ليس لدى طارق الهاشمي من يكاتبه.. |
المقاله تحت باب قضايا وحيدا يخوض نائب رئيس الجمهورية اللاجئ حاليا في اقليم كردستان، معركة قد تحسم مصيره السياسي برمّته. معركة ليست فقط مع القضاء أو مع رئيس الحكومة بل أيضا مع أقرب الحلفاء والشركاء. فبعد أن صدرت مذكرة قبض تتهمه بالضلوع بجرائم إرهابية وقيادة فرق موت، ومواجهته اكثر من 150 تهمة في هذا الصدد، تزايدت المؤشرات التي تدل على إن قائمة "العراقية" بزعامة اياد علاوي التي يعتبر الهاشمي أحد أركانها الرئيسيين، قد تتركه وحيدا يواجه مصيره المشؤوم. في الأسابيع القليلة الماضية، انتهج نواب "العراقية" حالة من الصمت المطبق، وهم الذين دعموه بقوة في السابق كي يبقى في منصبه لولاية ثانية. أما الأكراد الذين آووا نائب الرئيس وسعوا للتوصل إلى تسوية مع بغداد، فيستعدون هم أيضا لتفريغ قاربهم من "الحمولة الزائدة". تسريبات وصلت إلى موقع "نقاش" تشير إلى أن تخلي القيادات الكردية عن نائب الرئيس بات وشيكا. وأن "الطرف الكردي تيقّن من صحة الاتهامات الموجهة للهاشمي". مصدر التسريبات الخاصة، وهو سياسي كردي مقرب من رئيس حكومة الإقليم السابق برهم صالح، قال إن لجنة قضائية كردية مكونة من خمسة قضاة زارت بغداد في كانون الثاني (يناير) الماضي للاطلاع على حيثيات الملف. وأضاف أن اللجنة عادت الى الإقليم بحقيقة مفادها أن الاتهامات والقرائن المتعلقة بقضية الهاشمي "حقيقية وقاطعة ولا تقبل الشك"، وهو ما أدى الى تغير موقف الأكراد والتزامهم الصمت مؤخرا. وكان مجلس القضاء الأعلى قد أصدر في 19 كانون الأول (ديسمبر) العام المنصرم، مذكرة إلقاء قبض بحق الهاشمي، أعقبها بعد ذلك توجيه بمنعه من السفر خارج البلاد، بعد عرض وزارة الداخلية اعترافات لأفراد من حمايته الشخصية اقروا فيها بتنفيذ سلسلة عمليات إجرامية استهدفت عناصر أمنية ومسؤولين حكوميين وزواراً للعتبات المقدسة، قالوا بان نائب الرئيس كلفهم بها مقابل مكافآت مالية. المصدر الكردي، كشف إن برهم صالح وبعد أيام قليلة من لجوء الهاشمي الى الإقليم، طلب في اجتماع سياسي اقتصر على قيادات الحزبين الكرديين الحاكمين، "ضرورة عدم التورط" في قضية نائب رئيس الجمهورية، لما قد تحدثه من أثر سلبي على العلاقة مع بغداد. معلومات المصدر، تفسّر تصريح أدلى به قبل أيام رئيس الجمهورية جلال طالباني لصحيفة هاولاتي الكردية بأن "إقليم كردستان تورط في قضية الهاشمي"، إذ إن لجوءه إلى الإقليم تسبب في إرضاء طرف سياسي وإغضاب طرف آخر. وبحسب مراقبين، فإن هذه اللهجة غير معهودة من قبل الطالباني في مقاربة القضية. وفي السياق نفسه، برزت في الآونة الأخيرة تصريحات لمسؤولين ونواب أكراد، يقولون فيها أنهم ليسوا طرفا في هذه القضية التي باتت تؤرقهم وتؤثر على علاقاتهم مع بغداد بصورة أكبر من تأثير الملفات الخلافية العالقة منذ سنوات مع الحكومة الاتحادية. ووصل الأمر بأحد مسؤولي الإقليم إلى حد تشجع السلطات في المركز على إرسال قوة عسكرية لإلقاء القبض على الهاشمي بنفسها. وهو موقف محرج لم يعلق عليه نائب الرئيس أو أي من المقربين له. وقال فائق توفيق وكيل وزارة الداخلية الكردي قبل نحو اسبوع إن وزارته "لن تدافع عن الهاشمي او تحميه". وسبق ذلك كله، مطالبات لكبار الوجهاء والشخصيات في عشيرة رئيس الجمهورية، تدعو الى طرد الهاشمي من مقره المؤقت في احد القصور الرئاسية العائدة للطالباني في منتجع دوكان السياحي في السليمانية - المحافظة الثانية في الإقليم الكردي. هذه المطالبات تتجدد منذ أن بث تلفزيون "العراقية" الرسمي، اعترافات لمرافقي الهاشمي، أقروا فيها باغتيالهم القاضي نجم طالباني، عضو محكمة التمييز الاتحادية وأحد أفراد عشيرة الرئيس. ومنذ نشوبها، ساد