الموصل ملأى بـ (عيون) لمراقبة الابتزاز والجريمة

المقاله تحت باب  قضايا
في 
25/05/2012 06:00 AM
GMT



ثلاثة شبان اعتادوا ارتياد منطقة الغابات في عطلة نهاية الأسبوع مثل كثيرين من أبناء مدينة الموصل، لكنهم تنبهوا لدى جلسوهم مؤخرا في مقهاهم المفضل، إلى وجود كاميرا بحجم الكف مسلطة عليهم من إحدى زوايا الصالة، لم يروها من قبل.
عندئذ توجسوا خيفة وهمّوا بالمغادرة لو لا أن مدير المقهى عمر الصفّار أقنعهم بان الأمر طبيعي، ولمزيد من الاطمئنان أكد لهم أن جميع المقاهي والمطاعم والمرافق الترفيهية ومواقف السيارات تفعل الشيء نفسه بأمر قوات الجيش المسؤولة عن المنطقة.
هذا الإجراء الذي طبق في المدينة ما عدا أحيائها السكنية، يأتي تنفيذا لقرار أصدرته اللجنة الأمنية العليا في محافظة نينوى قبل أكثر من خمسة أشهر، مفاده إلزام المواطنين نصب كاميرات مراقبة للحد من ظاهرة الابتزاز والأعمال الإرهابية والإجرامية، بحسب عبد الرحيم الشمري العضو السابق في اللجنة.
القرار لم ينفذ سريعا لما واجهه من معارضة مجلس المحافظة، الجهة الرقابية والتشريعية، "فهو يلقي على كاهل المواطن مسؤولية تعدّ في صلب اختصاص الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى"، يقول الشمري.
من جهة أخرى، ماطل الأشخاص المشمولون بالقرار كثيرا قبل أن يجبروا على الانصياع، لأنه فرض عليهم دفع تكاليف شراء منظومة المراقبة وعملية تركيبها بالكامل والبالغة 400 دولار أمريكي كحد أدنى.
وليد هاشم (28 عاما)، يملك مقهى شعبيا صغيرا في منطقة الدواسة المحصنة امنيا وسط الموصل، أكد لـ"نقاش" ان الشرطة أبلغت الجميع بنصب كاميرات خارجية وداخلية، وعندما تهربوا من التنفيذ أقدمت عناصرها على احتجاز بطاقاتهم الشخصية لحين الامتثال للأمر.
ويحمد الله لأنهم قصروا الأمر على محال الشارع الرئيس فقط وأعفوا الفرعية، ويستدرك "خشيتُ أن يسبب وضع كاميرا داخل محلي نفور الزبائن".
لكن سرعان ما زالت مبررات الخوف عند الكثيرين، ومنهم عمر الصفّار الذي نفى أن يكون لوجود الكاميرات في مقهاه تأثيرات سلبية على الإقبال، لان وسائل الإعلام تناولت القضية مرارا حتى أصبح معلوما للناس ماهيتها،مردفا، "بعد وقت قصير ستغدو الكاميرا بالنسبة للشبان كقطعة أثاث لا تلفت انتباههم".
قرار اللجنة الأمنية العليا، ألقى بظلاله على سوق الأجهزة الالكترونية في منطقة "المجموعة الثقافية"، حيث زاد الطلب على الكاميرات عشرات الاضعاف ومعها ارتفعت الاسعار، كما طًـرحت أنواع جديدة، بالرغم من المخاطر الأمنية التي باتت تحيط بتجار الكاميرات.
الانتشار الواسع لمنظومات المراقبة خلال الشهرين الماضيين، انجلى عن مشاكل فنية كثيرة، أبرزها توقف التسجيل فترات طوال بسبب انقطاع التيار الكهربائي باستمرار، وهو خلل كبير لا يمكن تجاهله ويعد الآن التحدي الأكبر أمام نجاح هذه التجربة.
ويضيف لذلك، يحيى التوتنجي تاجر أجهزة الكترونية، رداءة معظم الأنواع المعروضة في السوق لدرجة يصبح معها تمييز الأشياء المصورة غير ممكن.
