"ذئب الخطيئة" مجموعة شعرية جديدة للشاعر عبد الله رضوان

المقاله تحت باب  مقالات و حوارات
في 
01/02/2007 06:00 AM
GMT



"ذئب الخطيئة" مجموعة شعرية صدرت هذا العام 2006 عن دار اليازوري
العلمية للنشر والتوزيع وهي اخر ما صدر للشاعر عبد الله رضوان وتضمنت ما يزيد على العشر قصائد شعرية و احتلت ما يقارب 120 صفحة من القطع المتوسط..
وفي هذه المجموعة يؤكد رضوان رؤ يته ونهجه الشعريين ويرسخ هويته الثقافية والفكرية الخاصة والتي تبلورت خلال سنوات ابداعه المتواصلة.. كشاعر وناقد ومنظم ومعد لمؤتمرات وندوات ومهرجانات فكرية وثقافية متعددة الاغراض اضافة الى اشرافه على بعض المطبوعات التي تصدرها جهات رسمية كامانة عمان الكبرى..
في مجموعته الاخيرة -ذئب الخطيئة- تكاد القصيدة الاولى في المجموعة ان تختزل القصائد الاخرى كلها من حيث الموضوعات التي تناولها رضوان والادوات التي صاغ بها قصائده - ناهيك عن رؤيته وثقافته ومزاجه الشعري واذا ما تصدينا للقصيدة الاولى وتناولنا مفرداتها وصياغتها سوف نكون قد تناولنا القصائد الاخرى في الجوانب الاساسيه التي تكونها ذلك لان القصيدة الاولى اشتملت على كل عناصر ومفردات - كتابة الشعر- لدى عبد الله رضوان واولى تلك العناصر - الحضور الانثوي الطاغي والمهيمن على الموضوعات , وتكاد ان تكون الانثى في شعر رضوان - ام الموضوعات- كما هي ام البشر - اذ لا تكاد ان تخلو قصيدة واحدة من حضور المرأة الحضور الذي لا يتماهى مع الموضوعات الاخرى بل تلك الموضوعات تتماهى معه لكونه موضوعا واداة اما العنصر الثاني في شعر رضوان والذي يتكرر دائما فهو الرمز الاسطوري - الانثربلوجي- الذي يتداخل مع عقائد دينيه لما تزل معتنقة من قبل مجتمعة او مجتمعات اخرى وتبقى عناصر اخرى اقل أهمية تردد في شعر رضوان قد يكون اهمها - الوطن- الذي ظهر في هذه المجموعة وكأن الشاعر لم يبق له سواه . وكما كان دائما.. قدم رضوان المرأة في كل القصائد بكل الخصائص حتى في قصيدته الاولى التي يخاطب بها (أبيه) ادم والذي تماهى مع -الرب- في قوله (واغفر ذنوبي كلها.. يا مالك الافلاك هذا الكون لك/فاقبل ركوعي.. وارحم خصوعي..) اذن صورة الاب في هذه القصيدة متبادلة بين الله وادم - الرجل - والشاعر هنا يتكأ على الانثربولوجي في قصة ادم وحواء.. ولم يطق رضوان صبرا بعدم حضور المرأة في قصيدته هذه اذ بعد مقطع لا يتجاوز العشر كلمات قال (واترك لنا ضلعا/لتنهض امنا/ثم اكمل يقول /حواء امي/ واكتمال خطيئتي/ امي احبك اشتهيك لارتوي/ من ماء صدرك / من ملامسة "ابطك" العاري/ومن اقواس كفلك ..,) ويتداخل الزمن - الانثربولوجي- مع الزمن الراهن - اي ازمن كتابة النص.. ذلك عند ما يطرح الشاعر اسئلة وجوديةمنطلقا من العقل كحقيقة وجود, العقل المتمثل بالشك - اذ يقول- (شكي حقيقتي الوحيدة يا ابي لا الموت يبهرني / وليس يخيفني الا جنوني-) والجنون هنا هو انعدام العقل الذي يقابل الشك الذي يمثل العقل - بعد هذا يطرح رضوان اسئلته الوجودية الجدلية حيث يقول من اين? كيف?/لمن?/لماذا يا ابي?/هذا فتوني .. والبيت الاخير سؤال عن الغرائز الماديه وعلاقتها بالانسان -كحيز مستقل معلوم- وبالعالم الاخر -  مجهول - ونلاحظ رضوان يمزج بين العالمين عندما يقول -  (لمن نبني هذه الافلاك?/اين حبيبتي?/اين الجنون الحر ?/اين الياسمين?/ولمن تفتح الازرار في الغسق?/بعد هذا مباشرة يصطدم ويشتيك الشاعر مع المجهول الذي يتحكم بالمصير الانساني من خلال الموت وهنا يقول : (ويلي من الشفق (يعني أفول العمر)/ومن نهدين,/مملكتين, / .. من شبق.. ) ويستمر بالويل حتى يقول ويلي,/وويلك يا ابي/ رقق ضلوعي /وانتبه/هذه جموعي/ترفع الشكوى اليك/..وفي هذه القصيدة المثقلة بالاسئلة الجدلية والنابتة في تراب الاسطورة نتلمس هيئة الشاعر عبد الله رضوان في المعاني والصياغات تلميحا وتصريحا ومنها -اوقد شموعي/خمسون دالية تجدد نسغها /وانا انوح على ../خشوعي/ في حضرة النهد المزنر, /بالندى/ في حضرة الساق المليحة/.. يا ابي/وتتجلى علاقة رضوان الدائمة الازلية بالمرأة- وهي صفة لازمت شعره- في هذه الكلمات من قصيدته -  اقواس تشهق على الشرفة- اذ يقول : اهذا عذابي !! /كل شيء هنا يرتوي /الحجارة../قوس الضياء. الطيور../ الفضاء ../سواي/ فمن يطفىء النار ../ وقد كان رضوان في اغلب قصائده - تقريبا يكشف عن انثى ينزع عليها القدسية, قدسية الجمال والشهوة والحب والوفاء - والمرأة لديه متعددة الصفات والصلات كما في قوله  /اعود اليك/ صديقتي /امي/وحبيبتي/اختي/اليك مليكتي /كوني كما شاءت لنا شهوتنا الاولى / في حضن "ايل"/.. كوني انت /بسمة "حواء " القديمة/ضلع ادم / كي اكونك عاشقا/.../تغرق لمجموعة بحضور المرأة صوراً , وافعالا وخيالات ورموزا والى غير ذلك حتى يقول فيها رضوان - حشد صهيل طلتها/وعيون تشهد ان لا شيء, /سوى "المرأة" /اجمل ما خلق الله ../ وبهذا تتجلى بوضوح رؤية الشاعر للمرأة وعلاقته بها..
