المقاله تحت باب أخبار و متابعات في
03/11/2012 06:00 AM GMT
في بيروت صدرت مؤخراً «عجائب بغداد» رواية العراقي وارد بدر السالم، وهي عمله الروائي الرابع في تسلسل أعماله السردية، والسادس عشر في مجمل أعماله الأخرى في القصة القصيرة وأدب الرحلات والنصوص الأخرى. يتداخل السّرد بالوصف كأداتين يعتمدهما الكاتب وهو يدخل القارئ إلى عالم الراوي ليواكب رحلته من دبي إلى بغداد كمراسل صحافي... ورحلته النفسيّة كإنسان يبحث عن هويته. فالراوي انطلق برحلتين، خارجية وداخلية، تسيران جنبا» إلى جنب يحرّكه شعور لاواعٍ بالبحث عن جذوره. ففي بغداد، يتربّص الموت بالعراقيين ويرديهم جثثا» تضيق بهم برادات المشرحة وممراتها الباردة...أو أشلاء» مرميّة» على سطح أو شرفة أو زاوية طريق. لكن أن يتحوّل النهر إلى مقبرة لمئات الجثث، فهنا يكمن مغزى الرواية. ترك الكاتب نهاية الرواية مفتوحة على تساؤلات كثيرة، فمقتل الصياد في النهاية أهو تحقيق الأمل المنشود في إيجاد الهويّة بعد أن وضع الراوي إحدى الهويات في جيبه!...أم هو فتح الباب على مصراعيه على الحقيقة المرة وهي ضياع الهوية وغرقها مع باقي الجثث ومع جثة الصياد نفسه؟ لبلورة الفكرة التي أرادها، وظّف الكاتب أدوات عديدة تشبه بمغزاها عجائب بغداد نفسها. فالرموز كثيرة تحث ذهن القارئ لفكّها وإدراك كنهها... فللألوان والأعداد والأشكال رمزيتها.. كما للحواس دورها في فك الرموز لمعرفة الكلمة - المفتاح التي أرادها الكاتب وهي «الهويّة». تختلط الروائح بالألوان بالأصوات، كما يختلط العطر الخليجي والباريسي للمراسلين العرب والأجانب المقيمين في فندق الشيراتون برائحة الموت المنبعثة من الجثث في الشوارع والأحياء. يسيطر اللون الأحمر على ما عداه من الألوان، حين يتحدث الراوي عن بغداد، بينما يسيطر اللون الأخضر على بقية الألوان حين يصف الأماكن الآسيوية التي زارها. وللّون الأحمر رمزيّته، فهو لون الدم والغضب والشهوة والنار والجحيم، بينما اللون الأخضر يرمز للحياة والجنائن والجمال والجنة... وبذلك يصوّر الكاتب عالمين متناقضين تماما كالموت والحياة. أما اللون الرمادي فيغطي سماء بغداد متراقصا» كمارد خارج من اّتون الانفجارات. ويأخذ اللون الرمادي بعدا رمزيا اّخر حين يتحول إلى أكثر من لون قابع في قارورة.... هو رماد الفتاة المحترقة التي ما زالت على قيد الحياة! وكأن احتفاظ الوالد برماد ابنته، يرمز الى إمكانية انتفاضة الروح العراقية كفينيق عندما يجد هويته الضائعة... وكما العين تشدّها الألوان فالأذن لا تلتقط سوى أصوات المدافع والانفجارات... يختفي تغريد الطيور وكأنّ العصافير هجرت سماء بغداد الرماديّة. أمّا الأعداد فلها رمزيّة لافتة. العدد 6 يتكرر بايحاءات مختلفة. فللأستاذ إصبع سادس في كلّ يد.... والرواية تبدأ بتاريخ اغتيال الإعلامية العراقية أطوار بهجت عام 2006... وكأننا بالرقم 6 يصير الحاسة السادسة المطلوبة للتمييز بين الجهل والمعرفة.. فكما يقول الكاتب على لسان الأستاذ فإنّ الجهل هو العدو الحقيقي للعراقي، لانّ العلم والمعرفة يشكّلان السلاح الفتّاك لمواجهة أعداء الداخل والخارج.. وما رمزيّة الإصبع المقطوع الذي ينتصب في وجه الأميركي، والجثة المقطوعة الرأس التي تتحرك بصورة طبيعيّة، إلا لتسليط الضوء على قدرة العراقي على أن ينتفض ويقوم من الموت، بينما المحتل وبكل ما يملك من قدرات لن يقدر أن يطمس هويّة العراقي... فما جمجمة الجندي الأميركي التي صارت كرة يركلها الطفل الا تأكيد قدرة العراقي على بناء المستقبل الزاهي . فالعراقي المقطوع الرأس على يد الزرقاوي ما زالت فيه بذرة الحياة، لم يقتلع من جذوره، بينما الرأس الأميركي المخطط والمدبّر تمرّغ بالتراب وركلته أرجل الفتيان.
|