العرب وثقافة الانتظار

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
26/08/2007 06:00 AM
GMT



كنت اعتقد ان ثقافة الانتظار.. او حالة السكوت.. او الخنوع على انها حالة طارئة تكون نتيجة طبيعية لاحداث يمر بها المجتمع العربي وحاكمه
ولكن عندما اطلقت العنان لعقلي ان يتصفح تاريخنا قبل الاسلام وجدت ان قومنا واهلنا قد ورثوا هذه الحالة من الاجداد ........حيث ان التجمعات.. والمجالس .. ولاجتماعات.. والندوات.. والمؤتمرات.. لاتقام في الشارع او الساحات العامة .......... بل كانت تنحصر في بيوت وجهاء القوم واشرافهم وتجارهم امثال ابوسفيان ... او في بيت الندوة في مكة ... وكانت هذه الجلسات الحوارية والتدولية بعيدة عن انظار ومسمع بقية الناس وعومهم وعدم اشراكهم.. واطلاعهم على مايدور في هذه المحافل وكان هذا الاقصاء عمدي ومقصود .... وكانوا يعطوهم اي للعوام مسؤولية الدفاع عن الاسياد وحمل السلاح بوجه عدوهم ... وكانت عقوبات صارمة تتخذ بحق المتمردين من العامة اقصاها القتل وادناها العزل او الجلي والذي نسميه التبعيد عن المحيط او البيئة وكما يبد انه اقسى من القتل لانه ابعاد اجباري وليس اختياري .......... وكانت محافل القوم عبارة عن مجون ليلي من رقص واحتساء خمر وقضاء حاجة مع مؤنسة او بنت ليل ويتخلل محفلهم جلسات للنقاش او الحوار وتداول هموم الامة المنكوبة الجبانة الراكعة ولكن تبين ان القوم لم يتناولوا هموم الناس من خلال جلساتهم ونقاشهم وانما يجرون الحديث الى منافعهم وتجارتهم الشخصية وان كان الغطاء والتغليف يبد( لحمير الامة) انهم اجتمعوا من اجلهم ومن اجل حقوقهم وانها تعيد في اخر المطاف بالنفع لهم ... وكان هم الاسياد الوحيد هو عدد الحجيج الوافدين عبر الاعوام والسنين من كل قطر ومصر واختيار طرق لتصريف بضاعهم وتجارتهم ........ وذلك من اجل صنع عملية اعلامية واسعة الانتشار والتبليغ لما يطمح له الزعيم ... وتحدث مشاجرات بسيطه حول توزيع الماء للحجيج بين زعماء قريش وطبعا ليس سعيا للاجر والثواب والقربة لهبل او اله وانما رياء وسمعة وتطبيل لهم على ان اسياد القوم هم خدم للناس بعبارة ادق من اجل الدعاية وحسب ... وكانت امسيات شعرية تتخلل مراسيم الحج وهنا تحول الدور الى الشعراء الانتهازين النفعين المستفدين امثال لبيد ابن ربيعة.. وجرير.. والفرزدق واخرين ....... وكان دور العوام او المحكومين هو الانتظار على امل ان اسيادهم سوف يذكرونهم بعد رجوع الحجيج بشي مما كسبوه من الارباح الطائلة.. ولو كان عبارة عن فتات طعام او كسوة سنة او مايسد الحاجة ... والويل كل الويل لمن يطالب سيده بشي او يرفع عليه صوته مطالبا بحقوق فكانت فرحة احدهم انه لم يشمله غضب الاسياد وانه لم يقتل هذا العام ....... هذه صورة لثقافة الانتظار بين الاسياد والعواماو بين الحاكم والمحكوم ولكن هناك انتظار اخر هو بين رئيس القبيلة واتباعه فكان الاوفر حظا من هو قريب من زعيم القبيلة كان يكون حارسا شخصيا او مستشارا او راعيا لامواله او مايسمى بسمسار الزعيم كل المتقدمين تنالهم رحمة وسخاء وعطاء الزعيم لانهم اولى من غيرهم واما الباقون ومن ضمنهم العبيد لايعطوهم الا قوت يومهم بعد ام ملوا الانتظار .......... والانكد من الانتظار هو ان لو تعرضت تجارة الاسياد او الزعماء للخسارة او السلب او صادفة سنة قحط وجب على امة الانتظار ان تعوض الاسياد بما وجب من زرع او مواشي او نقود والذي لايملك يدفع قوت يوميه والغاية من كل ذلك لكي لاتهتز وتضعف شخصية الزعيم(( انظربدقة لهذه ألصورة التي رسمتها لك للجبناء من الامة ... )) بحيث كانوا يعيشون حالة انتظار مستمرة كالذي يمشي في صحراء وتتبعها صحاري اخرى ولم يسقى ماء بل وجب عليك ان يسقي الاخر وقد تفيئى بظل شجرة
والفقير المسكين الذي يفكر بطريقة ان يتخلص من حالة الانتظار والوعود الكاذبة والتسيس الخادع لايملك ادوات الهجرة او السفر والخلاص للابد لانه لايملك جملا او قوتا او نقودا او زادا وتقطعت به السبل والحيل فتراه مجبورا ان يتعايش ويركن الى من لايحب وعليه الانتظار لفرج من السماء..
