التسلّح على أجندة الخلافات بين بغداد وأربيل

المقاله تحت باب  قضايا
في 
01/09/2012 06:00 AM
GMT



حينما أعلن جبار الياور قائد قوات البيشمركة مطلع آب الجاري عن إتفاق البيشمركة والحكومة الإتحادية على إبقاء الجيش العراقي والبيشمركة ضمن حدودهما السابقة، حاول أن يجد مخرجا مناسباً لأزمة طالما طفت على السطح بين الحين والآخر.
ياور قال حينذاك إن الأتفاق ينص على بقاء قوات البيشمركة والجيش العراقي في منطقة زمار التابعة إدارياً إلى قضاء تلعفر في محافظة نينوى، وهي المنطقة التي يرابط فيها حالياً، وتوجيه أنظارهما نحو الحدود مع سورية.
الإتفاقية تضمنت ايضا سحب القوات الإضافية من الجانبين، التي تم إستقدامها إلى المنطقة على خلفية الأزمة الأخيرة، وإعادة فتح الطرق الرئيسية في المنطقة، والتأكيد على سحب جميع القوات التي وصلت زمار فور إنتهاء الأزمة السوريّة.
الحكومة العراقيّة أمرت في 27 تموز (يوليو) اللواء 37 و38 التابعين للفرقة العاشرة بالتحرك نحو مناطق تسيطر عليها قوات البيشمركة الكردية على الحدود التي تربط محافظة الموصل مع سوريا وتحديداً في منطقة زمار بمحافظة نينوى، بحجّة حماية المناطق الحدوديّة، فاعترضتها قوات اللواء الثامن من البيشمركة المرابطة هناك.
القوّات الكرديّة دخلت في حالة استنفار آنذاك، وبعض تصريحات المسؤولين الأكراد أكدت انها كانت مستعدة لاطلاق النار لكن القضية تم فضّها بعقد الإتفاق المذكور وبدا التحرك آنذاك وكأنه نزاع بين جيشين في بلدين جارين، وليس في بلد واحد.
الخلافات بين بغداد وأربيل تجاوزت قضيّة محاكمة الهاشمي ومساعي حجب الثقة عن حكومة نوري المالكي، وأُضيف إليها رزمة المشاكل والقضايا والملفّات العالقة بين العاصمتين العراقيتين، الإتحاديّة والإقليميّة حتى وصل الأمر إلى التلويح باستخدام السلاح لحسم الخلاف.
ورغم ان نزع فتيل الأزمة بين الجيش العراقي والبيشمركة كان خطوة جيدة جنبّت البلاد منزلقاً خطيراً للغاية، إلاّ انه مؤشّرٌ على دخول ملفات أخرى على خط الأزمة بين بغداد وأربيل.
فبالاضافة إلى عدم تطبيق المادة 140 وتأخير إقرار قانون النفط والغاز، طفت مسألة تسليح الجيش العراقي ورفض حكومة إقليم كردستان لهذه الخطوة، وتسليح قوّات البشمركة في إقليم كردستان ورفض حكومة المالكي لها على سطح الخلافات بين الجانبين.
للوهلة الأولى يبدو الخلاف على التسلُّح بين العاصمتين إشكال جديد ناجم عن ازدياد حدّة الأزمة والتوتر بين حكومة المالكي ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، إلاّ أن مسألة الجيش وسلاحه كانت مصدر قلق ورعب للكرد منذ زمن طويل رغم كونهم من مؤسسي الجيش العراقي بسبب إستخدام الحكومات العراقية للجيش في قمع الأكراد منذ عام1961 وحتّى لحظة سقوط النظام البعثي عام 2003.
تأسس الجيش العراقي بالتزامن مع الإنتداب الانكليزي على العراق في السادس من كانون الثاني سنة 1921، بجهود مجموعة من الضباط العرب والأكراد، حيث إجتمعوا في دار عبد القادر باشا الخضيري في بغداد بقيادة الجنرال جعفر باشا العسكري الكردي الأصل، وكانت نواة الجيش العراقي مؤلّفة من 14 ضابطا بينهم ثمانية أكراد.
وبعد سقوط النظام العراقي السابق سنة 2003، وحلّ الجيش العراقي بقرار من بول بريمر، أعادت مجموعة من الضباط العرب والكرد تأسيس الجيش العراقي مجدداً، أبرزهم الفريق الأول بابكر زيباري رئيس أركان الجيش الحالي.