وأقرب مثال ما حدث مؤخرا من جريمة قـتل في "المجموعة الثقافية". حاول عناصر الأمن يومها التعرف على الجاني أو رقم السيارة التي أقلته بعد ارتكاب الجريمة بالاستعانة بكاميرا المراقبة التي صورة الحادث، لكن عدم وضوحها حال دون ذلك.
وقبل أسبوع فقط سُرق مكتب التوتنجي، فأخذت شرطة الأدلة الجنائية ذاكرة الخزن الخاصة بمنظومة المراقبة في المكتب لكن المفاجأة أنها كانت فارغة تماما.
ربما السارق – يعتقد التوتنجي- هو من أفرغها، "لان أربعة مكاتب تشترك في منظومة واحدة تم وضعها بالممر الخارجي، فالجميع لم يريد وضعها داخل محلاتهم خشية المسلحين، وكبست زر واحدة كفيلة بمحو التسجيلات كلها".
مسؤول القسم المشرف على المشروع في ديوان المحافظة، دافع بقوة عن المشروع وعده خطوة مهمة لجأت إليها الكثير من الدول المتقدمة لتعزيز الأمن وحفظ النظام وردع المجرمين، مستشهدا بعدد من الجرائم ارتكبت مؤخرا في الموصل، استطاعت أجهزة الأمن كشف هوية مرتكبيها عبر منظومات المراقبة هذه.
ويكشف سالم الراوي (اسمه المستعار بحسب طلبه) لـ"نقاش"، عن عدم وجود الية محددة لمتابعة منظومات المراقبة الخاصة او أرشفة الأفلام المصورة، فكل قوة امنية او عسكرية تشرف على الكاميرات الموضوعة ضمن مناطق مسؤوليتها.
ويتابع، "صحيح ان الأجهزة الأمنية لا تأخذ التسجيلات بشكل دوري ومنتظم، وإنما فقط عند وقوع حوادث أمنية او إجرامية، لكن انتشارها يشكل أيضا رادعا للإرهابيين والمجرمين".
قطع الراوي حديثه ليجيب على اتصال هاتفي تطرق خلاله مع الطرف المقابل إلى الموضوع نفسه، إذ كان يسال عن كشوفات بالأنواع وتكاليف شراء ونصب المنظومة الواحدة.. انتهى الاتصال.
وتعليقا على هذه التفاصيل، أكد الموظف المسؤول أن الحكومة المحلية تدرس الآن مقترحا للتعاقد مع شركة أجنبية لم يحدد جنسيتها، لوضع منظومات مراقبة متطورة في الأماكن العامة والتقاطعات المرورية ليكون مكملا للمشروع السابق، ويؤدي وظيفة أمنية – مرورية في الوقت نفسه.
ولدى البحث أكثر عن تفاصيل وخلفيات المقترح، قالت رئيس لجنة الاستثمار في مجلس المحافظة لـ "نقاش"، ان إحدى المشاريع التي طرحت في مؤتمر نينوى الأول للاستثمار، عقد في اسطنبول 2 أيار الجاري، نصب كاميرات مراقبة بالموصل.
وتبين نديمة خدر أن هيئة استثمار نينوى اتفقت مبدئيا مع شركة تركية متخصصة لتتولى تنفيذه كمشروع استثماري بعد إجراء مسح ميداني وتقديم كشوفات تحدد التكليف وطبيعة الخدمات المقدمة، لعرضه على مجلس المحافظة للتصويت.
عودة إلى مشروع "كاميرات المواطن". الحديث عن نجاحه غير سليم بحسب تجار كثيرين ما بقيت تلك المشاكل الفنية الكبيرة. أما الجانب الأهم، فهو كسر حاجز الخوف لدى تجار الكاميرات.
فبعد ان كان الراغبون او المجبرون يبحثون طويلا عمن يبيعهم كاميرات المراقبة ويقدم لهم خدمة نصبها، علقت لافتة وسط مدينة الموصل تتيح لهم كل ذلك، تحمل اسم مكتب وعنوانه ومذيلة بأرقام هواتف للراغبين بالاتصال. لافتات آخر ظهرت في أماكن أخرى بأسماء وعناوين مختلفة.
عن (نقاش)