الدين يحرك مياه اربيل الراكدة

المقاله تحت باب  قضايا
في 
25/05/2012 06:00 AM
GMT



نشرت مجلة (جربة) الصادرة في اربيل مقالا لكاتب كردي مقيم في النرويج تحت اسم "انا والله" فسر من قبل رجال الدين على ان فيه "اهانة لله والدين الاسلامي".
وعلى إثر المقال تجمع عدد من المواطنين ورجال الدين الإسلامي يوم السادس من ايار (مايو) الماضي في جامع الصواف مطالبين باغلاق المجلة ومحاكمة رئيس تحريرها.
وكرد فعل سريع، أعلن رئيس حكومة الاقليم نيجرفان بارزاني خلال مؤتمر صحفي بان الحكومة ستنفذ مطالب رجال الدين، وبأنها لن تسمح باي تجاوزات على الدين الاسلامي.
وكان الكاتب الكردي هلمت كوران قد نشر مقاله في العام 2010 على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك بعد مشادة كلامية بينه وبين الملا كريكار الامير السابق لجماعة انصار الاسلام الجهادية في كردستان (كلاهما يقيمان في النرويج). وفي بداية الشهر الجاري، بعد مرور عامين، أعادت المجلة المذكورة نشر المقال دون استئذان الكاتب.
وفسر صحفيون ومراقبون في الاقليم ان نشر مادة من هذا النوع وفي هذا التوقيت بالذات كان الغرض منه إلهاء الناس بموضوع جديد بدلا من الحديث عن الصحفي سردشت عثمان لا سيما ان التوقيت كان متزامنا مع الذكرى السنوية لاغتياله.
وما عزز من هذا الاعتقاد ان "جربة" مجلة مقربة من الحزب الديمقراطي الكردستاني وكادرها الاعلامي يعمل في الوقت نفسه في القنوات الاعلامية التابعة للحزب.
واختطف سردشت عثمان يوم الخامس من ايار (مايو) 2010 في مدينة اربيل بعد ان نشر مجموعة من المقالات عن العائلة البارزانية الحاكمة لتظهر جثته بعد يوم من هذا التاريخ في مدينة اربيل. ولحد الان تحاول عائلة عثمان والوسط الصحفي الضغط على حكومة الاقليم والحزب الديمقراطي الكردستاني بهدف الكشف عن هوية القتلة عن طريق احياء الذكرى السنوية لاغتياله بفعاليات مختلفة.
مهما كان الهدف من اعادة نشر مقال هلمت كوران، كان الموضوع في النهاية كافيا لاغضاب عدد كبير من المواطنين، ولم تكن وعود نيجرفان البارزاني كافية لتهدئتهم.
وفي اليوم الثامن من نفس الشهر، قام عدد من رجال الدين بالتجمع من جديد في جامع الصواف وبدؤوا بالتظاهر متجهين الى مبنى البرلمان الكردي وسط المدينة ليتحول الاحتجاج هذه المرّة الى اعمال عنف مابين المتظاهرين ورجال أمن البرلمان.
وسرعان ما توسعت دائرة التظاهرة الى انحاء اخرى من اربيل, فبعد كسر عدد من زجاج نوافذ البرلمان، هجم المتظاهرون على نادي لشرب الكحول وحطّموا محلين لبيعها. وبهدف انهائها، انتشرت اعداد كبيرة من قوات الامن في انحاء مختلفة من المدينة وتم سماع اطلاق نار من عدة اتجاهات.
واظهرت الاحصائيات بعد انتهاء المظاهرات حجم الازمة، إذ كشف مدير الشرطة عبد الخالق طلعت عن اعتقال 100 "فوضوي"، فيما اعلن مركز مترو للدفاع عن حقوق الصحفيين عن وجود 20 حالة انتهاك بحق صحفيين قاموا بتغطية الحدث ابتداءً من الضرب ومنع التغطية انتهاءً بالاعتقال.
