البيع (على المخطط): كردستان تجلس على فقاعة عقارية آيلة للانفجار |
المقاله تحت باب قضايا نقاش
يتمتع السكان المحليون في كردستان العراق بالطفرة العقارية التي يشهدها الإقليم منذ أعوام بعد الانفتاح الكبير على المستثمرين الدوليين مقارنة بأجزاء أخرى من البلاد.
الطلب على العقارات بات يفوق العرض، وفسح المجال للشراء "على المخطط" أي الشراء قبل أن يتم تشييد البناء، ومن شأن فقاعة الإسكان تلك إذا ما انفجرت أن تولّد عواقب اقتصادية وسياسية خطيرة. فشراء العقار "على المخطط" لمشاريع تطويرية كبيرة أصبح من أحدث الاتجاهات في سوق العقار، حيث زاد الطلب كثيرا على تلك المشاريع، ومن الممكن بيع العقار بشكل فوري حتى قبل اكتمال بناءه ، ويحقق المستثمرون في معظم الأحوال أرباحا تفوق الـ 40 في المئة من قيمة العقار. لماذا هذه الفقاعة وكيف حصلت؟ يتمتع الإقليم باستقلال إداري عن الحكومة المركزية في بغداد سمح بإيجاد تشريعات استثمارية جديدة مثلما سمح الاستقرار الأمني في الإقليم بازدهار المشاريع الاستثمارية. فمنذ سقوط نظام صدام حسين بعد غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 ، تسارع نمو الإقتصاد في الإقليم بشكل كبير لا سيما في السنوات الأربع الماضية. ولعب ارتفاع عائدات النفط والأموال التي ضخت في جهود إعادة الإعمار والقوانين الضريبية المتساهلة دورا كبيرا. وتمكنت حكومة الإقليم في السنوات الماضية من الحفاظ على مواردها المالية بشكل جيد سيما وأن إقليم كردستان العراق يتلقى 17 في المئة من ميزانية العراق كما ان أسعار النفط ارتفعت وحافظت على سعر يتجاوز 80 دولارا أمريكيا للبرميل الواحد لمدة عام كامل تقريبا. ومثلما هو الحال في بقية أنحاء العراق، فإن الحكومة هي الطرف الرئيس الذي يدير العمل في الإقليم، فالقطاع الخاص يشكل نسبة ضئيلة من الاقتصاد، رغم أن ظهور شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية وشركات المقاولات الكبيرة حرًك آمالا بزيادة العمالة في القطاع الخاص، وكذلك الأمر بالنسبة للقطاع المصرفي الذي من المُرًجح أن يكون القطاع الأسرع نموا في العراق في المستقبل القريب. ورغم أن أموال النفط يتم توزيعها من خلال دفع أجور مبالغ بها، لكن فرص الناس للقيام بأي نوع من الإستثمار ما زالت ضئيلة أو معدومة، إذ لا توجد حتى اليوم ثقة كاملة بالبنوك، وما زالت الطريق طويلة أمام نمو سوق الأسهم المحلية. أما البورصة العراقية فما زالت تحاول اقناع السكان المحليين بالإستثمار في سوق الأسهم ولكن التقدم في هذا المجال يسير بشكل ضئيل بسبب النقص في معارف السكان حول كيفية عمل هذا السوق، وجميع هذه الأسباب جذبت المستثمرين في كردستان الى سوق العقار دون غيره من القطاعات الأخرى. ويصعب العثور على بيانات دقيقة عن أسعار العقارات في الإقليم، فالعراق كدولة لا ينشر مؤشر أسعار المنازل لكن الأرقام المتاحة تشير إلى أن أسعارها تضاعفت أربع مرات، فيما ارتفعت اسعار اخرى الى عشرة أضعاف ما كانت عليه قبل التغيير. ومع ذلك، فإن السمة المميزة لفقاعة الإسكان تصبح واضحة بإلقاء نظرة إلى كتيب إحدى الوكالات العقارية في أربيل والسليمانية، وهما