سلاح الحوار..حوار السلاح |
المقاله تحت باب في السياسة الحوار كالحب، لا يمكن ان ينجح اذا كان من طرف واحد. وهو كالحب، سيفشل اذا كان من اجل ذاته، اذ يجب ان يكون وسيلة لهدف، وقنطرة لضفاف، وجسر للعبور عليه الى الطرف الآخر، وبكلمة، فان الحوار كالحب مطلوب لامر اهم ولقضية اسمى ولهدف اكبر. انه احساس متبادل بالحاجة الى الآخر، وشعور متقابل بالاحترام، وايمان متوازن بالحق الذاتي وحق الآخر، وانصاف متزن بين الحب والبغض. انه محاولة للتعارف والتعايش والتجاوز والاعذار والتبرير ما استطاع الطرفان الى ذلك سبيلا، ما لم يخذل حقا او ينصر باطلا. ان كل محاولة للحوار تتأسس على هذه القواعد، فانها ستنجح بالتاكيد، بعد ان يستحضر المتحاورون العزم على النجاح والارادة للمضي قدما. فلماذا لم تنجح اغلب محاولات الحوار؟ او تتوقف في منتصف الطريق؟ او لم تؤت اكلها، بالرغم من كل الجهد والزمن المبذول؟. برأيي، فان المشكلة الاساسية تكمن في ان اغلب من يدعون (بفتح الياء) او يدعون (بضم الياء) الى الحوار، لا يؤمنون به، أو ان احد طرفي الحوار، على الاقل، لا يؤمن به، فهو يقبل به او يحضره مضطرا وليس مختارا، فالحوار عنده ليس ذات قيمة، وانما لاسقاط واجب او ذر الرماد في العيون. لقد كانت مشكلة الامام علي بن ابي طالب عليه السلام مع مناوئيه، تتركز في هذه النقطة على وجه التحديد، فالحوار بالنسبة للامام كانت سلاحه الوحيد، اما بالنسبة الى مناوئيه فقد كان حوارهم السلاح، فكيف يمكن الجمع بين من سلاحه الحوار والاخر الذي حواره السلاح؟. ذات المشكلة عاشها سبط رسول الله (ص) سيد الشهداء الامام الحسين بن علي عليهما السلام، فبينما كان الامام يبذل جهدا كبيرا ويصرف وقتا طويلا في صحراء كربلاء من اجل محاورة اعدائه لثنيهم عن التورط بدمه الزكي، لم يجد اعداءه الا السهام والنبال والرماح وسيلة للحوار معه، ولذلك باء حوار علي والحسين بــ (الفشل) ليس لانهما لا يؤمنان بالحوار او لانهما لا يعرفان سبل الحوار وادواته، ابدا، بل لان الآخر اختار الحوار بالسلاح معهما حصرا. ان من ابرز شروط الحوار، هي التالي: اولا؛ ان يضع الطرفان هامشا من الخطأ لانفسهما ولما يعتقدان به، اما اذا كان احدهما يعتقد انه على حق بالمطلق ولا يسمح لنفسه بالتردد او لغيره بتخطئته، فيما يضع الاخر هامشا من هذا الخطا على نفسه وعلى كل ما يعتقد ويؤمن به، فان الحوار سوف لن يستمر ابدا، فضلا عن انه سوف لن يثمر اي شئ بالمرة، والى هذا المعنى اشار القرآن الكريم بقوله على لسان رسل الله وانبيائه، بالرغم من انهم مرسلون من قبل الخالق جل وعلا، فهم لا ينطقون عن الهوى ان هو الا وحي يوحى {وانا او اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين}. انه احد اهم شروط الحوار، ان يرسم الطرفان مساحة من الصح والخطا لبعضهما البعض الاخر، اما ان تعتقد بانك على الحق المطلق وانا على الباطل بالمطلق، ثم نسعى للحوار، فهذا ما لا يمكن ابدا. ثانيا؛ ان يتحلى الطرفان بمكارم الاخلاق، بدءا من بشاشة الوجه وسعة الصدر ورقة القلب، مرورا بالروح الرياضية التي تتمكن بها من قبول راي الاخر اذا ثبت عندك صحته، والتنازل عن رايك اذا تاكد لك