سفينة نوح |
المقاله تحت باب نصوص شعرية كانت عينا نوح صاحيتين لم تهنآ ولو بإغماضة سريعة، فتلك الأسراب المغمى عليها في كل شارع وبلدة في القرى والجزر، الناس الذين أكلت الطيور عيونهم وربطت الآلهة أيديهم وخلعت أحذيتهم، ووضعت على أكتافهم معاول العمل أغمي عليهم وغابت أشكالهم في الضباب حتى لم يعد يراهم أحد. ماذا يفعل نوح لو استيقظت تلك الأسراب من البشر وعرفت الخديعة المخبوءة في عينين ماكرتين وصاحيتين؟ لو عرفت كيف قرر نوح أن يستبدلهم بنخبة مختارة من حيوانات البر والبحر في سفينة مطلية جيداً بالقار وبألواح محكمة؟ أبحرت سفينة نوح في شكلها الذي يشبه هيكل اليهود أو هيكل قريش أبحرت في خطة مدروسة سلفاً بالتواطؤ مع أرباب الأرض لم تكتف ألسنتهم التي ذاقت عجينة التمر المحشوة بحفنات السمسم وفطائر الخبز المعطرة بالقصب المحروق. شخيرالدم الخافت وحده ينيم آلهة الثأر كانت كفُّ الرب منتشرةً كالسحاب فوق سفينة نوح أما نوح فقد ترك الجموع المغمى عليها وراءه وقد شوهت أيديها المعاول دخان أسود أشار بسبابته الى الشوارع والجسور والبنايات العالية فهبت عاصفة ترابية اقتحمت البيوت والوجوه وانتشرت على الخارطة كلها، ورأى الناس مايشبه الأمواج الهائلة تلف المدن والبشر كالورق وعلى شاشات التلفاز لمحنا أعناقا وأيدياً تلوح لأسراب الطوافات وطائرات الإنقاذ وقوافل الدبابات المسرعة نحو بغداد –ابتساماتهم تتطاير وكلمات الترحيب الناقصة تتساقط قبل أن تصل إلى نوح مثل حبات الثلج- الناس الطيبون يموتون غرقى واليابسة(دائماً) يصلها نوح مع حيواناته المفترسة ابتساماتهم وكلمات الترحيب الناقصة وحدها بقيت مخزونة في ألبوم الذكرى في كتاب"تناهوما" تتبعثر التعليقات على حافات الكتاب كأنك تسمع أصوات الكائنات المحجورة في مكعب يسبح في زلزال عين الغراب الحاقدة تكذًب الروايات المصنوعة ولم تكن حجج نوح مقنعة يقول الغراب-كانت أسنان نوح غير منتظمة وأنفه قبيحا وعيناه صاحيتين يتطلع بقلق إلى اليابسة لأن الرب منعه من مضاجعة زوجاته طوال فترة الطوفان لكن نوح عاقب الحيوانات والطيور-منعها أيضا وفرق بينها أنا خالفت نوح-فطلب من ربه أن ينقل شهوتي إلى منقاري قال نوح للغراب- اذهب وائتني بالأخبار قال الغراب لنوح- لماذا تضعني دائما في قلب الخطر؟ قال نوح للغراب- تلك أوامر الرب قال الغراب لنوح- لم أسمع الرب قال ذلك قال نوح للغراب- أنا وحدي أسمعه قال الغراب لنوح- قلت لك"الناس الطيبون ماتوا غرقى" افتح بابك لهم -وانشغلت بنسائك– الثلاث عشرة امرأة وحيواناتك وها أنت تضعني في قلب الخطر أمسكَ نوحٌ الغرابَ وأطلقه من فتحة السفينة أما الغراب كما يقول كتاب "تناهوما" طار بعيداً ولم يعد كان الوقت مساءً عندما وصل إلى الفندق ذي الطوابق الثلاثة صالاته مزدحمة بلغط المندوبين والزائرين والصحفيين وفي الطابق العلوي يجلس رجل أصلع عيناه صاحيتان وأنفه قبيح ومؤخرته الكبيرة تهتز كلما قام أو تحرك النوافذ مغلقة والستائر غمرت الصالات بظلال داكنة وهو يشاهد الرؤوس والاكتاف تهتز؛ عشرات الأحذية اللامعة ترتفع وتهبط جيئةً وذهاباً على السجاد في حركة واحدة ينتظرون إشارة الرجل الأصلع ذي الأنف القبيح يعلن لهم انتهاء المهمة في بيانه الختامي فالأنهار يجب أن تجف والمدن أن تدك والأموال أن تنهب وتزرع الأوبئة في قلوب الأطفال والنساء أما الشبان الأقوياء يجب أن يموتوا تحت أقدامنا هكذا قال البيان الختامي للرجل الأصلع ذي الأنف القبيح والعينيين الصاحيتين اليابسة لنا وحدنا أما الناس الطيبون فلهم(الغرق) |