دان براون: ليست لديّ أجوبة لكن لديّ الأسئلة كلها

المقاله تحت باب  منتخبات
في 
07/06/2013 06:00 AM
GMT



بالتأكيد يشكل الكاتب الأميركي دان براون ظاهرة في عالم النشر. لكن هل يشكل ظاهرة في عالم الأدب؟ كثيرون يعتبرون براون مجرد كاتب شعبي، يجيد كتابة القصص التشويقية، لكن ذلك لا علاقة له بالأدب الحقيقي. ومع ذلك لا يمكن التغاضي عن الكاتب الذي منذ «شيفرة دافنشي» يعرف نجاحاً جماهيرياً كبيراً، حتى أن الجميع ينتظرون كل كتاب من كتبه. في أي حال، ما يكتبه براون يشكل نوعاً من أدب، لم يتوقف منذ فجر الكتابة، وإن كان لا يبقى منه أي شيء في تاريخ الأدب ولا يشكل أي وقفة في تاريخ الإنسانية.
آخر إصدارات براون كتاب «إنفرنو» (جحيم) الذي يعتمد فيه على الكوميديا الإلهية لدانتي، حيث نجد فيه عالم الرموز لاندوغ في مغامرة جديدة من تلك المغامرات التي سحرت كثيرين. حول كتابه الجديد أجرت «لوفيغارو» الفرنسية حواراً مع الكاتب، هنا ترجمة له.

*كيف تحدد نفسك بكلمات قليلة؟
-أعتقد أنني شخص فضولي ثقافياً. أشعر بالشغف تجاه موضوعات المجتمع المرتبطة بالأخلاق، بالروح المعنوية. وأكتب قصصاً تشويقية تسمح لي بطرح الأسئلة الجادة، بتوصيف أماكن رائعة، مثل مدينة فلورنسا في روايتي «إنفرنو» (الجحيم)، كما بتسلية قرائي.
*في «إنفرنو»، تستدعي جحيم دانتي. أليست هي المرة الأولى التي تعتمد فيها، (في كتبك)، على إحدى الروائع الأدبية؟
-في الواقع ثمة الكثير من المرجعيات الفنية في كتبي، وبخاصة لوحة «لا جوكوندا» في «شيفرة دافنشي»، من هنا، رغبت في الاعتماد على شيء جديد. بدا لي دانتي جديداً بشكل كامل لكنه مألوف في الوقت عينه. فـ«الكوميديا الإلهية» مثلها مثل «لا جوكوندا» تتجاوز العصر الذي كتبت فيه.
* هل تعتقد بأن الخوف من نهاية العالم لا يزال هو نفسه كما كان في القرن الرابع عشر؟
- بالتأكيد لا يزال البشر يشعرون بالخوف عينه، لكننا نجد اليوم مشكلة خاصة بتكاثر السكان. خلال الخمس وثمانين سنة الماضية ازداد عدد السكان ثلاثة أضعاف وكل يوم يولد 200 ألف شخص.