خطؤه، والى ذلك تشير الاية الكريمة في قول الله عزوجل {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}. ان تحلي المحاور بمكارم الاخلاق، هي التي تقوده للاعتراف بالاخر واحترام الراي الاخر، وتلمس الاعذار والتغاضي عن الزلات، كلما استطاع الى ذلك سبيلا، وبعكس ذلك، فان حوارا مع نموذج يحمل في ذاته صفات تتناقض مع كل هذه المميزات، سوف لا يعدو كونه يشبه حوار الطرشان، يقول صاحبه شيئا ويقصد شيئا آخر، تراه متشنجا ومأزوما طوال الوقت، متربصا بالاخر يحسب عليه هفواته وسقطاته، وكل ذلك من اجل ان يسجل عليه النقطة تلو الاخرى، فهل يمكن تسمية ذلك حوارا؟. ثالثا: ما احلى كلمة الحوار، فان لها وقعا في النفوس يشبه الى حد بعيد وقع كلمة الحب على قلب الانسان ومشاعره، بل ان الحوار هي الحب، فالمحاور الذي لا يعتمد الحب مع الاخر، فتكون قاعدته الكراهية والبغضاء، محكوم عليه بالفشل المؤكد. وان من ابرز مصاديق الحب، هو ما اوصى به الامام امير المؤمنين ولده الامام الحسن السبط عليهما السلام، عندما قال له في وصيته المعروفه {يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم، واحسن كما تحب ان يحسن اليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم وان قل ما تعلم، ولا تقل ما لا تحب ان يقال لك}. هذا يعني ان الحوار مع المعاند والحاقد والاناني ومن لف لفه، لا يجدي نفعا، لان حوارا من هذا النوع، يفتقد الى كل اسباب النجاح والديمومة، كما يفتقد الى المصداقية الدينية والعلمية. والان، وتأسيسا على هذه المقدمة، الطويلة بعض الشئ، يقفز الى الذهن السؤال الهام التالي: قبل ان اجيب على هذا السؤال الهام جدا، اود ان اسجل الملاحظات التالية التي اعتقد بانها في غاية الاهمية، حتى لا يساء فهمي، الا وهي: اولا: ان مبدا الحوار مقدم على اي مبدا آخر، فالعاقل لا يرفض الحوار ابدا، الا اذا كانت تنقصه الحجة والدليل، ولذلك، فانا شخصيا اقدم الحوار على اي شئ آخر، فهو السبيل الاسلم والفضل والانزه للتعارف والتعايش والتآلف، ولحل الخلافات مهما كانت. لذلك، فسوف لن اكون سببا لعرقلة اية محاولة للحوار، كما لن اكون سببا لاغلاق اي فتحة صغيرة يتسرب منها بصيص امل في محاولات الحوار. واذا اراد من يسعى للحوار تفويضا من احد، فانا على اتم الاستعداد لاعطائه مثل هذا التفويض شريطة ان يعلن عن محاولاته بالتفصيل، فاذا رفضها الوهابيون عليه ان يعلن ذلك ويقول لنا لماذا رفضوها، كما ان عليه ان يعلن عن نتائجها بالتفصيل، ليقنعنا اذا نجح فنصطف معه، او يتراجع اذا فشل، ولن نلومه. ان الاصل في تلقينا لدعوات الحوار هو الثقة وحسن الظن والحرص على المصلحة العامة، ما لم يثبت العكس، وانا شخصيا اعتبر ان اية محاولة للحوار مع الاخر، انما هي مبادرة شجاعة يستحق عليها صاحبها الثناء والشكر والتقدير. ثانيا: ان اي محاولة للحوار مع الوهابية يجب ان لا تنطلق من اطار فكرة الحوار بين الاديان او المذاهب، فنقول خطأ، مثلا (الحوار بين الشيعة والوهابية) لان الوهابية ليست مذهبا، ولا هي بدين، انها حزب ، او كما يسميها انصارها (حركة) ولذلك فان من الخطا المنهجي الكبير ان ندرجها في خانة المذاهب فندعوها الى