بين حانا ومانا |
المقاله تحت باب في السياسة تصنف مجتمعات الشرق الأدنى وبخاصة العراق وسورية ومصر بانها مجتمعات زراعية يسودها النمط الآسيوي للأنتاج وهي لهذا السبب تتميز بقوة التقاليد وهيمنة العواطف و العقائد الغيبية وبالتالي فأن مجتمعات كهذه يتراجع فيها الأنتاج الصناعي او ينعدم تماما. وينظر الى التقاليد في مجتمعنا على انها أبنية افتراضية ثابتة تأ سست من جراء الموروث القيمي وأعتبار هذا الموروث مقدسا كونه ينبثق من الدين .لذلك ساد عصر النهضة المعاصرة في الشرق تصور يربط بين العقيدة الدينية والتخلف وقد عززت الكمالية التركية في مطلع القرن الماضي هذا الربط بين التخلف والدين... واصبحت حرية المرأة على سبيل المثال مرادفة لخلع الحجاب...وترتب على هذا الربط الجزافي النظر الى المؤسس الحضاري اللساني او الأمة على انها هي عينها المؤسس الديني مما ولد تداخلا بين العيب والحرام ... ونحن في الوقت الذي لايخامرنا فيه اي شك بالتأثير السلبي ليد السلف في الخلف فلابد ان نؤشر على فضائل السلف والمعتقد الديني والحرام والعيب أزاء فقد هذه الأبنية الأفتراضية المؤسسة عبر التجربة التاريخية ولاسيما عندما نقارن تطور المجتمعات الغربية خارج تأثير هذه المباديء والتقاليد والقيم. لقد تعرضت الحضارة العربية الأسلامية الى تأثيرات آسيوية وأوربية في العصر الوسيط والحديث ادت في طورها الوسيط الى تبني عادات فارسية وهندية وافريقية على الحضارة العربية الأسلامية أفضت بدورها الى ايلاء الأولوية للكبار على الشباب والرجال على النساء والدولة على الأفراد ودفعت بالرجال ممن لاقوة لهم الى التشبه بالنساء اللاتي يلجأن مثل شهرزاد الى الحيلة والمكر. وفي العصر الحديث استوردت حكومات الشرق الأدنى وسياسيوهم افكارا وأنماطا وفلسفات ومظاهر تشكلت عبر التطور الأجتماعي والأقتصادي والحضاري للغرب كالقومية والشيوعية والديموقراطية وحرية المرأة ومعها التشريعات المدنية والحركات الفنية والأدبية كالدادائية والسوريالية والرومانتيكية والتجريدية وما الى ذلك مما لم يوثر في سياسات الدول الشرقية فقط بل أثر بالتعليم وبكيفية النظر الى الذات والعالم. وبالنتيجة تولدت تناقضات بنوية حادة في مجتمعاتنا وبخاصة المجتمعات العربية في العراق وسورية ومصر والمغرب العربي وتركيا وأيران. ولكي تتخذ هذه التناقضات بعدا تابيديا عمد الغرب الى تأسيس الكمالية وجلب اليهود الى ارض فلسطين . وكان الوجود اليهودي يكسب تأييد الغرب الذي شجع اسرائيل وايدها بالمال والسلاح لألحاق الهزائم بالعرب مما دفع العرب الى الدخول بتحالفات غير متكافئة فتصور الكثير منهم وبخاصة جمال عبد الناصر وحافظ الأسد والزعامات العراقية ان افضل حل في الداخل هو العلمانية المعتدلة وفي السياسة الخارجية التحالف مع الأتحاد السوفيتي. . وكان الغرب والشرق يصدران الأسلحة لمنطقتنا ليقتل احدنا الآخر عربي ضد عربي ومسلم ضد مسلم ومسلم ضد عربي وأخيرا عراقي ضد عراقي ومصري ضد مصري وفلسطيني ضد فلسطيني...بينما نأى الجميع عن مقاتلة العدو الأفتراضي المتمثل بالدولة العبرية وبالتالي اصاب العرب نوع من العمى العجيب المتأتي عادة من اضاعة الأيقاع فأصيبو بعمى الأتجاه فمنهم من أتجه بجيشه شرقا او غربا اوشمالا او جنوبا ومنهم من قفز الى بيئة غير بيئته نافخا ابواق السلفية والوحدة الأسلامية! ولكن بدون جدوى وبلا أي انتصار حقيقي. والنتيجة مزيد من الخراب الأجتماعي والأقتصادي وبينما كنا نتفاخر باننا مجتمعات زراعية نكتشف اليوم ان انهارنا تنضب وزراعتنا تتراجع ولاأمكانية لنا حتى للأستفادة من مواردنا...