المقاله تحت باب قصة قصيرة في
31/05/2015 06:00 AM GMT
مدينتنا أرضها من زجاج، مع ذلك، نمشي عليها بكل عنف، هناك أجزاء من المدينة تكسرت وأصبح الدخول إليها خطراً. نمشي بتلك الطريقة لأننا نريد أن نقلل الضغط على أقدامنا المليئة بالنتوءات المؤلمة التي هي مسامير تظهر في باطن أقدامنا وتكبر مع الأيام كأنها أخطاؤنا ! وحين تنكسر الأرض في مكان ما من المدينة، لا سبيل لإصلاحها. أقدامنا مليئة بمسامير عديدة ، أحجامها متعددة ، لكنها جميعاً تكسر الزجاج، رغم أن الزجاج في المدينة يختلف سمكه وقوته من مكان لمكان ولا أعرف سبب ذلك، كما لا نعرف أشياء كثيرة هنا، هل هناك مدينة أخرى حولنا ! هل يمتد هذا الزجاج إلى لا حدود؟ هل الناس جميعاً بأقدام مسمارية !! لا أجوبة لدينا رغم أن تلك الأسئلة متوارثة نحملها معنا كأرث مقدس نحرص على حملها دون فتحها ومعرفة الجواب. نسقط كثيراً ونحن نمشي بتلك الطريقة على هذه الأرضية الزجاجية، بعضنا يكون ذلك أخر سقوط له إلى هاوية لا نعلم ما فيها، وبعد سقوطه بلحظات، نسرع إلى حفرته الزجاجية ونتفحص حواف الزجاج المكسور، ثم نقول بصوت رتيب " واضح أنه أخطأ تقدير سرعته " ونضع علامة التحذير في تلك الحفرة ونبتعد عنها...مدينتنا مليئة بقطع التحذير، وكل يوم نبتعد نحو أبعاد أخرى، لذلك نرى أن لا حدود لهذه المدينة الباردة والقاسية، وفي الأيام التي ينزل فيها ماء من السماء نبقى في بيوتنا لأن المدينة تكون مهلكة، ولا نعرف ما يجري فيها. كانت مثل تلك الأيام المائية قليلة ، كنا نؤرخ فيها أحداثنا، ولكن، حين شاهدنا ذلك المميز واقفاً بقدميه الهائلتين المليئتين بالمسامير المرعبة وسط ميدان المدينة تغير كل شيء ...لم نره من قبل، ولم نعرف أحداً في مدينتنا بتلك القدمين الهائلتين المرعبتين، كان يشبه الهاوية. لم يتحرك، بل هددنا جميعاً بأن نسمعه ورفع قدمه اليسرى الضخمة جداً وقال أنه سيضربها بالأرض بقوة إن لم نسمعه.. صار الصمت حاضراً ، عيوننا تنظر إلى تلك القدم الهائلة العالية فوق رؤوس الجميع وفوق المدينة، حتى قال ما يريد أن نسمعه وليس ما نريد أن نسمعه، ومما قاله ، أنه آتٍ من السماء، وأن علامته الماء..وحين رأى في عيوننا الخوف، أنزل قدمه تلك بكل هدوء. بعد ذلك، كثرت الأيام المائية في مدينتنا، ولم تكن تلك الأيام تأتي مع سماء محملة بالماء.. بل بطريقة ما، صار الماء في المدينة، وكما قال هو : أنه علامته. صارت أيامنا التي نبقى فيها في البيوت خوفاً من أرض زجاجية مبللة وخوف السقوط أكثر من تلك التي نخرج فيها، كثر الماء في مدينتنا ، لا نعرف ماذا يجري خارج بيوتنا، الماء خوف في هذه المدينة، إستمر ذلك زمناً مدوراً لا بداية ولا نهاية له، حتى إنكسرت حلقة ذلك الزمن على حافة حدث كبير، حين سمعنا صوتاً كصوت السماء المحملة بالماء، لم نفكر ساعتها بالأرض المبللة، فأندفعنا جميعاً خارج بيوتنا وعيوننا تنظر إلى سماء لونها كالعدم، سماء ربما بدايتها في اللامكان .كانت مدينتنا غير تلك التي كنا نعرفها، تغيرت، لا نعرفها، ونحن في حيرتنا تلك ، نزل الماء على المدينة، تدافعنا وسقط كثيرون إلى حفر النهاية، تكسرت أرض المدينة وكثرت حفرها، إمتدت الشقوق إلى قدمي المميز الهائلتين، رفع اليسرى ليهدد من بقي منا ويأمرنا بالعودة إلى بيوتنا، لا جواب، والسماء تنزل ماءها، والأرض تمدّ شقوقها، حينها، قفز قفزة عظيمة فأنهارت أرض مدينتنا وأصبحنا جميعاً تحت المدينة....كلنا. أنا أهوي إلى حفرة النهاية. لا أعرف من يقرأ هذا، لكني أقول لمَن يأتي إن كان هناك مَن يأتي ، أن ذلك المميز الذي لم نعرف أصله، كان هو الهاوية، وليس شيئاً يشبه الهاوية ! .................... burhan.almufti@gmail.com 25 – آيار - 2015
|