الحوار كلما اردنا ان نطلق فكرة الحوار بين المذاهب او حتى فكرة التقريب بين المذاهب، فالقول بالحوار بين (الشيعة والوهابية) كقولنا بــ (الحوار بين مذهب وحزب) فكيف يستقيم ذلك؟.. ثالثا: شخصيا، اقدر اهمية موسم الحج كمصدر اساسي من مصادر الرزق للكثيرين، خاصة اولئك الذين يعتبرون فريضة الحج افضل مرات عديدة من فريضة حقن دم الانسان، حتى اذا كان مسلما. ومناسبة الحديث بهذا الامر، هو اننا جميعا نعرف جيدا بان الحج، وللاسف الشديد، رهين سلطة الوهابيين وآل سعود الذين يمكن ان يمنعوا من يشهر في وجههم سيف الحقيقة، ولقد سمعت باذني هاتين من قال لي ناصحا، اذا اردت ان لا تمنع نفسك من فريضة الحج فعليك ان لا تعلن عداءك للوهابين وسلطة آل سعود، فكان جوابي طبعا، لا خير في عبادة يمارسها المرء على حساب الدماء، وهي التي قال عنها الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام موصيا مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه في عهده المشهور عندما ولاه مصر {اياك والدماء وسفكها بغير حلها، فانه ليس شئ ادنى لنقمة، ولا اعظم لتبعه، ولا احرى بزوال نعمة، وانقطاع مدة، من سفك الدماء بغير حقها، والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماءيوم القيامة، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام، فان ذلك يضعفه ويوهنه، بل يزيله وينقله، ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد، لان فيه قود البدن}. اما الجواب على السؤال الانف الذكر، فهو بالتالي: اولا: اعتقد بان الوهابية غير جديرة بالحوار معها لانها لا تعترف بالاخر لا من قريب ولا من بعيد، وهي لا تتصف باي شرط من شروط المحاور، وعلى راسها الاعتراف بالاخر، فان حزبا يكفر الاخر ويبيح دمه ويستحل عرضه وماله، بعد ان يحكم عليه بالشرك الموجب للقتل، كما في فتوى احد ابرز فقهاء التكفير المدعو ابن جبرين، كيف يمكن ان ادعوه للحوار؟ وان حزبا يعلم اتباعه على الكراهية، ويربيهم على البغضاء والحقد، فيمنعهم من السلام على من ليس على مذهبه (الحزبي طبعا) ويحرضهم على التعبيس بوجههم ويحرم عليهم اكل ذبائحهم، هل تنفع معه الدعوة للحوار؟. ثانيا: ولان الوهابية لا تعتقد بالاخر بالمطلق، لذلك فهي لم تشترك باية محاولة بذلها علماء المسلمين من مختلف الاديان والمذاهب والتيارات الفكرية والاصلاحية، للحوار والتقريب بين الاراء والاجتهادات، ولذلك فليس من فقهائها من هو عضو في اي مجمع او مؤسسة او اتحاد او تجمع او ما الى ذلك، من المؤسسات التي تدعو الى التقريب بين المذاهب، والمنتشرة في مختلف حواضر العالم الاسلامي. لم نسمع يوما ابدا، ومنذ تاسيس الوهابية على يد محمد ابن عبد الوهاب ولحد الان، ان فقيها من فقهاء الوهابية بادر لدعوة الاخرين للحوار من اجل التقارب والتقريب، لان الوهابية تعتمد قيم الكراهية والتكفير والغاء الاخر واقصائه، وتاليا ذبحه من الوريد الى الوريد لانه كافر فاسق منافق خارج عن ملة الدين مشرك، على حد وصف فتاوى فقهاءهم التكفيريين، ولذلك لم نسمع يوما ان فقيها من فقهاء الوهابية دعا الى الحوار او الى التعايش، ابدا، لماذا؟ لانها قيم غائبة بالاساس في (الفقه) الوهابي وفي الثقافة الوهابية، وبعودة سريعة الى المناهج التعليمية التي يدرسها الوهابيون في مدارسهم (الدينية) بل وحتى المدارس الرسمية في المملكة العربية السعودية، والتي يسيطرون على مناهجها التعليمية الدينية، لتيقنا من هذا المنهج الاعوج الذي لا يعترف الا بنفسه ولا يرى الا نفسه، فهو الوحيد الذي على الحق والحق المطلق. ثالثا: ان دعوات الحوار مع الوهابية ليست بجديدة، فلقد اطلقها من قبل ودعا اليها الكثيرمن العلماء والفقهاء من مختلف المذاهب، كالقمي والشيرازي وشرف الدين وشلتوت والخميني والصفار والعديد من علماء الازهر الشريف، الا ان كل تلك الدعوات باءت بالفشل، بل لم يرد عليها الوهابيون من الاساس، لانهم يشككون في دين كل هؤلاء وايمانهم، فكيف يقبلون دعوتهم للحوار؟ ومع ذلك، اتحداهم ان يخطئونني، ولو مرة واحدة، فيردوا بالايجاب على دعوات الحوار المتجددة اليوم. رابعا: ان الوهابية رفضت الى الان حتى الثناء على حوار الاخرين، فضلا عن عدم المشاركة فيه، وانها، كذلك، رفضت حتى الان تشجيع اي نوع من انواع الحوار بين الاخرين، فضلا عن حضورها، فكيف ننتظر منها ان تقبل بالحوار؟ ولنا في تجربة مؤتمر مكة الذي وقع فيه العراقيون بمختلف مذاهبهم، على وثيقة مكة، والتي حرموا فيها الاقتتال الداخلي، وحرموا فيها الدم العراقي، وحرموا فيها قتل الانسان في العراق على اساس الدين او المذهب، فلقد رفض الوهابيون حتى التعليق، مجرد التعليق، على الوثيقة، تصور، بالرغم من ان الموقعين تسلموا رسائل التاييد وبيانات الدعم من كل علماء الامة الاسلامية المنتشرون في مشارق الارض ومغاربها، فلماذا، اذن، رفض الوهابيون حتى التعليق على الوثيقة بكلمة طيبة، او حتى بشطر كلمة؟ الجواب، لانهم لا يعترفون باحد اهم الاطراف التي وقعت على الوثيقة (الشيعة) فكيف ننتظر منهم مباركتها وتاييدها؟ كما انهم لا يعترفون بشئ اسمه الحوار، فكيف نريدهم ان يثنوا عليه؟. خامسا: ان الحوار، اي حوار، يجب ان ينطلق من ارضية مشتركة، مهما كانت صغيرة، من اجل ان يستمر وينجح، بغض النظر عن نوعية هذه الارضية، كأن تكون، مثلا، انسانية او دينية او مذهبية او حزبية او وطنية او اثنية، او اي نوعية اخرى. الا ان مثل هذه الارضية مفقودة عندنا جميعا، برايي الوهابيين، لاننا كفرة ومشركين وخارجين عن ملة الدين، واننا اخطر عليهم من اليهود والنصارى، على حد زعمهم، فكيف يمكن، اذن، ان نحاورهم اذا كانت الارضية المطلوبة معدومة وغير موجودة في الاساس؟. كلنا قرا ما كتبه هؤلاء الوهابيون القتلة في مواقعهم عن ضحايا التفجيرات الارهابية الاخيرة التي اودت بحياة المئات من المواطنين العراقيين الايزديين في شمال العراق، لقد ختموا الخبر الذي نشروه بالقول {وتستمر بطولات اسود الجهاد في بلاد الرافدين لتحصد ارواح الصليبيين والرافضة واليزيديين} ثم تدعو للحوار؟. سادسا، واخيرا: فاذا كان الحوار معروفا، وهو كذلك، فعلينا ان لا نصنعه الا لاهله، ولقد اوصانا الاسلام بان لا نفعل المعروف الاعند اهله، حتى لا نظلمه، كما امرنا ديننا الحنيف، بان لا نأتمن خائنا او حسودا او مكفرا او حاقدا او جاهلا او قاتلا على معروف. اتمنى ان تعيها اذن واعية. |