اعتقاد لدى أوساط إعلامية، مفاده إن الأكراد هم "الرابح الأكبر" من الأزمة التي تعصف ببغداد، وأن بوسعهم استخدامها ورقة مساومة في مجمل القضايا الخلافية العالقة مع كتلتي "التحالف الوطني" و"العراقية". وبالفعل حصل تقارب كبير مع أعضاء "العراقية" الذي كانوا يصفون الأكراد بالانفصاليين، كما أتاحت الأزمة هامشا كرديا اوسع للضغط باتجاه الحصول على مزايا أكبر من التحالف الشيعي الحاكم. لكن الاكراد على ما يبدو يراجعون حساباتهم، فهم ليسوا مستعدين لتبني قضية "خاسرة من العيار الثقيل"، يقول المصدر. ووفقا لصحافيين أكراد كانوا قد اجروا مقابلات مع الهاشمي في الفترة الأخيرة، فإن هامش الحركة الذي توفر لنائب الرئيس في المنطقة الكردية يضيق تدريجيا، وبات محصورا فقط في اربيل عاصمة الإقليم، بعد معلومات عن تركه لمقره المؤقت في السليمانية. وتشير المعلومات أيضا إلى أن نائب الرئيس بات "منبوذا" في معقل طالباني بعد أن طالبت عشيرة الأخير بتسليمه الى بغداد، وهو ما دفعه الى تغيير مقر إقامته خلسة دون سابق إنذار. الهاشمي الذي لا يزال يحتفظ بمنصبه الرسمي رغم مطاردة السلطات المركزية له، يكابد مشقة السباحة وحيدا في بحر الخلافات السياسية، وهو ما اتضح علنا منذ لحظة نشوب أزمته مع القضاء. فقد تخلى عنه سياسيان مرموقان، كانا يُعتبران لسانه الإعلامي الناطق، وهما كل من السياسي الشاب عبد الإله كاظم المتحدث السابق باسمه، وشاكر كتاب، القيادي في "كتلة تجديد" النيابية وناطقها الرسمي السابق. كما أن رفاقه السابقين في الحزب الإسلامي، لم يصدر منهم أي موقف بشأن الأزمة، عدا بعض الكلام الخجول الذي صدر على فترات متباعدة، والذي يكاد يخلو حتى من التضامن. وفي إطار تأكيد التهم الجنائية المتهم بها نائب رئيس الجمهورية، أشارت تسريبات مقتضبة أوردها لـ"نقاش" مصدر قضائي مطلع على حيثيات القضية، الى أن "شهادة احد زملاء الهاشمي السابقين في الحزب الإسلامي، كانت وراء تثبيت عدد من القضايا الجنائية ضده". ومن ضمن الجرائم المائة والخمسين التي يُتهم الهاشمي بتوجيه أوامر بتنفيذها، محاولة اغتيال عضو جبهة التوافق السنية عمر الهيجل، الذي أعتذر عن عدم الخوض في تفاصيل القضية، مؤكدا انه سمع أمر وقوف الهاشمي وراء محاولة اغتياله من الإعلام. الهيجل الذي يبدو من رفضه التعليق وحديثه المقتضب وكأنه يخفي شيئا ما، قال لـ "نقاش" إن "القضية أكبر وأضخم من مسألة الاعترافات التي تم الإدلاء بها، كما أنني لم أبُلغ رسميا بتفاصيل التحقيقات"، كاشفا عن تعرضه لثلاث محاولات اغتيال قيدت جميعها ضد مجهول. الفريق الذي كان يدافع عن الهاشمي عند بداية هذه الازمة السياسية الحادة يتراجع شيئا فشيئا، بينما يقابل ذلك تصاعد في لهجة الخطاب من الفريق الآخر المقرب من رئيس الحكومة نوري المالكي، حتى وصلت في بعض الأحيان الى مستوى التشكيك بأصول الهاشمي ونسبه العشائري. إذ يروج عدد من الكُتاب والمحللين المقربين من السلطة، في مقالات متواترة ينشروها في مواقع الكترونية وصحف محسوبة على الأحزاب الحاكمة، معلومات وأخبار عن ما قالوا انها "الأصول الشركسية" للهاشمي، وآخرون يشككون بانتمائه الى قبيلة "بني هاشم" ، قبيلة النبي محمد (ص)، ويزعمون انه ينتمي الى أخرى أقل مكانة، وغيرها من الشائعات الجارحة. هذا المنحى الذي انحدرت إليه القضية، لم يرد عليه الهاشمي أو أي من المقربين منه، وهو ما وضعته دوائر المراقبة والتحليل في خانة "التهدئة" التي شرع بانتهاجها فريق نائب الرئيس الذي يوصف بـ"الهارب". فتخلي حلفاء الهاشمي عنه دفعه تغيير لغة "خطاباته المتشنجة" التي دأب على الحديث بها في مؤتمرات ومقابلات صحافية أجريت معه منذ اللحظة التي وطأت فيها قدمه أرض كردستان.
