البكّاؤون.. وقصائد أخرى.. |
المقاله تحت باب نصوص شعرية (1) أشياء كُنّا هوامشَهُ، لم أكنْ أعرفُ بعدُ بما حدث، لكنني قمت أمشي، ووراء ظهري كانت تسيرُ جثثٌ جميلة، وكتبٌ قديمةٌ لها رائحةُ ملابس مخزونة.. كتبتِ الجثثُ نصّاً وألقتْهُ عليَّ، هو نفس النصِّ الذي رأيتُهُ مكتوباً على الأفقِ، النصّ الذي أوّلُهُ جثّةٌ وآخرُهُ أنا.. (2) نَمَتْ على وجوهِنا لِحىً صفراء، وصارَ على سواعدِنا وشمٌ أسود يقولُ "البياضُ هتكٌ". كانَ يسحبُ وراءَهُ حصاناً من المدائحِ، وثوباً من البلاغةِ. قال "قوموا"، فقُمنا نجولُ معَهُ اللحظاتِ حتى غدتْ مُرَّةً، وانبجسَ الدَّمُ من الكتاب المدرسي الأخضر. ألبَسنا الثوبَ وقالَ "البياضُ هَتْكٌ"، فقُلنا "سمعنا"، ومضينا نسوِّدُ أيدينا. لم يعدْ الرجلُ إلى مُستقرِّه، شدَّ الرَّفَ التَّريبِ وصيَّرَهُ منزلاً، صرنا موقدَهُ وكرسيَّه ومنشفتَه المبلّلة، أغلقَ الباب علينا وختمَهُ بشمعٍ وكلام. تركنا بجَدلٍ قديمٍ بدأ بـ"إقرأ"، حيثُ المكانُ ضيّقٌ والملاكُ يختنق. طالتِ اللُحى، ولامستِ رفوف المكتبةِ. صارتِ القصائدُ موزونةً، والمدائحُ تقطرِ من شقوقِ الخَشب. (3) فتصلَّبَ ثوبي وانكسرَ، وصارَ بياضُ قولي مُبقّعا.. قضّيتُ وقتاً، أُطبقُ قواطعي على الكلامِ لكنَّهُ يخرجُ، ويُحيطُ العامَّةَ ويبتسمون. الكلامُ الجَّريحُ يلعَقَهُ العامةُ، ويضحكون، ويمرّغونَهُ برملِ العتبات، ويُشيريون إلى الحرفِ منه فيصيرُ قفلاً دون مفتاح. العامةُ ثقبوا الكلامَ، وخاطوهُ بثوبِ مجنونٍ وصرخوا بهِ أن ارقصْ، فرقصَ، حتى خرَّ مغشياً عليه وتناثرتِ حركاتُ الإعرابِ في الأزقّةِ. العامةُ صاروا الكلامَ.
|