الضحية في كل ذلك الفرد الذي تستخدمه الحكزمات في خدمة سياساتها حتى عندما يكون الخصم صنوا في العقيدة وعندما يقتل في الحرب تعمد السطة اي كانت الى التاريخ والدين لتبرير الجريمة بوضع اسم شهيد على قبر الضحية . لقد تحولت مجتمعاتنا الى منظومات طرد مركزية ترسل ابناءها الى الى المنافي او الى الموت في الداخل . والمفارقة الكبرى اننا كنا نتصور ان الفرد وحده تحكمه قوانين دولته فتفاجئنا في عصرنا هذا بمشهد الحاكم تحكمه قوانين دولة .... والهدف الغربي هو الأمعان في تفتيت الأطراف ، في ضرب الموروث القيمي والعقيدي للشرق الأسلامي لصالح الدولة العبرية وضمان السيادة البابوية الأنكلو سكسونية على العالم. هذا واحد من الأفتراضات في تعليل ماحل بالعراق ... واللآخر هو الديموقراطية التي شقت طريقها مع الممرضات البلغاريات الى المشرق بدم ملوث فتركت الحبل على الغارب للموت يعصف بمجتمعاتتنا وينخرها لحما وعضاما. والغريب ان في مجتمعاتنا كونها لاتوجد فيها اي علاقة بين الحكومة والفرد والمجتمع. فليس تمة قاسم مشترك بين الحاكم والمحكوم: الحاكم ايقونة تمسك بعصا السلطة والمحكومون ليس لهم وجود الا في سجلات الولادات والوفيات في مكاتب النفوس والتجانيد..يموت الفرد ويستمر المجتمع أذن لايوجد رابط بين هذه التكوينات على الرغم من الأعلام والترابط الوظيفي والمكاني. فالفرد يوهم بأنه مهم او منظور من قبل الدولة او المجتمع... بينما لايراه أحد .. ومن جهة أخرى ففي مجتمعاتنا دولة و رب اما في المجتمعات الغربية فيوجد دولة ولايوجد رب .. ولأن الموروث القيمي يرتكز على مفهوم الرب والعبادة فأن الغرب لاموروث قيمي لديه... وفي كلا المجتمعين الغربي والشرقي توجد تماثيل الا اننا نعبد تماثيلنا حتى نحطمها مرة واحدة بينما لايعبد الغربيون تماثيلهم ولايحطمونها ...فماذا نرى عندما تضطرنا انياب الوحشية البدائية او الديموقراطية ، مكائن الغرب الأبله أم فؤوس الأستبداد السياسي الى مغادرة اوطاننا لنجلس في مجتمعات الغرب ونعيش على مساعداته... فضلات ارسلها الطرد المركزي للقمع والأستبداد الآسيوي... نرى اننا هنا نكتشف فضائل لنظامنا الأجتماعي وموروثنا القيمي أزاء الأباحية التي يسمونها حرية وأزاء التسيب الذي يسمونه ديموقراطية ... نكتشف اننا مابرحنا مجرد اعلانات : في الشرق اعلانات عن عظمة الزعماء الذين يذبحوننا بأسم الحرية والوحدة والتقدم وفي الغرب أعلانات للديموقراطية... وللغرب الأنكلوسكسوني الذي يتباهى بانه حررنا من قمع حكامنا ووفر لنا ملاذ آمن... ونحن الخاسرون في الحالتين في المنفى فقدنا الوطن وفي الوطن فقدنا امننا، في المنفى يريد عدد قليل من البشر ان يقنعونا بأنهم أكثر تحضرا من بابل ونينوى وأوروك وبغداد وفي نينوى وبغداد تطاردك بدلا من القصائد القذائف وبدلا من الخبز الدم وبدلا من الحدائق المقابر نريد اوطانا بلا دماء منافي تتحدث لغتنا وتلتزم موروثنا القيمي.. ولكن لاهذا ولاذاك... فمجتمعاتنا البعيدة القريبة هي مجتمعات نوم أن استيقظت على انين الصحراء ووحيها فألى مزيد من الدماء وأن تاقت للسلم دفعها اغبياء الداخل ولؤماء الخارج الى مزيد من الحروب وهي ان أرادت الحياة،دفعها تاريخها او جارها الى مزيد من الموت...وقديما قالو بين حانا ومانا ضيعنا لحانا |