بعد اختيار البصرة عاصمة للثقافة العربية عام 2018 أدباء بصريون: هذه نكتة… |
المقاله تحت باب قضايا بعد اختيار البصرة عاصمة للثقافة العربية عام 2018 أدباء بصريون: هذه نكتة… تصديقها يحتاج لصناعة مدينة جديدة! كلما سألت مواطناً بصرياً عن نية اختيار البصرة عاصمة للثقافة العربية لم يجبني إلا بقهقهة طويلة، فعامل التنظيف في الشارع يسألني: ماذا يعني عاصمة للثقافة ونحن لم نتسلم راتبنا منذ شهرين؟ في حين ضحك موظف في المستشفى أن تكون هناك ثقافة في مدينة مستشفياتها تغرق مع كل أمطار بسيطة ربما تهطل في شتاء البصرة القصير! البصرة في خرابها الشاعر والكاتب ناصر الحجاج يبدأ حديثة باحثاً عن السبب الذي قد يدفعه لاعتبار البصرة عاصمة للثقافة العربية، وهو أن نريهم بأم عينهم معنى «خراب البصرة» بدلاً من قراءته وتخيله، فالبصرة اليوم في أدنى درك من الذل الحضاري، قياساً بما كانت عليه أيام الحسن البصري والجاحظ، وبلاد السندباد البحري، وأرض سومر، وجنة عدن الله، لا لأن عمرانها في الحضيض، بل لأن من يدير دفة مواردها البشرية والطبيعية في حضيض الإحساس، بحيث لا تزكم أنفه رائحة الأزبال ولا تتحسس عيناه خراب الشوارع وعشوائية الأكشاك التي نصبت على هياكل النصب والجداريات التي كانت يوماً ما معالم لمدينة الزهو الحضاري، حسبما يقول. أسباب بيئية لا يختلف كلام الروائي علي عباس خفيف عن الحجاج، إذ يؤكد أن البصرة؛ كمدينة، غير مؤهلة تماماً لمثل هذه الفعالية، فَلَو كانت الوزارة ببيوتها الثقافية هي المعنية بهذا النشاط، فما الذي تستطيع غير تكريس ثقافة الحزب الحاكم. ومن ثم أن البصرة لوضعها الحالي والخراب الذي يكتنفها ستكون صورة سيئة عن الثقافة العراقية، وإذا كانت دعوة الوزير بتشكيل لجنة لهذا المشروع، هل تراه سيختار من أهل الأدب لهذه المهمة؟ ولنفرض أنه اختار أدباء فمن هو المؤهل لهذه المهمة. بعد سبعة أشهر في حين يشير الكاتب علي الحسيني إلى أن للبصرة خصوصية ثقافية، وإسهامات هائلة في الثقافة والعلوم والأدب، قديماً وحديثاً، وهي مركز ثقافي مهم عربياً، لكن الأمر مختلف حينما تكون عاصمة للثقافة العربية، لأن مشروع العواصم تظاهرة ثقافية، يتطلب أن تكون المدينة المستضيفة قادرة على اجتراح مبادرات خلاقة تبرز القيمة الحضارية والثقافية للمدينة، أن يكون باستطاعتها تنمية الرصيد الثقافي والحضاري وتعميق خصوصيتها الثقافية، مع انفتاحها على استضافة شخصيات ثقافية عربية وإقليمية ودولية. مدينة خربة يتمنى الشاعر واثق غازي؛ عضو الهيئة الادارية لاتحاد أدباء البصرة، لو أننا أبقينا على البصرة التي في الكتب!! مضيفاً: منذ أن قايض رأس النظام البائد نخيل البصرة بآجر الخليج نهاية عام 1987 وذلك لغرض ردم القبح الذي أوجدته حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران، وحجم الخراب الذي لحق بمدينة