الاتحاد الاسلامي: نعلم من كان وراء أحداث زاخو |
المقاله تحت باب قضايا نقاش
خلال ليلة وضحاها، اندلعت النيران في عشرات المحلات التجارية والأماكن العامة والمقرات الحزبية. هذه الاحداث غير المتوقعة، جرت في أول يوم جمعة من كانون الأول (ديسمبر) عندما هاجمت مجموعة من الأهالي محلات لبيع المشروبات الكحولية وفنادق سياحية ومركز للتدليك (المساج) في مدينة زاخو بمحافظة دهوك.
بعد ذلك بأربع ساعات فقط، وقعت سلسلة من الهجمات على أربع من مقرات الاتحاد الاسلامي الكردستاني في المنطقة وإحراقها بالكامل. لم تقف الاحداث عند هذا الحد، إذ قامت السلطات المحلية باعتقال العشرات من كوادر الاتحاد الاسلامي الكرستاني ما أدى الى تصعيد التوتر في العلاقات مابين الاتحاد والحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق، بعد ان تبادل الطرفان الاتهامات. لمعرفة تفاصيل الأحداث في أقصى شمال الإقليم على حدود تركيا، أجرت "نقاش" مقابلة خاصة مع المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الإسلامي، الدكتور صلاح الدين بابكر. يسرد بابكر بداية الاحداث لـ"نقاش": يوم 2 كانون الاول، خلال خطبة صلاة الجمعة "قام أحد الخطباء التابعين للحزب الديمقراطي الكردستاني بتشجيع الناس على إحراق مركز للتدليك ومحلات تجارية"، وبعد الانتهاء من الصلاة "بدأ الناس بالتجمع ليزداد عددهم تدريجيا الى حين الساعة الرابعة عصرا ليشنّوا الهجوم على محل التدليك وعدد من محلات بيع المشروبات الكحولية والفنادق السياحية وإحراقها". ولأن الهجمات استهدفت أماكن يستفز وجودها عادةً الإسلاميين، أشير بأصابع الاتهام إلى الاتحاد الإسلامي، الحزب الذي يحظى بـ 6 مقاعد من أصل 111 مقعدا في البرلمان الكردستاني، لكن الاتحاد ينفي تورطه في تلك الأحداث بالكامل. حسب شهود عيان، بدأت الهجمات في الساعة الرابعة واستمرت الى السادسة عصرا. وهنا يتساءل صلاح الدين بابكر "لماذا وقفت قوات الأمن والشرطة مكتوفة الأيدي حيال تلك الهجمات؟ عندما تم حرق المحل الاول، لماذا لم يقوموا بمنع الناس من إحراق بقية المحلات؟". "قوات الأمن لم تتدخل باي شكل من الأشكال لتفريق التجمع الذي استمر لأكثر من ساعتين قبل البدء بإحراق الأماكن العامة" يضيف بابكر، وحتى عند الإحراق "لم يحولوا دون وقوع المزيد من تلك الأعمال، وهنا يكمن السؤال". وبخصوص خطيب الجامع الذي شجع المصلين، قال الناطق "الجميع يعلمون أنه تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني وأنه كان مدير الأوقاف وشؤون الأديان مابين 2005 -2008 في مدينة زاخو". حسب تصريحات بابكر، قبل يومين من تلك الأحداث، كان الاتحاد الإسلامي منشغلا بعقد اجتماعات مكثفة حول طلب الحزبين الحاكمين في كردستان (الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني) مشاركته لهما السلطة والتشكيلة الوزارية، كما أن الحزبين كانا في صدد تنظيم اجتماع لقوى المعارضة في الإقليم (حركة التغيير، الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية) والتي كان من المقرر عقدها بعد يومين من وقوع الأحداث لنفس السبب، لكن الأزمة أدت إلى تأجيل الاجتماع المزمع والذي كان يهدف الى دراسة خطة إصلاح عامة وكيفية تطبيقها في إقليم كردستان. بعد إحراق الأماكن العامة في مدينة زاخو على مقربة من الحدود مع تركيا، والتي انتهت في حدود الساعة السادسة عصرا، تواردت أنباء عن هجمات على مقرات حزب الاتحاد الاسلامي في المنطقة، وصرح الناطق الرسمي للحزب بأن "مجموعة من الأشخاص تخطط للهجوم على مقرات الحزب وعليه فقد قمنا بإعلام الجهات الأمنية والحزبية في المدينة". وبعد مرور أربع ساعات على ذلك الإعلام، هجمت مجموعة مدنية وأشخاص مسلحون على مقر الحزب في المدينة واضرموا النار فيه. ويقول صلاح الدين بابكر "بالرغم من أننا ابلغنا الجهات الحزبية والحكومية في المدينة قبل أربع ساعات من حدوثه، لكنهم لم يكترثوا ولم يأت أحد لنجدتنا وسمحوا بإحراق المقر". وأوضح بابكر أن هؤلاء الأشخاص "قاموا بإحراق المقر بأعصاب باردة دون أية مخاوف من الجهات الأمنية". وأكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد "لدينا أسماء الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل ونحن على علم إلى أي جهة سياسية ينتمون. سوف نعلن عنها في الوقت المناسب". من جهتهم، لم يخف المسؤولون الكبار في الحزب الديمقراطي الكردستاني احتمالية وجود