وحالة اخرى هي حالة الجلد ياتون بمجموعة ويجلدونهم واحد والاخر ينتظر دوره بلجلد والذي يثير الاستغراب في ذهن المنتظرين للجلد بسوط الاسيادالذي لايرحم لايعلمون ولا يجدون مبررا لجلدهم اي يجلد ولا يعرف لماذا ولم يتفوه بكلمة ... ( لاحظ ) هنا اراد الزعيم الحمار ان يؤكد قوته وبقائها للضعفاء من قومه او قبيلته وكذلك هو انذار لمن تسول له نفسه او يفكر بالتمرد او العصيان على سيده ......وكان قانون الاسياد والذي نسميه اليوم بالقانون المدني هي عبارة عن اعتقادات وقتيتة قد تتغير في اليوم الواحد اكثر من مرة وهي واجبة التنفيذ ويبررون عقوباتهم التي تصدر بحق الفقراء والعوام والجبناء على انهم ارتكبوا جريمة او جنحة تخالف توجهات و وصايا الالهة .. وحتى وصلت بهم الوقاحة والاستهتار باشراف الناس واعراضهم انهم يفصلون الزوج عن زوجته بامر من الاسياد او الزعماء واختلاق علة تبد للباقين انها عوقبة استحقاقية ولكن العلة لايعرفها الا الزعيم وسمساره لان الرجل العامي المسكين كان ذنبه انه تزوج من جميلة وقد وقعت عين الزعيم التيس الحمار عليها فا ارادها له ........ والانكد ان بعض زعماء القوم يهب ويهدي زوجة ذلك الفقير الى زعيم اخر او احد حاشيته بعد ان ملها وطاب ليله معها ........ وطابت نفسه منها .......... والذي ليس من السهل ان يهضم لكل مؤرخ هو ان يجبر الزعيم الزوج الشرعي والقانوني على ان يكون راعيا او خادما عنده في بيته ويامره بان يقدم الطعام والشراب له وهو في جلسة عشق ولهو مع زوجة المسكين ( لاحظ الموقف) او ترى بعض الزعماء يرسلون الزوج المسكين الى احدى الغزوات من اجل ان يقتل ويموت للابد ...... وطبعا هنا الامة تتفرج وتنتظر ولاغير وذلك لانها امة الانتظار والخنوع والتفرج ....... وهناك جانب اخر يدرب الزعماء ابنائهم الفروسية وركوب الخيل والمبارزة في السيف وفنون القتال والدفاع والتعليم بينما يترك العامي على عاميته ولايمسح له بالاستفادة من ادوات التدريب لكي تبقى قواه على حالها وخوفا من يشتد ساعده فيستهدف الزعيم به ........ وحتى ابار المياه كانت ملكا صرفا للزعيم من اسياد القوم وكانت اكثرها ملكا لاابي سفيان با اعتباره زعيم الزعماء والقبائل ولايحق لفرد من عوام القبيلة ان يحفر بئرا الا بامر من الزعيم ....... ويسمح لهم اي العوام بالاستفادة من البئر بعد ان تملى قوارب الزعيم بلماء وتشرب خيوله وماشيته يسمح للمسكين الفقير الجبان المغلوب على امره بان يستفيد من البئر وبشكل محدود يرسمه له زعيمه ........... وكذلك الملابس لايسمح للعوام لبس مايشابه لبس الزعيم او احد الزعماء الاسياد ......... وكانت الثقافة السائدة هي ثقافة المدح الكاذب والخادع لشخصية الزعيم وسرد حكايات مختلقة من نسيج خيال القاص يراد منها تلميع صورة الزعيم على انه شجاع وفارس وكريم ومغووا( وهو اصلا اجبن من اسماعيل يس) واذا