وفي قصيدة - خواء كنحل العذاب الشقي -هنا .. فقط يغيب فعل المرأة وتأثيرها على رضوان وتنسحب من الساحة لصالح الخواء .. الذي لا يخرج عن مدلول او اشارة على فعل الزمن - العمر- على الانسان او النكسات التي يواجهها ذلك  الانسان في حياته وفي هذا يقول رضوان : .. فانظر /لا زوحة في الفراش تبلل وقتي/لا صديق يداوي جراد العذاب / لا حبيب يذرذر قهر المنافي /ولا اخوة في الغياب لا ارى غير ثعلبة الوقت/ تنغل في الروح/تقضمها مثل فأر الوف/كاني على غيمة الليل/اهتف / ماذا تريدون /اخوة يوسف!!/.. على مذبح الوقت /.../صقيع الشتاء الكسول/البياض البليد /يلملم ذؤبانه من مروج الحياه/.. ويمضي /وقد خدش الارض /من الواضح ان المرأة لم تستطع انقاذ الشاعر من ازمة مر او يمر بها -كما هو ديدنها دائما اتجاهه واظن ان هذه القصيدة كتبها رضوان في احدى أزماته الصحية او الاجتماعية التي جعلته يكتشف ان من يحيط به- هم اخوة يوسف- ولكن لا اعرف اين ذهبت المرأة ربما لانها مرتبطة بغرائزه التي اضعفتها او عطلتها الازمة التي مر بها.. ظلت الخصائص الشعرية - الغنائية الشفافة تحكم قصيدة رضوان ولم يخرج عنها الا في قصيدة واحدة اتخذت منحنى السرد القصصي - حبكة- وان ظل مناخها العام شعريا وهذه القصيدة هي - جنون القاعة التي يقول فيها - باب القاعة مشرع /كسؤال مفترح لاحتمالات المعنى /فجأة../خفوت مريب,/صمت حنون ابدا/ زاحفا من رئة القاعة/باتجاه الباب /صوت خطى ناعمة وواثقة/ عيون تاكل القادمة /عيون تكاد تفر باتجاه الباب/.. حتي يقول رضوان: وانا/واقف مثل ابله عار/ في زاوية القاعة /انطر دخولها العظيم / المرأة الفاتنة / ../...
وعلى المستوى التقني والفني بقيت قصيدة رضوان في دائرة- المباشرة- من حيث الخطاب ولم تذهب مذهب الشعر الحديث في ازاحة الالفاظ عن مداليها او مضامينها المعروفة بها ولم يسع الشاعر الى زاحة لغته بعيدا في عالم التأويل والاحتمال وظل يعمل في حدود او محيط مدلول اللفظ اللغوي - القاموسي- باستثناء الخروجات التي يتطلبها الشعر كشرط لكيونونته مثل الاستعارة والتشبيه والاختزال والايحاء والرمز وغيرها من تقنيات صياغة القصيدة المعاصرة .. الى جانب هذا التزم رضوان بموسيقى الشعر - البحور الشعرية وتفعيلاتها- واكثر من استخدم البحر الكامل والمتقارب او فواصل تفعيلاتها وظل يلتزم الايقاع الموسيقى دون ان يؤثر على صياغة القصيدة .. شكلا ومضمونا- ويبدو ذلك بسبب تمكنه من لغته الشعرية وادواته الى جانب ذائقته التي تشكلت بتكرار التجارب وتعددها الكبير.. ونتلمس الى جانب هذا الايقاع - الخارجي - ايقاعا داخليا يتشكل من التوافق في اللغة بكل مكوناتها الخارجية والداخلية وخاصة المضامين التي تقود هذا الايقاع - صياغة - وتأثيرا على الملتقى