كوادرهم بين الجموع التي أضرمت النيران في المقرات الحزبية، لكنهم أشاروا في تصريحاتهم الصحفية إلى أن إحراقها كان "ردة فعل" طبيعية على إحراق المحلات والأماكن العامة ولم تكن بأوامر من أية جهة سياسية. لم تقف "ردود الافعال" عند هذا الحد، حيث تم إحراق ثلات مقرات أخرى للاتحاد الاسلامي في كل من مدن دهوك وسميل وقسري مابين الساعة العاشرة ليلا وإلى الرابعة فجرا. يقول بابكر "كانت لدينا معلومات عن إحراق هذه المقرات الاخرى أيضا وقمنا بإبلاغ المسؤولين في الحزب الحاكم (الحزب الديمقراطي الكردستاني) والمسؤولين الحكوميين في المنطقة، لكن وبنفس الشكل لم يأت أحد لنجدتنا وأحرقت مقراتنا على مرأى قوات الشرطة والأمن". وبخصوص عدم وجود أي تدخل لأي حزب أو جهة سياسية في إحراق المقرات وأنها كانت مجرد ردود افعال، قال الناطق الرسمي للاتحاد الاسلامي "كانت الأحداث وحالة عدم الاستقرار في زاخوا فقط، ولم تحدث أية فوضى في دهوك وسميل وقسري، فلماذا احرقت مقراتنا في تلك المدن ايضا؟". وأضاف "بعد إحراق المقرات في زاخو، لوحظ استمرار بث تلفزيون اتحادنا لحد الساعة 12 بعد منتصف الليل. لهذا احضروا رافعات كبيرة وحطموا ابراج البث. ويتساءل هنا مجددا "هل إن إحضار رافعات كبيرة في الساعة 12 بعد منتصف الليل لتحطيم برج بث التلفزيون رد فعل مواطنين مدنيين؟ وان كان كذلك، أين كانت قوات الأمن حينها؟". الأزمة لم تقف هنا، بل استمرت للأيام التالية حين جرى اعتقال العشرات من كوادر الاتحاد الاسلامي الكردستاني من قبل الجهات الامنية (الحزب الديمقراطي الكردستاني) في المنطقة، مازال 16 منهم قيد الاحتجاز لحد الآن، من بينهم أربعة صحفيين. يقول صلاح الدين بابكر "في الوقت الذي اعتقل فيه العشرات من كوادرنا الأبرياء، لم تعتقل السلطات أي من كوادر الحزب الحاكم، حتى الذين قاموا بهجمات على المحلات والاماكن العامة والذين احرقوا مقراتنا مازالوا طلقاء".ويردف "حتى خطيب الجامع الذي قام بتحريض الناس على هذه الأحداث في خطبته لم يعتقل ولم يتم التحقيق معه". وبخصوص إمكانية اشتراك كوادر حزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني في حرق المحلات والأماكن العامة، يقول بابكر "ليس لنا اية صلة لا من قريب ولا من بعيد بهذا الموضوع، في الحقيقة لقد كان جميع كوادر الاتحاد في ذلك اليوم خارج مدينة زاخو يشاركون في حفل بمناسبة رأس السنة الهجرية". وأضاف "ادبيات الحزب بعيدة جدا عن هذه الأعمال.. يعرف الجميع منذ أول بيان لحزبنا في 1994 اننا أعلنا استراتيجياتنا.. طيلة 18 عاما من العمل لم نقم باي فعل يصب في وقوع أعمال عنف أو فوضى". ليست هذه المرة الاولى التي يواجه فيها الاتحاد الاسلامي الكردستاني احداثا مماثلة في مدينة دهوك ومنطقة بادينان بشكل عام، حيث تعرضت مقراتهم للحرق سنة 2005. وقتئذ، اضافة الى الأضرار المادية، وقعت بين كوادر الاتحاد إصابات جسدية وقتل وجرح عدد من كوادر الحزب الكبار عدا عن اعتقال العشرات منهم. ويؤكد بابكر بأن المسؤولية، سواء في الأحداث الماضية أو الحالية، تقع على عاتق السلطة، أي على عاتق الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يحكم المنطقة. ولكن، لماذا يحرق الحزب الحاكم مقرات الاتحاد الاسلامي الكردستاني دون غيرها من مقرات الأحزاب المعارضة في تلك المنطقة؟ يجيب بابكر بأن "هناك حزبان لهما نفوذ في محافظة دهوك، أولهما الحزب الديمقراطي والثاني هو الاتحاد الإسلامي"، موضحا أن نتائج الانتخابات الأخيرة أكدت أن "أصوات الاتحاد الإسلامي في تزايد مستمر". وحول مخاوف الحزب الديمقراطي الكردستاني من ازدياد شعبية الاتحاد الاسلامي في معقل البارزانيين وأن تكون هذه المخاوف وراء الاحداث والاتهامات، قال الناطق باسم الاتحاد "هذه هي احدى الاحتمالات"، كما أن هناك سيناريوهات اخرى يشير إليها إعلاميون ومحللون سياسيون، أهمها أن "الحزب الديمقراطي يواجه مشاكل داخلية بين كبار المسؤولين وان هذه الاحداث وقعت بسبب الصراعات الداخلية" كما اشارت اليه صحيفة هاولاتي واسعة الانتشار في الاقليم. ويعلق بابكر "لأن الأحداث كانت مفاجئة للجميع، خصوصا لنا، يذهب المتابعون في تحليلاتهم إلى سيناريوهات مختلفة". وفي نهاية حديثه لـ"نقاش"، قال الناطق باسم الاتحاد الإسلامي الكردستاني "مهما كانت الاحتمالات والسيناريوهات، فان الاتحاد الإسلامي ضحية في هذه الأزمة، لأنه يواجه تهمة هو بعيد عنها كل البعد" |