صادف ان يبرز من العوام شخص يحمل مايميزه عن الاخرين كان يكون شجاع او كريم او حمل ماقد يجعله متفوقا على الاعيان يوعز هنا الزعيم بدور للهجاء والهجائين بان ينشروا قصائد الهجاء بين الناس لينالوا من الرجل المبدع الطيب المتعدد المواهب وان اقل مايهجن به او يصفوه بانه ابن زنى او مجنون ... وهذا كله يحدث امام انظار ومسمع الامة المنتظرة التي لاتحرك ساكنا ولاتملك الا الدموع والحسرات والاهات ....... فنتيجة لهذا التراكم للامة انذاك واشاعة منطق القوة والاستلاب تحولة الحالة من حالة مفروضة لزمان معين الى سلوك دائم واصبحت لصيقة بالشخصية العربية واعتبرته جزء من ثقافتها السلوكية في التعامل مع الواقع ....... وبما انها اصبحت جزء من السلوك انعكست على التعامل مما يسمى بروح المواطنة حيث اصبح الشخص العربي يتعامل معها كمفردة في مغزاها ومعناها هي عبادة الحاكم والخنوع له وتصديق كل مايقول وذهب البعض الى اكثر من ذلك هو اصبح يبرر قسوة الحاكم على الفقراء والمساكين منا ونعطيه الحق وكانما نريد نعطيها حالة قدرية مفروضة من السماء وان يد الحاكم الظالم هي سيف من السماء يراد به معاقبة الرعية وان كانت لم تركب ذنبا .. واصبحت الشجاعة في مواجهة الحاكم الظالم والتصدي له وابراز عيوبه وكانها تجاسر و وقاحة على قدر السماء ..... وعندما تنجلي معايب الحاكم واساليب ظلمه وبطشه للفقراء وتتولد حالة عند الاحرار هي حالة الخلاص منه ومن جوره وحكمه التعسفي العرفي يفتقد الاحرار من الرعية ادوات التصدي او فالنسميه علمية التصدي واساليبها وطرق اسقاطه في الدرك وذلك لانه يجد نفسه فاقدا لتلك الادوات والاساليب بسبب سيطرة (( ثقافة الانتظار)) بما تحمل هذه الايدلوجية من حبكة خلقها وصنعها اسياد القوم قبل الاسلام وسار بركبها واقتفى اثرها بعض حكامنا العرب الذين اضافة لهم عجلة التقدم ادوات وطرق و وسائل اكثر واوسع واعمق دهاء من ادوات الزعماء السابقين فهم اليوم يملكون ابواق الزيف والدعاية المبرمجة ولاعلام الخادع والف سمسار وصحف وفضائيات واموال وخبراء في علم النفس والاجتماع والتعذيب كل هذا وذاك يصب على راس المساكين الفقراء الجبناء ومن اجل ان يشمخ ويزهو ويسعد الحاكم الظالم ........ ومازلت لم انسى عندما كنت في الصف الاول الابتدائي عندما قال لي معلمي ان الاسد هو ملك الغابة وهنا اراد معلمي الاحمق الغبي من حيث يشعر ام لم يشعر انه يقول ان الاسد هو الحاكم في الغابة وان الحيوانات الاخرى مجرد فرائس يلتهمها متى ما شاء ..... كلي امل ان يتحول ضبي الى اسد مسالما يوما ما فيعتلي عرش من ظلمه بعد ان مل الانتظار
امتع الله الجميع نشوة الانتصار على الظلم والظالمين
ملاحظة مهمة (( لايفوتني ان في الامة والمجتمع اشخاص وافراد لم يركعوا للظلم ابدا فهم شموع للاحرار والثوار عبر التاريخ ولم اجد مبررا للتعميم مع فائق احترامي ))