من المسؤول عن الأحداث الدامية في كربلاء

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
30/08/2007 06:00 AM
GMT



تتدهور الأوضاع الأمنية في البلاد بوتائر متصاعدة تهدد بكارثة كبرى، جراء الصراع المحتدم بين أطراف القوى التي تتحكم بالساحة العراقية اليوم، والمتمثلة بأحزاب الإسلام السياسي، وميليشياتها المدججة بالسلاح الحديث كماً ونوعاً، حتى بات يفوق قدرة الجيش العراقي وسائر الأجهزة الأمنية ، ولم يعد يمر علينا يوم دون أن نشهد لعلعة السلاح الانفجارات وسقوط الضحايا الأبرياء على مذبح المصالح الأنانية لقادة الأحزاب الدينية .

وعندما كتبنا ونبهنا مرارا في العديد من المقالات السابقة أن ما يجري على الساحة العراقية ليس صراعاً طائفياً دينياً ، بل هو في واقع الحال صراع من أجل السلطة والثروة، وأن المتصارعين قد اتخذوا من الدين والطائفة وسيلة لخداع المواطنين البسطاء والجهلة والعاطلين عن العمل، ودفعهم لحمل السلاح والقتال ضد ابناء جلدتهم ، وليسقط من يسقط في هذه الحرب المجنونة، من أجل أن يحكم ويستأثر بثروة البلاد فئة من الرجال الذين تستروا بجلباب الدين، والذين لا يهمهم مصلحة العراق وشعبه.

وهكذا أكدت الأحداث التي جرت هذا الأسبوع في مدينة كربلاء مرة أخرى أن الصراع ليس بين الطائفتين الشيعية والسنية، وهو بالتالي ليس صراعاً دينياً ، بل هو ابعد ما يكون عن الدين، حيث بات الشيعي يقتل أخاه الشيعي، دون أن يحقق أي مصلحة لنفسه، أو لوطنه وشعبه .

* كيف تسنى لهذه الزعامات السياسية الطائفية أن تنظم وتدرب وتسلح ميليشياتها التي تقدر بعشرات الألوف من المقاتلين المجهزين بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً؟

* كيف جرى ويجري تمويل هذه الميليشيات ودفع رواتب أفرادها، وكيف يتم تجهيزها بالسلاح ؟

* لماذا جرى التغاضي من قبل الإدارة الأمريكية وقوات الاحتلال عن بناء هذه الميليشيات المسلحة كمنظمة بدر وجيش المهدي، وكافة الميلشيات الأخرى لتكون سيفاً مسلطاً على رقاب ابناء الشعب تصول وتجول في سائر المدن العراقية ، وتتحكم في حياة المواطنين وحرياتهم الشخصية ، بل وحتى ملبسهم ومأكلهم وسائر شؤونهم الخاصة، وفرض الحجاب ليس فقط على المسلمين منهم بل تعدى ذلك إلى ابناء الطوائف الأخرى، المسيحيين والمندائيين والأيزيديين ، والويل كل الويل لمن يخالف مشيئة هذه العصابات الفاشية المتوحشة والسادية في أساليب التعذيب والقتل، ورمي جثث المواطنين الأبرياء في الطرقات والمزابل طعاماَ للكلاب السائبة ؟

* لماذا تركت قوات الاحتلال أسلحة الجيش العراقي الذي حلته دون حماية لتتلقفه أيدي العصابات الصدامية، وميليشيات أحزاب الإسلام السياسي ليشعلوا نيران الحرب الأهلية في البلاد ؟

* لماذا تركت قوات الاحتلال حدود العراق مفتوحة لتهريب السلاح من دول الجوار ، وبوجه خاص من إيران وسوريا، وسمحت للعصابات الصدامية، وعصابات ابن لادن والسلفيين المتخلفين المغسولي الأدمغة لينفذوا جرائمهم الوحشية ضد المواطنين العراقيين الأبرياء عبر السيارات المفخخة والأحزمة والعبوات الناسفة؟

* لماذا سلمت الإدارة الأمريكية السلطة لأحزاب الإسلام السياسي، وهي التي كانت تنادي كما أعلن الرئيس بوش غداة حرب الخليج الثالثة بإقامة نظام ديمقراطي في العراق ، وتحرير شعبه من عبودية النظام الصدامي؟