المسيحية والمعاصرة

* متى قرأت «الكوميديا الإلهية» للمرة الأولى؟
- كنت في السابعة عشرة من عمري، وكنت آنذاك أتعلم الإيطالية، وقد قرأتها في نسخة معدة للأطفال. لكني عدت وقرأت «الجحيم» بالإنكليزية. لقد صدمتني قوة النص. فيما بعد، وخلال قيامي بأبحاثي من أجل كتابة «شيفرة دافنشي»، وكان ذلك من عشر سنوات، شعرت بالرغبة في الكتابة عن هذا الموضوع. أردت أن أُظهر كم أن الرؤية المسيحية والمعاصرة التي نملكها عن الجحيم تأتي من عند دانتي.
* ومع هذا لقد تعرضت بعد «شيفرة دافنشي» إلى العديد من الانتقادات بسبب رؤيتك للدين المسيحي؟
- ما قمت به عبر كتابة «شيفرة دافنشي» هو طرح سؤال واحد محدد: ما سيكون عليه الأمر لو أن المسيح لم يكن ابن الله؟ بالنسبة إليّ، لو كان المسيح أكثر أنسنة وأقل ألوهية، لما أضعف ذلك من رسالته ولبقي رائعاً.
* هل تؤمن بالله؟
- أبحث عن ذلك. أقرأ عن الله كثيراً، كما عن الأديان. أطرح العديد من الأسئلة مثل الجميع.
* يذكر أنك التقيت بالبابا جان بول الثاني؟
-نعم، كان هناك لقاء مع البابا، لكن لم يكن لقاءً شخصياً. حالفني الحظ بأن استدعيت لحضور اجتماع شبه خاص، في إحدى الغرف الخاصة في الفاتيكان. حضر البابا للحديث إلى مجموعة خلال نصف ساعة. من ثم أقام صلاة وباركنا. ثمة تفصيل مضحك في هذا الاجتماع، قبل الدخول إلى الغرفة تحقق أحد الحراس السويسريين بأننا لا نحمل معنا لا أسلحة ولا زجاجات ماء، فسألت لماذا. فيما بعد علمت بأن كل ماء موجود في الغرفة التي يبارك فيها البابا تصبح مياهاً مقدسة، ويخشى الفاتيكان بأن يبيع الزوار هذه المياه.
*كل الأسئلة والشكوك الروحية التي تجتاز كتبك، هل تشكل طريقة ما للقطيعة مع التربية الدينية البروتستانتية التي تلقيتها؟
-ربما. لكن، في كنف عائلتي، كان النقاش مفتوحاً. على سبيل المثال، وأنا طفل، لم أكن أعرف إن كان عليَّ أن أؤمن بقصة آدم وحواء أم بنظرية النشوء والترقي (داروين). سألت عن ذلك القسيس الذي أجابني بأن ليس على الأطفال الصغار أن يتساءلوا حول هذا الموضوع. لم أكن راضياً عن ذلك بتاتاً، فأخبرت أهلي الذين قالوا لي: «ليس لدينا أي جواب عن ذلك، لكن لنتحدث في الأمر». تبدو كتبي مشابهة لذلك، لطريقة البحث هذه، ليست لدي أي أجوبة، لكني أملك الأسئلة كلها (يضحك).

لحظة مثيرة

*كان والدك أستاذ رياضيات ووالدتك موسيقية مختصة بالأناشيد المقدسة، كذلك زوجتك شغوفة بتاريخ الفن. ألا تجد أن هؤلاء جميعاً يشكلون لك الوحي الذي يلهمك؟
-بالتأكيد تأثيراتهم قوية عليّ كما أنها، ظاهرياً، متناقضة. نشأت في وسط كانت تتجاور فيه العلوم والفنون بتناغم. اليوم، أتحقق كم أن العلم والدين قريبان من بعضهما البعض. من هنا، وعلى سبيل المثال، ووفق فيزياء الذرات، نجد أن كل شيء مرتبط ببعضه، وهذه أيضا فكرة دينية. وأحب أن أذكر، بأن كل العلماء الكبار يقولون، كأينشتاين على سبيل المثال، إنه يجب أن يكون هناك الله. أما بالنسبة إلى علماء اللاهوت الكبار، فيجدون بأنه يمكن للعلم أن يظهر حقيقة ما.
*هل توحي لك السلطة بشيء؟
-سحرتني دائماً سلطة الظل، واقع وجود سلطة مخفية في الكواليس. ما من شيء يصنع بالصدفة. يعتقد البعض بأن كل شيء يتم عبر حكومة في الظل، والبعض الآخر، يعتقد بأنه الله. أما نحن، الكائنات البشرية العادية، فإن بصمتنا قليلة على الواقع اليومي. إننا نعيش تحت المراقبة.
*إنك تؤمن إذا بنظريات المؤامرة؟
-كل نظريات المؤامرة لديها نقطة مشتركة: مفهوم النخبة، وتأليب الحشود. تعرف الحكومة أشياء عنّا أكثر مما يمكن لنا أن نتخيله، لكن من الأفضل أن لا نتصرف بكثير من البارانويا..
*هل هدفك الأول يكمن في أن تسلي قراءك؟
-أجل، لكن أعتقد أن قرائي يرغبون في التسلية بتشويق، لكن أيضاً وهم يفكرون.
*كيف تشعر حين يعتبرونك ككاتب شعبي بسيط؟
-أكتب من أجل جمهوري لا من أجل الجوائز الأدبية.
*منذ عشر سنوات صدرت رواية «شيفرة دافنشي»، مع مرور الزمن، ما الذكريات التي تبقت لك من ذلك؟
-كان لحظة مثيرة. عملت كثيراً على ذاك الكتاب. لكن حياتي لم تتغير كثيرا منذ ذاك الوقت. ما زلت أكتب بالطريقة ذاتها، أستيقظ الرابعة فجراً، وأقوم بتماريني السويدية من أجل الأوكسجين. تسخر شخصياتي من عدد الكتب التي بعتها، عليّ أن أعمل بكد كي أستطيع إعالتها.