بيلاروسيا

المقاله تحت باب  نصوص شعرية
في 
12/05/2013 06:00 AM
GMT



إلى : عبد الأمير جرص

وأخيراً، قررت أن أموت هنا
 
تحت ثلوج روسيا البيضاء
 
تحت خطوات فتياتها الرشيقات
 
حيث ضحكاتهنّ تبدّدُ وحشة المساء
 
هنا في هذه الغابة البعيدة
 
لا أحب أن أموت في وطني
 
لا أحب وحشة الرمال وكآبة الملح
 
لا أحب أنْ يتراصفَ قبري بشاهدة كئيبة
 
بين قبور أصدقائي الذين أخذت الحروب بأيدهم وناموا هناك مفزوعين من ملاك الموت وشراسة الأسئلة،
 
 
 
وكجندي قديم،
 
كمحاربٍ سابقٍ في السهول والجبال والاهوار
 
يحقُ لي، بعد أن تركتني الحرب أتنفّس بلا سببٍ سنواتٍ أخرى
 
يحقُ لي،
 
أن أختارَ تلالَ الثلوجِ تلك، لأرقدَ تحتها بأمانٍ وفرحٍ غامض
 
وفي الواقع، لم تكن الأمور سيئة لهذا الحد،
 
كانت الحياة في وطني رحلةً ممتعةً أحيانا
 
وشاقةً في أحيان أخرى
 
لكن الموت تحت الثلوج البيض
 
يعدٌ نهاية مناسبة لروحي
 
روح المحارب القديم،
 
 
 
ألوّح لكِ أيتها الأرض البعيدة
 
ألوّح لك يا وطني
 
ألوّح لك يا أمي
 
بيدٍ مرتعشة
 
وبدموع أليفة
 
ألوّح لحبيباتي
 
واهديهنّ سنوات الشباب المجيدة
 
سنوات الثمانينيات حيث تقافزت أعوامي مثل جزذان سود وراء
 
السواتر
 
بين المزاغل والخنادق،
 
هناك على خطِ النار
 
في الفاو وبحيرةِ الأسماك
 
على جبل "ماوت " في كردستان
 
وتلال كيسكا في مندلي
 
حين تعزف المدفعية والهاوانات
 
أكثر موسيقاها صراحة
 
ليمضي الجنود، مرة في إجازة
 
ومرة أخرى الى المقبرة
 
ألوّح لك يا مدينتي
 
ألوّح لشارع الرشيد
 
لتمثال الرصافي
 
للنهر والنوارس الدائخة
 
وأرصفة الوزيرية والباب المعظم
 
بيدِ محاربٍ قديم
 
بيدٍ تطلقُ الرصاصَ في العراء
 
عندما كانت الـ (بي كي سي) هي كل ما املك على خط النار،
 
ألوّح بيدٍ خاملة تطلق الرصاص في العراء
 
وأحيانا تكتب كلماتٍ باسمٍ مستعار
 
من اجل الأجيال الجديدة وراحة البال
 
 
 
هكذا اقترب من ثلوج عام 2013
 
مودعا حرارةَ الشمسِ اللاهبة
 
وبقايا الغبار
 
مودعا تلك الحماقات التي طبعت سنوات حياتي
 
لكم يكون المرء محظوظا عندما يتاح له
 
وبحرية كافية ان يختار الثلوج الناصعة البياض غطاءً لنومتهِ الأخيرة
 
 
 
في ما تبقى من السنوات
 
سأعيش في كوخ صغير
 
على مشارف مدينة منسك
 
اسمع موسيقى موتسارت وشوبان وبيتهوفن
 
وعندما يأتي الربيع وتطير الفراشات قرب النوافذ الندّية سيكون فيفالدي هو الحل المناسب،
 
سأقرأ هوسرل
 
ومارتن هيدغر
 
وميرلوبونتي
 
ليس لأعرف ان "الوعي هو نفسه الوجود الإنساني الملقى به في هذا العالم"
 
وإنما لأمنح حياتي معنىً عميقاً
 
يبرر موتي في ثلوج روسيا البيضاء،
 
روسيا البيضاء التي مررت بها صدفة
 
وأخيراً، قررت أن أموت هنا
 
تحت ثلوج روسيا البيضاء
 
تحت خطوات فتياتها الرشيقات
 
حيث ضحكاتهن تبدد وحشةَ المساء
 
هنا في هذه الغابةِ البعيدة
 
منسك 2013