فيليب روث متوقفا عن الكتابة: يتناقص عدد القراء الحقيقيين للروايات |
المقاله تحت باب منتخبات منذ أن أعلن الكاتب الأميركي فيليب روث، منذ أشهر، عن توقفه عن الكتابة، والعالم الأدبي يهذي بهذا الخبر الذي وقع على الجميع وقع الصاعقة، إذ لا شيء كان يشير إلى أن روث ـ أحد أهمّ الروائيين الأميركيين المعاصرين، والمرشح الدائم لنوبل للآداب ـ تعب من الكتابة وأنه لن يعود إلى عالم الرواية. * لو كنت رزقت بأولاد، لكنت طلبت منهم أن لا يصبحوا كتّاباً. ومع ذلك أنت نفسك رغبت في أن تكون كاتباً. - حين نقرر أن «نصبح كتّاباً»، لا نمتلك مسبقاً أي فكرة عمّا يمكن أن يمثله هذا العمل. حين نبدأ ذلك، نكتب بشكل تلقائي انطلاقاً من تجربتنا الخاصة، وهي تجربة محدودة جداً عن العالم غير المكتوب وعن العالم المكتوب. نكون لحظتها ملأى بحيــوية ســاذجة. «أنا كاتب» تشبه هذا الجملة، جمــلة «لدي شخص (أحبه) في حياتي». بيد أن العمل، يوماً وراء يوم أو تقريباً لمدة خمسين سنة ـ أكنت كاتباً أم عاشقاً ـ لمهمة ذات تطلب كبير؛ وهي بعيدة عن أن تكون أجمل النشاطات التي يقوم بها الإنسان. * هل أنت سعيد بهذا القرار؟ - بالتأكيد. أنتمــي إلى جــيل من الكتّاب الأميركيين الذين ولدوا في الثلاثينــيات (من القرن الماضي)، جئنا بعد همنغواي ـ وكنّا مسحورين بحدة غوستاف فلوبير والعمق الأخلاقي عند جوزف كونراد وجلالة التأليف عند هنري جيمس ـ وكنّا مقتنعين بأننا نقوم بعمل مقدس. الكتّاب الكبار كانوا بالنسبة إلينا قديسي المخيلة. أنا أيضا رغبت في أن أكون قديساً. * عادة، الكتّاب الذين يتوقفون عن الكتابة لا يصرحون بذلك، على عكسك. - إنهم لا يرغبون في أن نعرف بأنهم قد توقفوا عن الكتابة. ربما هذا صحيح. لا يرغبون في أن نعرف أن مخيلتهم توقفت عن العمل. لم أذهب وأصرخ بذلك فوق جميع الأسطح. هناك شابة فرنسية، نيللي كابريليان، جاءت لإجراء مقابلة معي لمجلة فرنسية، وفي نهاية اللقاء سألتني «حول ماذا تعمل هذه الأيام؟ فأجبتها «لا شيء أبداً»، فسألتني «ولماذا هذا؟» فقلت لها: «أعتقد أن الأمر انتهى. أعتقد أني انتهيت». هذا ما حصل فعلاً. لم أكن أنوي أن أقوم بتصريح غايته إحداث «هذه الضجة» وهذا الهذيان. فقط أجبت بصراحة على سؤال مباشر طرحته عليّ صحافية جيدة. بعد هذا الكلام بعدة أشهر، أمسك صحافي مليء بالحماسة عدداً قديماً من تلك المجلة وهو عند الحلاق حيث ذهب لقص شعره ونشر المعلومات، التي ترجمت بشكل سيئ عبر «غوغل» بلغة إنكليزية مليئة بعدم الدقة، وبطريقة مضحكة. * لم تكن تتوقع أن يتم التعليق على الأمر بهذا الشكل الكبير؟ - كلا. * هل قلت فقط إنك ستتوقف عن كتابة الرواية؟ * في أي حال لم أكتب مجدداً الرواية، هذا أمر مؤكد. وكما قلت لكم سابقاً أكتب صفحات وصفحات من التعلــيقات خاصــة بالذي يكتب سيرتي، لكــنها ليــست صفحــات روائية. لا يمكن لها أن تــكون كذلك. لا تحتوي على أي حزن. * قيل إنك كتبت قصة قصيرة مع ابنة إحدى صديقاتك التي تبلغ الثامنة من العمر. هل هذا صحيح؟ - أجل إنها تدعى آميليا. كتبنا عدداً من القصص الطويلة نسبياً معاً، عبر الإيميل، وبشكل متعاقب. تكتب فقرة وأكتب واحدة أخرى ونتبادل ذلك مجبرين أنفسنا على أن نكون كثيري الخيال خلال عملية التبادل. في هذه اللحظة نعمل على قصة حول شخصين عالِمين، وهذان العالمان هما كلبان. إنها فكرة آميليا، تملك مخيلة أوفيد، لكني بالتأكيد لست في طور كتابة رواية. أتسلى مع طفلة صغيرة ذكية جداً واستثنائية، وأحبها. * إذاً، بالنسبة إليك وبعد أن أعدت قراءتك تجد أنك قمت بعمل جيد وبأنه يمكنك أن تتوقف. - لم أقل لنفسي «هذا جيد» أو «هذا ليس جيداً». جاء الأمر هــكذا وحــده، بدون سبب، لم أكن بحاجــة إلى ذلــك. كما أنــي لم أعد أرغب في الاستــمرار وقــد توقفــت. لا شيء آخر لأقوله. * هل يعني ذلك أن تقول: تعتقدون أنكم قرأتموني، لكنكم في الواقع لم تقرأوني. اقرأوني الآن! - أبداً. لم أعد اشعر بالرغبة في العمل مجدداً. هناك العديد من الأشياء التي لا أنوي القيام بها، لا أريد أن أسقط عاشقاً على سبيل المثال إلا بصفتي جدّ. * هل تعتقد، مثلما يظن كثيرون، أن الرواية لن تختفي بل أن القــراء هم من سيختــفون؟ - هذا صحيح، يتناقص عدد القراء الحقيقيين عدد الذين يأخذون القراءة على محمل الجد... * نشتري دائماً الكتب لكن هل نقرأها فعلا؟ - قارئ الرواية الحقيقي هو شخص راشد، يقرأ، لنقل، لمدة ساعتين أو ثلاث كل مساء، وذلك لثلاث أو أربع مرات في الأسبوع. إنه ينهي الكتاب خلال أسبوعين أو ثلاثة. القارئ الحقيقي ليس ذاك الشخص الذي يقرأ من وقت إلى آخر، ولمدة نصف ساعة ليضع الكتاب جانباً ويعود إليه بعد ثمانية أيام وهو على شاطئ البحر. حين يقرأون فعلا، فإن القراء الحقيقيون لا يلتهون عن ذلك بأمر آخر. يضعون الأطفال في السرير، ويبدأون القراءة. لا يسقطون في فخ التلفزيون، ولا يتوقفون كل خمس دقائق ليقوموا بمشترياتهم على النت أو ليتحدثوا على الهاتف. لكن من دون أدنى شك، إن عدد هؤلاء الناس الذين يأخذون القراءة على محمل الجد يتناقص سريعاً. الأمر مؤكد في أميركا في أي حال... * تصر دائماً على صعوبة الكتابة، على الكبت. أليست هناك متعة في إنهاء كتاب ما؟ - بلى. إنها متعة تستمر أسبوعاً ونصف الأسبوع (بعد الانتهاء منه). حين ننهي رواية، يتملكنا شعور بالانتصار، لكن ذلك لا يستمر عشرة أيام، أي لزمن لنفهم معه أن كتابة شيء آخر لأمر مستحيل بالكامل. |