وفي الوقت الذي استطاعت فيه القوات الامنية الكبيرة المنتشرة داخل المدينة انهاء التظاهر مساء اليوم نفسه، يقول استاذ جامعي مختص في العلوم السياسية "استطاعت قوات الامن انهاء المظاهرة، لكنها لم تستطع انهاء الغضب الشعبي".
وبحسب الدكتور كامران منتك، أثبتت تظاهرات اربيل أن الحلول الامنية والعسكرية "غير قادرة على كبت غضب الجماهير" وان شرارة واحدة كافية لاشعال فتيل الاحتجاجات.
ويضيف الأستاذ الجامعي ان ما حدث في اربيل ومن قبلها في زاخو ماهو الا "غضب الشارع الكردي اتجاه السلطات الحاكمة لكن تحت عباءة الدين". ويشير الى ان السلطة لا تعي ان التظاهرات حرّكها "رد فعل غير مباشر على الفساد المتفشي في الاقليم".
وكانت هناك محاولات جادة من قبل بعض القوى المعارضة والنشطاء المدنيين لايصال مظاهرات 17 شباط (فبراير) العام الماضي من مدينة السليمانية الى اربيل، لكن حينها وبسبب انتشار القوات الامنية، منع اي نوع من التظاهر او التجمع.
وطبقت السلطات حالة من الطوارىء بعد ان اعتقلت النشطاء وأغلقت ابواب جامعة صلاح الدين في أربيل كي لا تشهد مظاهرات كتلك التي اندلعت في جامعة السليمانية.
وكانت محافظتا أربيل ودهوك (تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني) في السنوات الماضية أكثر هدوءً بالمقارنة مع السليمانية بحسب صحفيين ونشطاء مدنيين.
وسبق أن وقعت في مدينة زاخو بمحافظة دهوك في الثاني من كانون الاول (ديسمبر) العام الماضي أعمال عنف عندما قام متظاهرون عقب صلاة الجمعة بمهاجمة محلات لبيع المشروبات الكحولية وأخرى للتدليك (مساج) وحرق عدد منها، وفي المقابل قام اشخاص اخرون بمهاجمة مقارات الاتحاد الاسلامي الكردستاني واحراقها هي الاخرى. حينها وصف مراقبون تلك الحوادث بانها "تنفيس" عن الغضب الشعبي المتراكم.
ويعزو بولا كاكل، صحفي من اربيل، ذاك الهدوء الذي كان سائدا في أربيل إلى الاجراءات الامنية المشددة، ويقول إن السلطات عملت على كبت غضب المواطنين لحد كبير.
ويضيف كاكل لـ"نقاش" أن "نشطاء أربيل يبحثون اليوم عن منفذ للاحتجاج. ليس مهما ما هو موضوع الاحتجاج، المهم أن يجدوا منفذا مهما كان لتفريغ غضبهم من السلطات الحاكمة".
وجاءت تصريحات محافظ اربيل نوزاد هادي لتقول ان هناك "اياد خفية وراء التظاهرات" في اشارة الى الاحزاب الاسلامية.
واضاف في مؤتمر صحفي عقده في نفس يوم التظاهرات "لن نسمح بقيام اعمال فوضوية في اربيل وسنحاسب من يقف وراءها".
وفي هذا الصدد، وبالرغم من عدم استبعاد وقوف اطراف اسلامية وراء الحدث، يقول الصحفي بولا كاكل "لم يخرج جميع المتظاهرين من اجل الدين"، بل خرجوا "لاظهار سخطهم وغضبهم وهذا كان السبب وراء مهاجمة البرلمان".
ويؤكد كاكل "كان هناك اناس بين المتظاهرين لم يصلّوا ولو لمرة واحدة في حياتهم". وينهي حديثه قائلا:"عاجلا ام اجلا، ستبدأ المظاهرات من جديد، لكن لا احد يعلم من سيشعل الفتيل حينها".
عن (نقاش)