهم في العيش الكريم ضمن التراب الواحد. هذا ولم يشهد تأريخهم الطويل أن رفعوا السلاح بوجه أية حكومة توالت على سدة حكم العراق أو شاركوا في أدوار خيانية للوطن أو ثبتت عليهم تهم العمالة للأجنبي .وأنهم لم يطعـنوا دولة العراق من الخلف كما فعل غيرهم. وبالتجرد من جميع الهوس والميول العنصرية البغيضة والعمياء لبعض الشوفينيين الذين لايرون الاّ أنفسهم فأن واقع الحال يشهد بنفوسهم العالي في العراق الذي يزيد عن ثلاثة ملايين ونصف نسمة ويكوّنون العنصر الأثني الثالث من حيث النفوس بعد أخواهم من العرب والكرد. والعمليات الأحصائية الثمانية التي جرت لحد الآن لم تظهر العدد الحقيقي لنفوسهم لأسباب عديدة سياسية معروفة لجميع متتبعي تأريخ العراق من المنصفين. غير أن جميع الحكومات العراقية المتعاقبة و منذ تأسيس الدولة العراقية في 1920 م تعمـّدت ، وللأسف ، أخفاء العدد الحقيقي لنفوس التركمان في العراق وتعمّـدت كذلك الى أخراجها الى أدنى مايمكن بحيث لايصدقها العقل البشري ولا المنطق ضاربة عرض الحائط جميع المبادىء الأنسانية وحقوق الأنسان والمواطنة في العيش في بلده آمنا مطمئنا يشارك الآخرين حلاوة العيش ومرارتها .
وقد تعرض التركمان عبر العقود الماضية الى سلسلة من الأجحافات والتجاوزات على كيانهم وحقوقهم القومية ضمن البلد الواحد وحتى على حياتهم وممتلكاتهم. وقد فاق النظام البعثى جميع النظم المتعاقبة الأخرى بدأ من أنكار حقوقهم القومية والثقافية والأجتماعية ومرورا بتشتيتهم في أرجاء البلد وتصفية قادتهم من خلال محاكمات صورية هزيلة لاتحمل الصفة الشرعية والقانونية أبدا و خصوصا الشخصيات العسكرية والقيادية والمثقفة منهم وأنتهاءا الى ما نحن فيه الآن من أحتلال لمدنهم من قبل الفصائل الكردية المسلحة عـقب أستضعافهم الى أدنى ما يكون من قبل الحكومات السابقة!. ولم تكتف الحكومات بذلك فقط بل ولجأت الى أستخدام كافة الأساليب الغير الحضارية والغير المدنية لتزوير أنتمائهم العرقي والتلاعب في نتائج جميع الأحصاءات والتنكر لقوميتهم بشتى الوسائل القهرية الممكنة. وعندما فشلت في محاولاتها العنصرية الخبيثة في قهرهم و بعد أن تبينت لها أستحالة أنكار وجودهم بسبب تناميهم المستمر من حيث العدد وقوة أنتمائهم الوطني للعراق وأمكانياتهم الذاتية العالية في فرض أنفسهم على الساحة كقوة فاعلة في المجتمع العراقي- و في شتى مجالات الحياة لجأت الى أساليب قهرية تعسفية جديدة بدأت عندئذ بتشتيت مراكز تجمعهم خاصة من ولاية كركوك التركمانية وتشريدهم بالتهجير القسري الى المناطق الجنوبية والشمالية والغربية بالترغيب تارة والتهديد بأخرى وقامت بزرع تجمعات سكانية عربية في أراضيها بغية أذابتهم وصهرهم وأختزالهم من "المعادلة السياسية العرقية الثلاثية" للعراق وكأن العراق يتكون من قوميتين فقط هما العرب والكرد!!!. ورغم جميع تلك التجاوزات اللا أنسانية في حقهم من قبل السلطات الاّ أن ولاء التركمان للعراق بقي صامدا ولم تتغير مواقفهم الوطنية النبيلة تجاهه ولا تجاه أخوتهم من القوميات الأخرى المكوّنة له. وهم مازالوا وسيبقون عنصرا أساسيا و فاعلا في مسيرة البلد يقارعون الظلم والعدوان والأحتلال و ينشدون وحدة التراب العراقي وعزته مع أخوانهم من أبناء البلد الغيارى. وأزاء هذه المواقف النزيهة والوطنية للتركمان تجاة وطنهم العراق يضطر الأنسان لأثارة تساؤلات تفرض نفسها على واقع الحال لمعرفة سر هذه القسوة في التعامل من قبل النظام البعثي بالذات مع التركمان والسر الكامن في تجاهل الحكومات العراقية لحقوقهم وأسباب التعامل معهم بهذه الهمجية والمحاولات الحثيثة لأنكار وجودهم والأجحاف بحقوقهم الى هذا الحد!! ورغم قيام جميع تلك الحكومات التي حكمت البلد بالتحدث والتأكيد وعلى الصعيد الرسمي عن الصداقة مع تركيا لكنهم نظروا بعين الشك والريبة للتركمان . فتارة يسمونهم "بالطورانيين" (حتى دون معرفة معنى الطورانية) وتارة يصفونهم بالرتل الخامس (أي جواسيس) لتركيا، وتارة بـ ( الجالية التركمانية) كما أطلقها السيد مصطفى بزركان (الذي يدّعي نفسه بالمفـّكر والمحلل السياسي العربي وهو في الأصل عنصر غير عربي) في أحدى المقابلات التلفزيونية لقناة الجزيرة . وقد قالها السيد بزركان أما جهلا بمعنى الجالية أو أستخفافا بالتركمان حيث لايوجد أحتمال ثالث!. وقد ردّ عليه الدكتور فاروق عبد الله رئيس الجبهة التركمانية عند زيارته للندن في أذار من هذا العام في قناة العربية ردا مناسبا. ويذهب بعض المتشددين من العراقيين بوصفهم مصدر خطر وقلق على أمن البلد!!! ويبدو أن التحليل أو التفسير الأقرب للواقع في مثل هذه الأحوال أن الأستعمار وبعد أنتهاء الحرب العالمية الأولى التي أنهت الأمبراطورية العثمانية في العراق بذرت بذور الحقد والعداء لتركيا بغية الأستحواذ على العراق الغني بالبترول ولغرض أبعادها عن ساحة الصراع السياسي والدولي عليه. وتلك البذور نبتت فيما بعد - في ظل الأنظمة القومية المتوالية على حكم العراق- عن أحقاد عنصرية غادرة ضد التركمان، ثم توارثتها الحكومات العراقية الواحدة تلوالأخرى دون أكتشاف حقيقة الأمر لأنصافهم. وقام بعض المسئولين ورجال الحكم بترديدها كالببغاء دون محاولة فهم أصل التركمان وتأريخهم وترابطهم بتربة العراق بعيدا ومستقلا عن تركيا التي تشاركهم اللغة فقط. وهؤلاء نسوا بسبب جهالتهم أو تناسوا لعنصريتهم العمياء أنه حتى بالأمس القريب تشهد دفاتر أحوالهم المدنية أصولهم العثمانية.
