هدية حسين: لا أختار مصائر أبطالي إنما أترك لهم حرية النمو |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات تولي الروائية والقاصة العراقية هدية حسين انتباهاً شديداً الى تقديم صور متنوعة عن المرأة في أعمالها الأدبية، كنماذج تشتغل عليها حسين روائياً وتفسح لها في المجال لقول معاناتها على الأصعدة كافة، خصوصاً في جزئية الحرب التي تعاني فيها المرأة بحسب الكاتبة، لأكثر مما يعانيه غيرها، كما يتبّدى ذلك في احدث رواياتها «نساء العتبات».هدى حسين التي تعيش في الأردن حالياً ترى في الأدب العراقي أن المنافي والشتات منحته حرية البوح نظراً لاختفاء التابوهات والخطوط الحمر، وأسهمت بنظرة تفاؤلية في أقلام عراقية جديدة تبشّر وتعد بالإبداع الحق. لم اخترت لأمل أن لا تكون قادرة على القيام باختيارات إيجابية؟
- أنا لا أختار مصائر أبطالي، عندما أكتب أترك لهم حرية النمو والتجوال، قد أتقاطع مع هذه الشخصية وأختلف، وأتفق مع تلك فأمنحها بعض ذاتي.. شخصياتي تنمو على الورق ببطء وتأخذ ملامحها وخياراتها ببطء أيضاً، أسير معها على الشوك أحياناً، أنصاع لرغباتها، ثم، في الكتابة الثانية للرواية يأتي دوري الحقيقي فأشذب ما علق، أحذف وأضيف، وقد ألغي بعض الشخصيات التي تتمرد علي بما لا يخدم النص.. بالنسبة لأمل كانت منذ صغرها متمردة وخيالية تبحث عن حياة لا تجدها في عالم نساء العتبات اللواتي يندبن سوء طالعهن، هكذا شخصية تعيش واقعاً لا يمكنها تغييره، من الطبيعي أن تهرب للأحلام والخيالات لامتصاص البؤس الذي تعيشه.. أنا لست واعظة لأمنحها خيارات إيجابية، لو فعلت ذلك لأصبحت الرواية أفقية ليس فيها ما يشد القارئ. في بعض المواقف يميل القارئ، للتعاطف مع الأم التي ظلت متمسكة بمبادئها حتى النهاية، رغم أن أمل هي البنت الشابة التي ينبغي أن تحمل على عاتقها هاجس التغيير. هل هذا يعني وجود نوع من اليأس من قدرة الشباب على القيام بفعل مؤثر؟
- في الحياة ليست ثمة فئة عمرية محددة هي التي يقع عليها فعل التغيير، لماذا نفترض أن الشباب وحدهم قادرون على ذلك؟ الا يحتاج الأمر الى حكمة الشيوخ؟ أما في الفعل الروائي فأنا لست سياسية لأصدر البيانات وأضع الخطط وأحمل لافتات من أجل التغيير، أنا كاتبة أبحث عن القيم الجمالية التي تتوارى خلف القبح، أثير الأسئلة ولست معنية بالإجابات. حربان شرستان تنتهي حياة بطلتك وحياة نساء العتبات الى مصير قاتم، وهذا المصير يبدو انعكاساً للأحوال المأسوية التي يعيشها العراق، لكن أليس ثمة نور ضئيل ينبغي على الكاتبة أن تفسح الطريق له للظهور؟
- الفترة الزمنية التي تتناولها الرواية ليس فيها ثمة ضوء، ومع ذلك حملت (جمّار) الشخصية المرافقة للبطلة، فانوسها وسط هذا الظلام، وبرغم بساطتها فقد كانت لها نظرتها الثاقبة للأمور، وعندما اخترت لهذه المرأة اسم جمّار، لم أكن أقصد أول الأمر ما يعنيه الاسم سوى أنه متداول في جنوب العراق، لكن اسم هذه المرأة صار(في الرواية) رمزاً لما تعنيه حياتها والأحداث التي مرت بها الشخصيات، فالجمّار لمن لا يعرف المعنى هو لب النخيل الذي أكلناه في الصغر وطعمه لذيذ جداً.. والنخلة ترمز للعراق لأنه بلد النخيل. تظهر مدينة عمّان بقوة في الرواية، هل إقامتك في الأردن لسنوات ساعدتك على الكتابة؟ وما تأثير انتقالك الى كندا على فعل الكتابة؟ بمعنى أن المبدع حين يكون قريباً مكانياً من رحم المعاناة التي يكتب عنها، هل ثمة فرق في معالجة الوجع إبداعياً عقب البعد المكاني؟ - أحد عشر عاماً قضيتها في عمّان، المدينة التي أحببتها جداً ومنحتني الأمان والأصدقاء الرائعين، رواياتي الست، وأربع مجموعات قصصية، وكتاب في النقد، وآخر لم يصدر بعد، كلها كتبتها في عمّان، ولو لم تكن عمًان سخية بمحبتها لي لما كتبت كل هذا النتاج.. أما عن كندا فلا يزال المكان جديداً علي برغم مرور عشرة أشهر، غير أنني أدرك أنه مع الوقت ستكون لي القدرة على استيعاب المستجدات المكانية، أعرف أنني من النوع الذي يتكيف ويخلق ظروفه الخاصة، أما عن قرب وبعد المكان عن المعاناة فإن المسافات لا تلغي إحساسي بمعاناة شعبي، عشت حربين شرستين وأعرف كيف أستثمر التجربة، الوطن ليس مكاناً جغرافياً فقط، إنه الذاكرة التي نحملها أينما ذهبنا، وهو كل ما نحن عليه من صفات اكتسبناها من أرضه وسمائه وتجاربه، ولهذا ترين أن رواياتي الست كانت عن العراق والحروب التي مرت عليه وأثرت على حياة أبنائه. بين جريمتين بين زمن إصدارك رواية (نساء العتبات) ومجموعتك القصصية (حبيبي كوديا) لا يوجد وقت طويل، ما سبب هذا الحنين للقصة القصيرة، خاصة أن المتابع لنتاجك الأدبي يلاحظ أن لديك ست روايات في مقابل ست مجموعات قصصية؟
- قلت في حوار سابق إن القصة تسير جنباً الى جنب مع الرواية، وليس بي حنين الى القصة لأنني لم أهجرها، بل ربما أهجر الرواية وأبقى في ميناء القصة، في الرواية قد أكتب شيئاً ما عن نفسي وأنثره بين صفحاتها الكثيرة، أما في القصة فأشعر بأنها تمثلني بدرجة أكبر وتأخذ الكثير من ملامحي، الرواية تسبب لي قلقاً وحالة نفسية يصعب الخروج منها الا بعد وقت طويل من كتابتها، والقصة تمنحني ومضة سعادة أنا باشد الحاجة إليها. ما حكاية روايتك (مطر الله) التي سمعنا أنه تمت مصادرتها لكننا لم نعرف أية تفاصيل أخرى؟ ^ الخبر الموجود منذ سنوات على أحد المواقع بأن الرواية صودرت ومُنعت خبر عار عن الصحة.. كل ما هنالك أن أحد الصحافيين أراد لسبب ما أن يثير زوبعة ضدي شخصياً فكتب موضوعاً ونشره في الموقع ذاته مدعياً أن الرواية فيها مساس بالذات الإلهية، ثم أخذ جملاً وأخرجها من سياقها العام وغيّر المعنى، فحرّض عليّ المتطرفين الذين لا يقرأون وانهالت التهديدات والشتائم والكلام القبيح بشكل لا يمكن تصوره، من ناحيتي التزمت الصمت إزاء ذلك حتى انتهت تلك الزوبعة.. لكن الخبر الملفق لا يزال موجوداً للأسف.. الرواية لا تقترب من المحظور الديني وليس لها علاقة إلا بالصراعات والحروب التي ابتلي بها العراق. صدر عنك كتاب بعنوان (هدية حسين في خمس روايات) وقد جمعت فيه المقالات والدراسات التي كُتبت عن رواياتك، حدثيني عن هذا الكتاب؟ - من آن لآخر أضطر لتصوير ما كتب عني في الرواية تحديداً لبعض الباحثين وطلاب الدراسات العليا، وقد تجمعت لديّ مواد كثيرة من الورق فرأيت أن الأجدى أن تكون في كتاب لتسهيل المهمة، كما أردت أن أجمع في هذا الكتاب النقاد الذين أضاءوا تجربتي الروائية لأقدم الشكر لهم.. علماً أن الكثير من الدراسات لم يصلني لأنني كنت بعيدة لفترة طويلة عن الانترنت والتواصل. * هل هناك نص إبداعي جديد تُعدين له؟ - انتهيت قبل أيام من كتابة رواية جديدة آمل أن تكون ضمن إصدارات العام القادم. عن ماذا تتحدث الرواية؟ - أنا لمّا أزل في تربة العراق مغروسة، مثل نخلة تتجذر في أعماقه، هذه المرة كتبت عن الخوف الذي صار جزءاً من الشخصية العراقية في تسعينيات القرن الماضي بعد أن زرعوه في النفوس على مدى عقود، ماذا يفعل الخوف بنا حين يتلبسنا، كيف نضل الطريق وتتغير مصائرنا، ما هو الثمن الذي ندفعه بعد أن يمتص الخوف نضارة أعمارنا؟ الرواية تبدأ بجريمة قتل وتنتهي بجريمة قتل، وبين الجريمتين تمتد جبال من الخوف. |