البصرة، منذ أمر مهرة البناة الكُرد أن يعبِّدوا أنهر البصرة بالحجر الجبلي وأرصفتها بالملاط الملوّن، لم يَقدم مسؤول آخر على إدامة بناء البصرة لا مدنياً، في تنشئة أجيال واعية ولا عمرانياً في إعطائها حق المدينة المنتجة أرواحاً وخيرات، لا نقول أن الطاغية كان معمراً للبلاد ولكنه آخر من وضع حجراً فيها، وكل ما جاء بعده هو تخريب على هيئة إعمار وهمّي. وإذ يُعاد الحديث اليوم عن مشروع البصرة عاصمة للثقافة عام 2018 تتصدر البصرة كمدينة خربة لا تجد موطأ نظيفاً فيها سوى في مجالس المسؤولين وكبار التجار، البصرة اليوم أبعد ما تكون عن فعل التعايش الإنساني، عليّة القوم فيها يشكلون جداراً لحماية سياسييها وصغار القوم يلزّون أنفسهم في مهلكة من أجل أن تكون لهم درءاً من ضيم، أي عاصمة للثقافة ليس فيها مسرح حديث أو قاعة موسيقى أو ناد ليلي، أي عاصمة للثقافة ليس فيها دار نشر للكتب ولا مقر لائق لأدبائها، لعل الذين سيحضرون هذا الفعل المقبل سيرددون كما قال ليّ أحد ضيوف مربد البصرة (لو أننا أبقينا على البصرة التي في الكتب) في إشارة لواقعها المرعب.
وبحسب الكاتب منتضر السوادي، فإن لغة العرب مَا تزالُ مَدِينَةً إِلى البصرة، وعلمائها، وشعرائِها. فمراجع الثّقافة واللّغة والأَدب بصريّة، من المربد إِلى كتابات الخليل والجاحظ… لكنّ التّهميش طَال هَذِهِ البقعة المُعطاء، وارتحل العلماء. ويبدو أَن سلطات المركز تسعى إِلى زيادة هَذِهِ الهجرات لِتُفرغ المدينة من قناديلِها الوهّاجة، بيد أَن هَذَا يعطي هؤلاء المكانة المُستحقة لَا القحط للبصرة الولّادة. السَّيَّاب ابن أَريافها نالتْه الشّهرةُ حين اغتربَ مُتبغددًا، وعاش الحنين إِلى جيكور، فِي حين تَبدّد البريكان وشعره حين لزمَ مدينته. وأضاف السوادي: ليست البصرة فقيرة ثقافيًّا، بل خصبة ثريّة، فمحمد خضير ولؤي حمزة عباس قامتان عربيتان فِي السّرد لَا تخفيان عن أَحد، وَفِي الشّعر ثَمَّةَ أَسماء بديعة، وَفِي النّقد أَيضًا، لكنّه التّهميش، وسوء الاختيار، ومن يُطالع مَا يُنشر فِي دار الشّؤون الثَّقَافِيَّة ومجلاتها سيرى، وحَتَّى عَلَى مستوى السّلطة المتحكّمة فِي الثّقافة ووزارتها وَأَنشطتها. إِن أُريد النّجاح ينبغي وضع كُلّ شيء موضعه، وَحَتَّى تشعّ البصرة فِي كونها عاصمةَ الثّقافة، ينبغي أَن تُناط المُهِمَّة بأَوتادٍ بصريّة ذات مكانة شَمَّاء، وإِعطائهم الحريّة فِي تيسير شؤون الكرنفال الثَّقَافِيّ، فلجنة الطّبع يترأسها بصريّون، والأَنشطة الأُخرى ينبغي أَن تنبع من البصرة، لَا أن تُجلب من خارجها من أَجل كروش المركز ونزواتهم، وأَن توضع المعايير التي لَا تراعي إِلا الإِجادة والتّفوق. كلمة أَخيرة: مهرجان المربد الفائت، خلا من كبار علماء البصرة، وَعَلَى العكس ترأّس جلساته أُناسٌ ليسوا بقامة أَعلى مِمّن هُمّشوا!! عن "القدس العربي"
|