التحول في لهجة الهاشمي الذي شغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية منذ عام 2006، مغاير تماما لما كان يصدر سابقا عنه بحق المالكي، فعلى غير مرة اتهم نائب الرئيس غريمه رئيس الحكومة بـ"التجاوز على الدستور والقوانين النافذة والتعدي المستمر على حقوق الإنسان". ومن أبرز المعطيات الأخرى التي تدل على حدوث تغير في نهج الهاشمي، هو التقليل من ظهوره الإعلامي الذي بات مقتصرا في الآونة الأخيرة، على بيانات صحافية وصفت انها "دفاعية أكثر منها هجومية"، يصدرها مكتبه المؤقت بين الحين والأخر. فضلا عن ذلك، فقد أوفد مبعوثين خاصين للقاء المالكي، حملوا معهم رسالة سرية وشخصية. الهدف المعلن من هذه الخطوة هو "معالجة القضية عن طريق الحوار الهادئ وليس عن طريق التصريحات المتصلبة". الوفد المبعوث اقتصر على أعضاء من كتلته "تجديد" النيابية، ولم يحقق النتيجة المرجوة التي كان يأملها الأخير إذ يشير مصدر من مكتب المالكي بان رئيس الحكومة رد بشكل قاطع على رسالة نائب الرئيس، رافضا أي مخرج سياسي للقضية. المصدر أكد أن الوفد الخاص، قدم مقترح لإنهاء "أزمة الهاشمي" يقضي بتحميل "أفراد حمايته المدانين تبعات الجرائم المرتكبة برمتها وإخراج نائب الرئيس كالشعرة من العجين على أن يغادر المسرح السياسي والبلاد برمتها وهو ما رفضه رئيس الوزراء". ومن خلال تطورات الأحداث، ورفض نواب من كتلة الهاشمي الحديث عن القضية والرد على الأسئلة والاستفسارات والتسريبات التي صدرت بشأنها طيلة الفترة الماضية، تطرح أوساط المراقبين خيارين رئيسين متبقيين أما الشخصية السنيّة الأبرز في العراق. الخيار الأول الذي رجحته التسريبات التي أوردها لـ "نقاش" المصدر حكومي يتمثل بـ"هروب الرجل الى خارج البلاد كما حدث مع غيره الساسة والمسؤولين الذين باتوا مطلوبين للقضاء بتهم مختلفة". وبمغادرته، يحذو الهاشمي حذو وزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان وأعضاء البرلمان السابقين مشعان الجبوري ومحمد الدايني وعبد الناصر الجنابي، ووزير التجارة الأسبق فلاح عبد حسن السوداني، وأمين عام حركة أهل العراق عدنان الدليمي، وأمين عام هيئة علماء المسلمين حارث الضاري. هذا الخيار يعني محاكمة نائب الرئيس غيابيا وفق قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005، وهو أمر وارد جدا سيما انه أعلن في مقابلة صحافية عن إمكانية مغادرته البلاد إذا ما اضطره الأمر لذلك. لكن الى أين سيذهب في حال فراره؟ تبقى الإجابة على هذا السؤال معلقة الى حدوث ذلك فعلا، رغم وجود ترجيحات تشير الى إمكانية لجوئه الى تركيا التي يرتبط مع قادتها بعلاقات وطيدة، أو عودته للاستقرار في الكويت التي كان مقيما فيها ويعمل في قطاع التجارة قبل انخراطه بالعملية السياسية، أو حتى إمكانية استقباله في قطر ليعمل معارضا للنظام الحاكم الذي أسهم هو شخصيا في صناعته وبناء الدولة العراقية الجديدة. أما الخيار الثاني المستبعد أكثر فيتمثل بتسليم نفسه ضمن صفقه سياسية تحمي رأسه وتضحّي بمن معه. استبعاد هذا الخيار يأتي من كونه يتطلب مخاطرة الهاشمي بحياته والمثول أمام محاكم بغداد في تهم تصل عقوبتها إلى الإعدام. |