المقاله تحت باب قضايا في
28/06/2013 06:00 AM GMT
عن نقاش : "عاد الهدوء وأُزيح عن كاهلنا همٌ كبير منذ أُغلقت صناديق الاقتراع المشئومة ومعها أُغلقت أفواه كثيرة بالغَت في ضرب الوعود الوردية لنا" قالها نسيم سالم وهو يترّجل من سيارته مع اثنين من اصدقائه في (باب جديد) وسط الموصل. هذه المنطقة الشعبية المشهورة بمطاعمها ومقاهيها الليلية، كانت قبيل انتخابات مجلس المحافظة شبه خالية، لكنها في تلك الليلة كانت مكتظَة بالمارّة والسيارات وعلى نحو لا يتحقق إلا في الأعياد وليالي رمضان. جلس الشبان الثلاثة حول طاولة نُصبّت على الرصيف بانتظار العشاء، أطلق عزيز وهو طالب جامعي زفرة طويلة وقال "إذن سوف ننسى الضحايا الذين سقطوا بدم بارد في موجة العنف التي اجتاحت المدينة بسبب الصراع بين الفرقاء السياسيين، وها هي الحياة طبيعية مرة أخرى". فجأة تسمّرت أنظارهم على شاشة تلفاز مثبَت على جدار المطعم الخارجي أثناء إذاعة الخبر التالي "مفوضية الانتخابات تُعلن أن التنافس محتدِم جداً بين 680 مرشحاً بينهم 168 إمرأة على 39 مقعداً، ثلاثة منها للأقليات الآيزيدية والشبكية والمسيحية، لكن الناخبين البالغ عددهم مليوناً وثمانمئة ألف لم يشاركوا إلا بنسبة 37 في المائة أي أنها الأدنى في المحافظة قياساً بالدورات الانتخابية السابقة". قال عزيز "هذا الأمر متوقّع، خططوا لإفشال الانتخابات مسبقا" ثم أخرج الموبايل ومرّره على نسيم وأحمد وأراهما صوراً نُشرَت على الانترنت لأشخاص قُتلوا وبنايات هُدِّمت وسيارة أحرقت بالكامل، بسبب الانفجارين الأخيرين اللذين حصدا أرواح 45 مدنياً وعسكرياً في الأقل قبل الاقتراع بعشرة أيام. "هذه المشاهد ما زالت عالقة في اذهان الناس، كيف يتحمسون للتصويت إذن" علّق على الخبر. أحمد وهو موظف اقتراع مؤقت قال "تم اغتيال عشرة مرشحين ونجا سبعة آخرون من الموت، كما نقل العديدون إقامتهم إلى خارج الموصل، ولي زميل انتقل وعائلته للعيش في أربيل ما إن أعلن والدُه نفسَه مرشحاً ومثله كثير". وفيما كان يمضغ بعض المقبلات تابع موظف الاقتراع قائلا "هناك جماعة مسلحة اتصلت بمدير مركزنا الانتخابي وهددوه بالقتل مما اضطره إلى الاستقالة وتم استقدام 3000 موظف اقتراع من المحافظات الأخرى لتعويض النقص الحاصل في المراكز الانتخابية بعد استقالة الكثيرين". سكتوا برهة فاستغل الفرصة صديقهم نسيم وهوسائق تاكسي للمشاركة في الحديث حيث أكد أن آلاف العائلات الموصلية غادرت إلى إقليم كردستان قبل التصويت بيوم واحد ، وهو ما كشفته وسائل الإعلام. نقر أحمد الطاولة بسبابته التي تلونت بحبر الاقتراع الغامق، ليبادر مجددا "رغم كل ذلك فالمفوضية تكابِر فهي تصف الانتخابات بالناجحة والنشطة بسبب اعتماد الإعلاميين بكثرة وكذلك مراقبي الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني فضلاً عن تطوير كوادر المفوضية". أكمل وهو يلتقط انفاسه "تحدثت منظمة شمس المتخصصة في مراقبة الانتخابات عن مشاكل عديدة أبرزها عدم تحديث سجل الناخبين وتجاوزات الأحزاب السياسية في مناطق سهل نينوى وقضاء سنجار وناحية زمار". قاطعه عزيز بالقول "ما لم يُعلّن إن حضور المرأة كان ضئيلاً لاسيما في المناطق الساخنة، لأن المفوضية شدّدت هذه المرة على منع الاقتراع بالنيابة، كما أن عدد الأوراق التي تم إبطالها زاد بشكل ملفت، فمثلا في المركز الذي صوتُّ فيه تم إبطال سبعة في المائة من أوراق الناخبين بحسب ماأخبرني به مدير المركز. على الطاولة المجاورة كان يجلس خمسة رجال التفت أحدهم إلى الشباب وأبدى توقعاته أن يبدأ فصل جديد من صراع الفيّلة، بعدما أظهرت النتائج الأولية تنافساً على المرتبة الأولى بين قائمة (متحدون) بزعامة المحافظ أثيل النجيفي، وقائمة التعايش والتآخي الكردية خاصة وأن فارقاً كبيراً يفصلهما عن القوائم الأخرى. "المحللون السياسييون والمراقبون يستندون إلى معطيات جديدة تتمثل بالنتائج وأخرى قديمة تتعلق بتفاهم النجيفي المسبق مع الأكراد للتنبؤ بأن تجديد ولاية النجيفي بات شبه محسوم" أضاف الرجل . قال عزيز نعم فالنجيفي أكد ذلك عندما كتب على الفيسبىوك "بعيداً عن كل صراعات الحملة الانتخابية والتسقيط السياسي الذي سبقها توّجه متحدون دعوتها إلى الفائزين الراغبين في العمل ضمن مشروع لإصلاح المحافظة والنهضة بها، ولدينا تفاهم مسبق مع عدد من القوائم الفائزة حول هذا المشروع". الساعة العشرة والنصف ليلاً، نهض الشبان الثلاثة وبعدما ودعوا جيران الطاولة المجاورة ساروا باتجاه السيارة، نظر أحمد إلى سحابة دخانية منبعثة من ماكنة شواء اللحم وهي تشتبك مع دخان السجائر والأركيلة لإحدى المقاهي وسط جلبة عالية، تخيّل مشهدا اشتباكياً مماثلا سيحدث قريباً في قاعة مجلس محافظة نينوى. قال مناديا على رفيقيه "يا جماعة إربطوا الأحزمة ، أخشى أننا مقبلون على أزمة سياسية قد تجرُّ بأذيالها موجة عنف جديدة كالتي اجتاحت المدينة في خضم الصراع الانتخابي، وكما تعلمون الحشائش وحدها هي التي تُسحّق بالأقدام حينما تتصارع الفيّلة.
|