أكبر مدينتين في الإقليم. في السنوات التي سبقت دخول القوات الاميركية الى العراق في نيسان (ابريل) 2003 كانت أسعار العقارات في الإقليم أقل من قيمتها الفعلية، لكن ومنذ سقوط نظام صدام حسين حتى اليوم، ارتفعت بشكل كبير. وفي حين تقوم حكومة إقليم كردستان بالاستثمار بكثافة في العقارات التجارية إلا أن من الواضح أن الطلب العام هو الذي يقود سوق المنازل السكنية. ويبدو أن سوق العقارات "على المخطط"، أي شراء العقار قبل أن يتم تشييده، هو واحد من اشكال الجنون الاستثماري الجديد في كردستان. فارتفاع الطلب في هذا القطاع وغياب وسائل حماية المستهلك يعني أن احتمالات سوء التصرف والغش قد تتزايد أيضا. الأوقات السعيدة لن تستمر للأبد سوق إيجار الشقق ارتفع هو الآخر بشكل غير منطقي، ووصل عائد الإيجار (أي مبلغ تأجير الممتلكات في السنة كنسبة مئوية من سعر العقار) في مدينة السليمانية المزدحمة سكانيا ما بين 6 إلى 17 في المئة. وعلى سبيل المقارنة لا الحصر فإن متوسط أجرة المنزل في ألمانيا يعادل 4 في المئة من سعر العقار، وفي الولايات المتحدة يبلغ حوالي 5 في المئة وفي مصر 7 في المئة. هذا العائد المرتفع للإيجار في كردستان العراق في سوق العقارات التجارية جعلها ذات جاذبية خاصة للمستثمرين الذين هرعوا إلى جني الأرباح من هذا القطاع. من جهة أخرى، جعل ارتفاع الأسعار من امتلاك الشباب للمنازل أمرا صعب التحقق، وهو ما دفع الحكومة الى التحرك لمعالجة هذه القضية من خلال طرح خطط مالية لتمكين الشباب من صعود سلم تملك العقارات، من بينها منح موظفي الحكومة قروض من دون فائدة. وتقدم الدولة 30 في المئة من تمويل مشروع التمليك "على المخطط"، اعتمادا على عمر المستفيدين والذين يتوجب ان يكونوا من المقيمين في كردستان العراق، وهم غير مطالبين بدفع الفوائد لمدة 20 عاما تقريبا. وقد اثبتت هذه السياسة شعبيتها على الرغم من أنها ليست سياسة عادلة تماما كما انها تستهدف بشكل خاص موظفي القطاع العام دون غيرهم. المبادرة الحكومية ورغم اسهامها في تمليك الشباب للعقارات إلا أنها ستتسبب هي الأخرى في ارتفاع أسعار المساكن إلى حين تمكن السوق من مجاراة الطلب وبناء المزيد منها. فغالبية المشترين هم من الذين يستطيعون الدفع نقدا، لكن أسعار العقارات ستصل إلى مستويات مرتفعة بحيث يصبح القادمون الجدد إلى السوق غير قادرين على الشراء الفوري مما يتطلب اللجوء الى سوق الرهن العقاري الذي ما زال ضعيفا لحد الآن. ارتفاع أسعار العقارات قد يفضي بالنتيجة إلى إيجاد سوق رهن عقاري في الإقليم، وهو سيكون عاملا مساعدا على وجود قطاع مصرفي متعدد الجنسيات في كردستان العراق رغم أنه سوق مبالغ في أسعاره وقد يتسبب في إحجام البنوك عن تقديم القروض في الكثير من الحالات. الإقبال على الاستثمارات في العقارات والأراضي قد لا يتضاءل في المرحلة المقبلة في ظل سياسة البيع "على المخطط" وارتفاع الطلب عليه، لكن هذا لا يعني أن الأوقات الجيدة سوف تستمر إلى الأبد. الانفجار قادم فإذا سألت وكلاء العقارات في السليمانية فسرعان ما ستدرك بأن الطلب على استئجار العقارات التجارية في أماكن أخرى غير وسط المدينة بدأ يتضاءل