لأن نوم العراقيين( خفيف) ـ منذ اربعين عاماً ـ ولأن أحلام الليل مزعجة دوماً، اذ لايظهر فيها غير الرفاق ورجال الامن وفدائيي صدام، فقد قرر العراقيون ان يحلموا في النهار..
فمنذ العام( 1991) اتفق نحو الخمسة والثمانين بالمائة من العراقيين على ذلك الحلم( النهاري) الشهير، وهو :
فجأة: مات( السيد الرئيس) بالسكتة القلبية ـ على الرغم من وجود شكوك في أن الرجل يملك قلباً أصلاً ! ـ .. فلقد انقطع فجأة البرنامج الاعتيادي لقناة التلفزيون الأولى وقناة( تلفزيون الشباب)، وراحتا تبثان القرآن الكريم ـ وهوأمر يدعو الى التفاؤل دوماً ! ـ وكانت الآيات الكريمة مختارة بدقة لمناسبة الحدث الجلل، من مثل:” تبت يدا أبي لهب “ و” قل أعوذ برب الفلق من شرّ ماخلق “ و” ألم تركيف فعل ربك بأصحاب الفيل “ .. ثم يظهر مذيعا القناتين ليعلنا من خلال العبرات والدموع ـ أن” قائد الجمع المؤمن “ قد انتقل الى( الرفيق الاعلى) ولقد همس احد العراقيين الخبثاء بأن رفيق(صدّام) الأعلى هو” أحمد ميشيل “ ! تنزيهاً للباري سبحانه! وبعد مراسيم التشييع الكبير الذي حضره جميع زعماء” الأمة “ ورؤساء الدول الصديقة ـ فرنسا وروسيا وألمانيا ـ بل حضر حتى مندوب عن جورج بوش” الأب “ ـ بحكم الصداقة القديمة! ـ .. وبعدما تأكد العراقيون من أن سيادته قد أصبح تحت التراب حقاً،وأنه لاخوف من عودته انطلقت زغاريد العراقيات من فوق السطوح اولاً، ثم نزلت الى الشوارع من الجنوب الى الشمال ومن الغرب الى الشرق. وراح الشباب يطلقون الرصاص ويوزعون على المارة (بيبسي الشركة!) .. ويستمر حلم العراقيين.. يظهر على الشاشة ضابط كبير غير معروف، ويقرأ( البيان الأول) منهياً عهد الظلم والقهر وحكم العائلة الواحدة. ثم يذيع قرارات منها منع التجول لمدة اسبوع( لهذا لم يحدث نهب وسلب وحرق والحمد لله!) وغلق حدود العراق البرية والنهرية والجوية.
واحالة رموز النظام وضباطه الكبار على التقاعد وإعادة الرتب إلى الضباط في الداخل والخارج من المعارضين الذين أقصاهم النظام. ثم الاعلان عن تشكيل حكومة طوارئ من العراقيين المعارضين في الداخل والخارج من أصحاب الكفاءات الرفيعة تحديداً.. وبعد أقل من شهر امتلأت الأسواق بكل ماكان العراقيون محرومين منه: جاء (الستلايت) وعلب المشروبات الغازية والموز( المختوم!) وارتفعت رواتب العراقيين والعراقيات عشرة اضعاف (مع مراقبة السوق!) قد قامت الحكومة الجديدة بإجراء حكيم إذ منعت استيراد السيارات ـ في الأحلام تكون الحكومات أذكى ! وذلك لحين تسجيل السيارات القديمة لأجل استبدالها بجديدة ولقد اصرت الحكومة الجديدة على استمرار نظام البطاقة التموينية، بعدما اضافت اليها اللحوم البيضاء والحمراء وبعض الادوات الكهربائية المنزلية مع قنينتي غاز وبرميل نفط لكل عائلة شهريا! مع مشروبات غازية وعصائر وصابون معطر وادوات حلاقة وعلب كبريت( غير باكستاني !)..
ثم بعد عام او عامين تبدأ حركة الاعمار والبناء بطريقة بناء المدن في المجالات المفتوحة المجاورة للمدن القديمة، بحيث يكتمل بناء المدينة الجديدة ثم ينتقل اليها الناس المستحقون تدريجياً، ثم تهدم المدن القديمة ويعاد بناؤها وهكذا..
هذا كان حلمنا منذ العام( 1991) ولسوف تلاحظون انه لم يكن من بين فقراته الكثيرة وجود لقوات اجنبية ولاوجود للمجاهدين العرب الافغان ولامليشيات..(اللهم اجعله خيراً)!