وقد قادتني الصدف في الجيش العراقي الذي خدمته كضابط أحتياط أكثر من أقراني وشاركت في عدة حروب- وتعرّفت فيه على العديد من الضباط من كبار الرتب العسكرية وقادة الجيش وأطباء أخصائيين وحتى من أساتذة الجامعات في فترة عملي بعدد من الجامعات العراقية كانوا يحملون رتب عالية من الدرجة الحزبية وقد أعترفوا و أفشوا لي سر كونهم أو أنحدارهم من عشائر تركمانية معروفة وأصولهم التركية لكنهم بحكم الواقع الساسي العنصري المفروض قد أستعربوا وغيرّوا ألقابهم و يتنكرون لها خوفا اما على مواقعهم الوظيفية والعسكرية والحزبية وخوفا على قوت عيشهم ومستقبل أطفالهم!! أضف الى أن هنالك عقدة الشعور بالنقص التي ولـّدها بقاء العراق تحت الحكم العثماني لأكثر من خمسة قرون مما تسبب في العداء المستمر والى يومنا هذا للأتراك الذين يصفونهم ( بالأستعمار العثماني). ومما يحزّ في النفس الأنسانية قيام بعض الأحزاب العنصرية أو بعض الجهلة من أشباه المثقفين - وبأسلوب غير متمدن بوصف التركمان جزافا بـ(أيتام أتا تورك ) أو أتهامهم بـ (التجسس أو العمالة لحساب تركيا) دون أي برهان ولا أي دليل دامغ لأدانتهم وذلك في محاولة لتشويه سمعة (الجبهة التركمانية) من جهة والتشهير ببعض الشخصيات التركمانية من جهة أخرى من أجل تحييدهم ثم أستضعافهم ثمّ جرهم الى الأنضواء تحت لوائهم بغية محو هويتهم مستقبلا.
لهؤلاء نقول بأن الشعب التركماني ورغم أنحدارهم من نفس الأصول والعرق لأتراك تركيا ألاّ أنّـهم غير أتراك تركيا ولا علاقة لهم بـ (أتا تورك) كما يعتقد الكثيرون جهلا بحقائق الأمور أو تجاهلا لها. بل أنّ ولاءهم موجه للعراق وحده فقط ولا لغيره. وحتى الأتراك أنفسهم يسموّن التركمان حسب دولهم كتركمان العراق وتركمان أذربينجان وتركمان تركمانستان وغيرهم من الدول الست في أسيا الوسطى الناطقة بالتركية. والتركمان ليسوا بجالية ولا هم دخلاء على البلد وأن جذورهم التأريخية في العراق تمتد الى سنة 22 للهجرة حسبما تؤكد مصادر عديدة من كتب التأريخ. وهم ينتشرون في العراق بدأ من حدود تلعـفر في الشمال الغربي للعراق ومرورا في كل من أربيل و كركوك وكفري وديالى وانتهاءا في حدود خانقين ومندلي . وقد خرجت ألاف العوائل التركمانية من المناطق التركمانية ومن كركوك بالذات في نهاية الستينات وبداية السبعينات وهاجرت الى المحافظات الأخرى وأخص منها بغداد لأسباب عديدة معروفة. ومناطق الأعظمية وراغبة خاتون والشعب والمنصور في بغداد ومركز بغداد وجميع أحيائها تشهد على ذلك. وتشهد جميع الوزرات- بضمنها وزارة الدفاع والمؤسسات والدوائر الرسمية وجميع الشركات الرسمية وغيرها في العراق على هذا الأنتشار الواسع لخدمة العراق بأخلاص وتفاني والعمل من أجل رفعة البلد وعزته. ولكن كما هو معروف فأن لكل شيء ثمن وكان لهذا الأنتشار الواسع ثمنا أيضا. و للحديث تكملة.... لجنة الدفاع عن حقوق تركمان العراق- فرع لندن |