* هل يعقل أن الإدارة الأمريكية لا تدرك أن أحزاب الإسلام السياسي لا يمكن أن تؤمن بالديمقراطية ، وإنما اتخذت الديمقراطية وسيلة للوصول إلى السلطة عبر تلك الانتخابات المتعجلة، والتي استخدم فيها الدين وسيلة ضغط وترهيب لتحقيق تلك النتائج التي حصلت عليها في الانتخابات، كي تشيع فاشية دينية في البلاد هي أكثر وأشد حشية وسادية من الفاشية القومية للنظام الصدامي المقبور؟

* هل أن الإدارة الأمريكية وقوات الاحتلال واقعة اليوم في مأزق ؟ أم أن ما جرى ويجري في العراق كان قد جرى التخطيط له مسبقاًً، وعن سابق تصميم ؟

إن كل الأحداث التي جرت وتجري على ارض الواقع تؤكد بما لا يقبل الشك أن الإدارة الأمريكية مسؤولة مسؤولية مباشرة عن كل ما يجري في العراق من خراب ودمار وقتل وتشريد، ومن بؤس وفاقة وأمراض وتدمير للبنية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية للمجتمع العراقي، وأن الولايات المتحدة لم تكن جادة يوماً في إقامة وترسيخ نظام ديمقراطي علماني حقيقي في البلاد، وهي التي سعت إلى تهميش القوى الديمقراطية منذ احتلالها للعراق، وتشكيل مجلس الحكم والحكومات المتعاقبة على أسس طائفية وعرقية تتناقض تناقضاً صارخاً مع المبادئ الديمقراطية .

وعندما نركز على مسؤولية الإدارة الأمريكية في ما جرى ويجري في العراق الجريح، وعلى الرغم من فقدان الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم منذ الاحتلال وحتى يومنا هذا السلطة الحقيقية، حيث تمسك بها الإدارة الأمريكية وقوات احتلالها، لكن هذه الحكومات وبوجه خاص حكومة السيد نوري المالكي تتحمل مسؤولية ما جرى ويجري حالياً من تدهور امني وصراع كارثي بين أطراف قوى الإسلام السياسي، حيث أنها هي بالأساس قد جرى تشكيلها على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية التي جاءت بوزراء لا يفقهون من واجبات وزاراتهم سوى خدمة أحزابهم ومناصريهم وملئ جيوبهم بالدولارات الأمريكية ، وليذهب شعب العراق إلى الجحيم.

لقد أثبتت تجربة السنوات التي اعقبت الاحتلال الأمريكي للعراق الفشل الذريع لأحزاب الإسلام السياسي في قيادة العملية السياسية في البلاد ، وأوصلت الشعب إلى كارثة الحرب الأهلية، وهي تسعى اليوم إلى تمزيق وحدة العراق أرضا وشعباً من خلال مشروع الفيدراليات البريمري المشبوه .

إن على أحزاب الإسلام السياسي أن تعلن إفلاسها، وتنسحب إلى حسينياتها وجوامعها، وتؤدي فرائض دينها بكل تجرد من المصالح الشخصية والحزبية الأنانية، رحمة بهذا الشعب المنكوب بحكامه القدامى والجدد، فقد كفاه ما أوصلوه إليه من قتل على الهوية ومن بؤس وحرمان في كل مجالات حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والصحية والخدماتية.

وعلى الإدارة الأمريكية الممسكة الحقيقية بحكم البلاد أن تعيد النظر في سياستها الكارثية من خلال تسليم السلطة إلى قوات تابعة للأمم المتحدة، والانسحاب من العراق وإناطة الأمم المتحدة مسؤولية إقامة نظام حكم ديمقراطي علماني يحترم إرادة الشعب وحقوقه وحرياته الشخصية والعامة ، ومن خلال فصل الدين عن الدولة بشكل نهائي، وإعادة النظر جذرياً في الدستور الطائفي الذي طبخته على عجل، والذي وضع اللبنات الأساسية لتمزيق العراق أرضا وشعباً.

أما إذا ما استمرت الإدارة الأمريكية في سياستها الكارثية هذه فسيصبح العراق أكبر قاعدة للإرهاب ذات تمويل هائل، ليس فقط يهدد الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط والخليج فحسب بل في العالم اجمع، وستندم الإدارة الأمريكية اشد الندم على ما صنعته أيديها في العراق في وقت لن يفيد فيه الندم ، وستدفع ويدفع معها العالم اجمع ثمناً باهظاً لهذه السياسة الخرقاء.