وعقب تولي نوري المالكي رئاسة الحكومة والقيادة العامة للجيش والقوّات المسلّحة تعرّض المالكي لانتقادات لاذعة من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني، حيث وصف المالكي بـ"الدكتاتور" كما قال بارزاني أن الأخير يقوم "بإعادة هيكلة الجيش العراقي على أساس حزبي وطائفي، وإن وجود بابكر زيباري (الكردي) في منصب رئاسة الاركان، هو وجود شكلي".
من جهة أخرى، يعود تشكيل البيشمركة إلى سنة 1919 مع بدء الشيخ محمود الحفيد انتفاضته وإعلان نفسه ملكاً على كردستان، وأخذت هذه الميليشيا العسكريّة الكرديّة شكلاً أكثر تنظيماً من حيث التدريب والعتاد عام1961، أثناء ثورة أيلول بقيادة الزعيم الكردي الراحل مصطفى بارزاني.
وبقيت قوات البيشمركة خاضعة لتقسيم حزبي، بين الإتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني حتى بعد دمج الحكومتين المحليتين الخاضعتين للحزبين الرئيسين في الإقليم الكردي، ورغم إعلان الحكومة الجديدة في إقليم كردستان العراق في نيسان الماضي عن نيّتها دمج قوات البيشمركة.
الخلافات بين بغداد وأربيل حول قوّات البيشمركة ظهرت للعلن نهاية 2007، حيث طالبت بغداد بخفض عدد قوات البيشمركة إلى 30 ألف، بينما اصرّت اربيل على رفع العدد إلى 75 ألف شخص.
وبرر جبار ياور وقتئذ موقف اربيل بالقول: "إن كردستان منطقة جغرافيّة معقّدة يبلغ طول حدودها مع دول الجوار 180 كيلومتراً، بالإضافة إلى أن كردستان لا تزال تعاني التهديدات الإرهابيّة".
وبسحب مصادر إعلامية كرديّة، يبلغ عدد افراد البيشمركة اليوم 100 ألف مقاتل إلى جانب 90 ألف من المتقاعدين والمعاقين جميعهم يستلمون رواتب شهريّة، حيث جرى الإتفاق فيما مضى على تشكيل فرقتين عسكريتين منهم، يتم إلحاقهما بالجيش العراقي.
الحكومة العراقيّة أكدت آنذاك بأن تتشكل قوات حماية كردستان يجب أن لا يتجاوز 2% من عدد الذكور القاطنين في كردستان ممن تتراوح أعمارهم بين 18- 45 سنة، ما يعني أن عدد هذه القوات يجب أن لا يتخطى 30 ألفاً.
الأزمة بين بغداد وأربيل بهذا الخصوص يمكن تسميتها بـ"سباق التسلُّح"، فحتى قبل الإنسحاب الامريكي من العراق أعلنت حكومة إقليم كردستان عن نيّتها شراء دروع ومروحيات بعد التفاهم مع الحكومة الاتحاديّة، فيما رفضت الأخيرة تخصيص ميزانية لتسليح قوات البيشمركة.
الحكومة المركزية طالبت مراراً بإغلاق الأكاديميتين العسكريتين في إقليم كردستان ورفضت بشكل قاطع تشكيل جيش خاص بالإقليم، واصفةً تلك الخطوة بأنها "غير دستورية".
وتعليقاً على تصريح مسعود بارزاني بخصوص تشكيل جيش خاص بالاقليم، قال الناطق باسم الحكومة العراقيّة علي الدباغ لصحيفة "الشرق الاوسط" الصادرة في لندن آنذاك إن "مسعود بارزاني جزء من الدولة العراقيّة ويعرف بأن الدستور لا يسمح بتشكيل جيش آخر في العراق".
الحكومة الاتحاديّة تسعى اليوم لشراء طائرات F16 من الولايات المتحدة الامريكيّة، وهي الصفقة التي تعترض عليها حكومة أربيل، بينما تسعى الأخيرة إلى شراء مروحيات أباتشي من نفس المصدر، حيث ترفض بغداد بشدّة تلك الخطوة.
رئيس اقليم كردستان العراق مسعود بارزاني قال في نيسان (أبريل) الماضي أنه أبلغ الإدارة الأمريكية "رفض أربيل بيع طائرات F16 الى بغداد طالما بقي المالكي على رأس الحكومة".
وفي إطار النزاع على التسلُّح، تطالب الحكومة الاتحاديّة قوات البيشمركة بتسليم اسلحة الجيش العراقي التي استولت عليها اثناء سقوط النظام العراقي السابق.
أما وزارة البيشمركة فأصدرت بياناً منتصف الشهر الماضي ذكرت فيه أن حكومة إقليم كردستان "ستضطر لتوقيع عقد التسلُّح في حال إمتناع الحكومة المركزية عن تسليح قوات البيشمركة".
عن (نقاش)