المقاله تحت باب في السياسة في
06/02/2014 06:00 AM GMT
فجر الاربعاء كنت اتصفح الجرائد الفارسية منهمكاً بمتابعة ضجة حول "شوارب الدراويش" الذين يدافع الرئيس حسن روحاني عن حقهم في الاحتفاظ بها طويلة مسرحة، بعد مضايقات الشرطة المتشددة لهم. ما جعل الرئيس الاصلاحي يعين وزير الاستخبارات السابق الشيخ يونسي مستشاراً له في متابعة شؤون الاقليات، مثل العرب والسنة والدراويش، في قضايا تخص الشوارب وغير الشوارب. لكنني عثرت في هذه الاثناء، على تقرير ايراني موسع حول سلحفاة نادرة اسمها العلمي "سلحفاة الفرات" ظهرت على ضفاف نهرنا الطيني قبل زمن طويل، وهاجر بعضها نحو ايران الساسانية، وهي اليوم معرضة لخطر الانقراض على الحافة القصوى من بلاد فارس بعد ان انقرضت في العراق، حسب الخبير الايراني بيجن داراشوري الذي يشعر "بالصدمة" ويقول انها سلحفاة ليست عادية، ف"درعها ناعم بشكل ملفت، ولديها ثلاث اصابع"! ان مهندسي نفط صينيين يعملون شرقي هور الحويزة عند الجانب الايراني، يقبلون على صيد سلحفاتنا والتفنن بطهيها، لان الطب الصيني يضع فوائد لا تحصى للحمها، بما لم يبلغه طب اهل بابل ولا اهل فارس، وهكذا تهدد هذا الصنف بالانقراض. وعلى طريقة الباحث الايراني بيجن الذي ينظم حملة للدفاع عن هذا الصنف النادر، فقد اهتم اسلافنا العراقيون بالسلاحف، ووجدت ان العالم البصراوي ابو عثمان الجاحظ، ذكر ان السلحفاة هي "بنت عم الضب والوزغ" متقدما على علم النشوء والارتقاء بألف عام. فهو في كتاب "الحيوان" الشهير، يقسم الكائنات الحية إلى، شيء يمشي، وشيء يسبح، وشيء ينساح (يزحف). ويذكر ان النوع الذي يمشي على أقسام: ناس، وبهائم، وسباع، وحشرات. ويقول: "ليس كل عائم سمكة. ألا ترى في النهر والبحر: كلب الماء، وعنز الماء، وخنزير الماء، وفيه السلحفاة، والضفدع". والجاحظ اللاهوتي واللغوي يذكرنا بجيل النحاة البصريين العراقيين، الذين ارسوا المنهج الفكري لعلوم الامة العربية الاسلامية. وهذا الصنف من الناس تعرض للانقراض في العراق قبل "سلحفاة الفرات"، بقرون، لان الحكومات توقفت عن دعم التعليم، كما ان اهل الخير انصرفوا الى تمويل الحملات الانتحارية والدعايات الانتخابية، ولم يعد العلم والفن والادب يثير حماسهم. وفي تحذير من انقراض يبدو أدعى للصدمة، فإن اتحاد الادباء في البصرة وقريباً من الحويزة، اوصد ابوابه وأعلن افلاسه. ويبدو ان الادباء هناك بحاجة الى خبير مثل السيد بيجن الايراني، يحذر من خطر اندثار الفن والادب، في البصرة، التي عرفتها الدنيا قبل النفط، بالخليل والاصمعي والفلاسفة اخوان الصفاء وأناشيد سندباد، وظلت تباهي بالسياب ومحمد خضير. ويحق لأدباء اليوم ان يوصدوا باب اتحادهم، لعل الحكومة المحلية تتنبه فتخصص لهم دراهم من البترودولار، لحفظ ما يمكن حفظه، بعد ان ضاع او كاد يضيع، تراث عظيم وجهود جليلة ضمن ١٠٠ عام من محاولات اعادة تأسيس أمة رافدينية، و١٠٠ عام من النفط والتنمية المهدورة، والصراعات التي لم تجد حكيماً ينجح في اقناع السلاطين بتجنب الاستهتار في السياسة، التي زحفت حتى على السلاحف وشتت شملها، ومعها كل اسس الحياة الطبيعية للانسان والحيوان. ان الجاحظ يقسم الحيوان إلى فصيح وأعجم. وينبهنا الى ان الاعجم لديه فصاحته الخاصة "فمنه ما يرغو، ويثغو وينهق، ويصهل، ويشمخ، ويخور، ويبغم، ويعوي، وينبح ويزقو، ويصفّر، ويصوص، ويقوق، وينعب ويزأر ويكش، ويبح". وقد "بحت" اصواتنا "وكشت" من اطلاق الاستغاثات ب"الصفير والصهيل والعواء والصراخ"، في محاولة بكل لغات الفصيح والاعجم، للتفاهم مع العفاريت المخبولة التي تفسد سياسة الامة، وترفض الانصات للعقل، وتصر على التلاعب بمصائرنا خارج كل السياقات، وتقول انها ستظل متمسكة بحكمنا حتى انقراض آخر صنف عراقي. انها عفاريت لم يصنفها الجاحظ، ولم تخطر على بال حتى البيروني! و... مستمرون أوضاعنا المُتأزمة
|