المقاله تحت باب مقالات و حوارات في
01/09/2007 06:00 AM GMT
بالرغم من الحار القائظ و اللاهب ارتدى علي السوداني معطفه الطويل و السميك واتجه نحو الحدود الأردنية ــ العراقية بخفاء وهو يلتفت يمنة و يسرة ، فبدا مثل وطواط كالح و مضحك على وشك الهبوط شاقوليا ، من قمة شجرة عالية نحو واد عميق ذات منحر حاد و ز لق مخيف ، و كان يتحسس بين حين و أخر حزامه الناسف و يربت عليه ، كما لو كان يداعب رأس رضيع وديع و لطيف ، ثم أطلق قهقهة طويلة ردت صداها الوديان القريبة و البعيدة ، وهو يفتح ياقة معطفه و يلقي نظرة ملية على حزامه الناسف ذات عطور فائحة طيبة ، وهو يتقدم نحو الحدود العراقية بخفة خطو نمر ماكر ، عندما يكمن لطريدة بعيدة تقع في مجال نظره الحاد كعين نجمة براقة في أقصى السماء .. قهقه علي السوداني سعيدا فرحا وفخورا بحزامه الناسف و بلحيته المهملة ، التي كانت تضفي مصداقية على هيئته الإرهابية الخطيرة و المريعة !! ، هو يعبر الحدود الأردنية ــالعراقية ، مثل قطة برية تتواثب بخطوات رشيقة مثل ارتعاشة شرارات خاطفة سرعان ما تختفي بعد لحظات ، ولكن .. ولكن دون أن يعلم إن المستشار الأمني الفهيم ، كان ماضيا في أعقابه كظله ، وهو يتعقب أثاره خطوة ، خطوة ، وبيده جهاز الهاتف الجوال ، موجها قواته الأمنية لمحاصرة الإرهابي الخطير علي السوداني .. وبينما كان علي السوداني يخوض بين كتل ظلام كثيفة ومتموجة ، ليبدو مثل "السعلوة " بين قبور الأرياف ، قام بحركة سريعة ومشبوهة ، فصاح المستشار الأمني الفهيم بأعلى صوته محذرا قواته الأمنية : ــ حذار !.. أنه على وشك تفجير نفسه بهدف الإيقاع بنا مزيدا من الضحايا !!.. وانبطح الجميع خلف الصخور وانتظروا برهة من الوقت .. ولكن كم كانت مفاجأتهم كبيرة عندما لمحوا قنينة عرق كانت تلمع بين أصابعه القابضة بشدة ، وهو يقرقر من فوهة القنينة جرعة بعد أخرى ، رافعا عقيرته بأغنية " ريل و حمد " وقطار الليل و القهوة و الهيل و صوت الطبل والويل وتواثب الخيل و خرير السيل ، كان يغني بصوت مبحوح نخره الدخان والحزن و كثرة القهر وسطوة الدهر !. علق المستشار الأمني الفهيم هامسا بأذن مساعده وهو يهز رأسه : ــ هذه علامات الضعف والجبن !!.. أنه يسكر لكي يستجمع شجاعته المنهارة !!.. لقد انتهى والله العظيم !!.. وسوف يقع بين أيدنا عاجلا أم آجلا !.. ولكنهم عندما نهضوا من خلف الصخور ، لم يجدوا أثرا للإرهابي علي السوداني ، وكأنه قد أستحال إلى هبة نسمة أو نفخة دخان في سماء البرية والخلاء و القفار .. وعبثا بحثوا عنه هنا و هناك ، بين الصخور والوهاد و خلف الكثبان وتلال الرمال وبين سراب الصحراء : كان .. والآن لا يوجد !!.. في هذه الأثناء كان المستشار الأمني الفهيم منزعجا و غاضبا على قواته الأمنية فصاح بهم : ــ بدون الإرهابي علي السوداني سوف لن أرجع إلى مقر عملي !!ّ .. يلا ! .. أبحثوا عنه جيدا و بدقة !.. فإنني أريده حيا أو ميتا !!.. بعد مطلع الفجر واصطباغ وجه السماء بالاحمرار القرمزي للحظات ولادة الشمس العظمى ، وجدوا الإرهابي علي السوداني راقدا على سفح تل مغطيا نفسه بمعطفه الأسود المتهرئ ، وهو يشخر على قرب قنينة عرق فارغة وحوليه ترتع وعول بكل أمان و اطمئنان !.. أيقظوه بضجة كبيرة مصحوبة بصلصلة بنادق مخيفة ، طالبين منه بعدم الحركة .. وكم كانت دهشتهم كبيرة عندما وجدوا حزامه الناسف قد تحول إلى مخدة للنوم ، و كانت عبارة عن نسخ من مجموعاته القصصية الغرائبية والعجائبية ولا شيء أخر !!.. وعندما فتشوا جيوب معطفه وجدوا باقة من نبات ذات عطر طيب .. فصاح المستشار الأمن الفهيم منتصرا و بلهجة تفوقية ماحقة : ــ ما هذا يا هذا ؟؟! .. حشيشة ؟؟! .. مو كافي إرهابي .. تاجر حشيشة هم ؟؟! .. نظر إليه الإرهابي علي السوداني بشفقة و قال : ــ يا أسفي عليك يا مستشارنا الأمني !.. بحيث أنك لم تعد تميز حتى بين باقة ريحان عراقية ..و بين باقة من قات أو حشيشة .. فهذه الباقة التي وجدتموها في جيبي هي باقة ريحان عراقية جلبتها معي من العراق ، لكي لا أنسى عطر العراق !..
|