بالفعل وأن مالكيها لجؤوا إلى تخفيص أسعار الإيجار. دراسة سوق العقارات في كردستان ستكشف عن استخدام الكثير من المستثمرين للحجج ذاتها التي كانت متداولة في الولايات المتحدة وبريطانيا قبل عام 2008 عندما انفجرت فقاعة العقارات هناك. فهم يرددون عبارات توحي بأن الاقتصاد في الإقليم بات متينا وهو مستمر في النمو بنفس الوتيرة بشكل أو بآخر وأن الطلب على العقارات يفوق العرض. انفجار فقاعة العقارات المتضخمة حاليا في كردستان العراق، يمكن أن يكون له تأثير ضار على المنطقة، وبالنسبة لكثيرين من الناس فإن الإستثمار في العقارات هو الخيار الوحيد وأي محاولة لتصحيح السوق سيوجه لهم ضربة شديدة. فالأثر الاقتصادي لتراجع سوق العقارات له عواقب وخيمة بالنسبة لإقتصاد كردستان العراق الهش، سيما وان المعاملات العقارية هي واحدة من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية في الإقليم وسيكون تراجع أسعار العقارات مرتبطا مباشرة بتراجع ثقة المستهلك، فضلا عن ركود الأعمال في المنطقة. وفي معظم الدول، حينما يتعثر الاقتصاد يقع اللوم على الحكومة، وكردستان ليست استثناء من ذلك، فالتوتر قائم سلفا بين الفصائل السياسية المختلفة وكذلك بين الحكومة والجمهور الذي خرج إلى الشارع احتجاجا على الفساد. فإذا ما أضيف إلى ذلك عدم الاستقرار الاقتصادي عندما يرى السكان المحليون انخفاض أسعار استثماراتهم الثمينة وانهيارها بشكل دراماتيكي وفي فترة قصيرة من الزمن، فإن ذلك من شأنه أن يفاقم الاضطرابات. المطلوب تدخل الحكومة إلى اليوم، لا يبدو أن صانعي القرار والساسة في كردستان العراق قد أدركوا خطورة فقاعة الإسكان التي يجلس عليها الإقليم وعواقبها إذا ما انفجرت في نهاية المطاف، فلا توجد سياسات حقيقية في كردستان العراق للسيطرة على سوق العقارات ويبدو أن السياسيين المحليين في الوقت الراهن مسرورين بشعور الجمهور بالثراء وهم يرون قيمة ممتلكاتهم آخذة في الارتفاع، كما أن وزارة المالية في الإقليم تشعر بالارتياح نتيجة الاستفادة من الرسوم المدفوعة عن الصفقات العقارية. تدخل الحكومة في أسواق العقارات ليس بالأمر السهل، ولكن ترك السوق العقارية المحلية بدون تنظيم قد يكون له عواقب خطيرة. وينبغي على حكومة إقليم كردستان إتخاذ خطوات جدية لتشديد اللوائح المتعلقة بالشراء على المخطط من أجل تقليل احتمال التلاعبات غير القانونية من قبل المستثمرين العقاريين. وهناك حالات كثيرة في مختلف أنحاء العالم لم يتمكن فيها المستثمرون العقاريون من استكمال المشاريع، أو بيعت فيها الممتلكات بطرق احتيالية على المخطط، ومن ثم فرً المستثمرون بالأموال إلى خارج البلاد. ورغم عدم وقوع مثل هذه الحالات في كردستان العراق لكن احتمال وقوعها كبير. وتشمل الاجراءات التي يمكن للحكومة وضعها الطلَب من المستمرين الذين يبيعون على المخطط الحفاظ على حسابات ضمان أو حسابات أصول ضامنة لحماية المستهلكين في حالة أي تقصير من قبل المستثمر العقاري، كما يمكن لها استحداث ضرائب جديدة للمساهمة في خفض أسعار العقارات المتضخمة، فإذا ما وصل السوق المحلي ذروته يكون استيعاب الهبوط لجميع المعنيين أكثر سهولة. |