المقاله تحت باب في السياسة في
09/08/2007 06:00 AM GMT
تتصاعد المخاطر المحدقة بالعراق بشكل متسارع في ظل الأزمة الأمنية والسياسة المستحكمة التي بدأت تعصف بحكومة السيد نوري المالكي من كل الجهات، فالكتلة الصدرية سحبت وزرائها الستة من الحكومة ، ثم تبعتها كتلة الحوار السنية بسحب وزرائها الستة قبل يومين ، واليوم التحق بالمنسحبين وزراء الكتلة العراقية الخمسة بزعامة الدكتور أياد علاوي من الحكومة هي الأخرى، وبذلك أصبحت حكومة السيد نوري المالكي في مهب الريح آهلة للسقوط في أية لحظة، وهي من الناحية الدستورية تعتبر بحكم المستقيلة إذا استقال ثلث أعضائها.
إن الأزمة العراقية الراهنة قد وصلت إلى الحد الذي لا ينفع معها ترقيع الحكومة الحاضرة، وإن عوامل فشلها كامن في تركيبتها التي جمعت النقيض ونقيضه من القوى الطائفية الشيعية والسنية المتصارعة، والقوى القومية التي تخلت في واقع الحال عن عراقيتها، وأصبح همها الوحيد كيف تبني دولتها الكردية على أشلاء العراق الذي بات كسفينة في بحر متلاطم الأمواج على وشك الغرق، وكل فريق في هذه الحكومة قد تجرد من وطنيته العراقية، ولم يعد يفكر إلا في الحصول على ما يستطيع من الغنائم قبل غرق السفينة.
ومما عمق وعقد الأزمة العراقية الراهنة هو التدخل الإقليمي الذي بات مكشوفاً لا يخفى على أحد، فحكام إيران وأجندتهم وأدواتهم المعروفة من جهة، وحكام السعودية وأجندتهم وأدواتهم من جهة ثانية، وحكام سوريا وأجندتهم وأدواتهم من جهة ثالثة، وحكام تركيا وأجندتهم وأدواتهم من جهة رابعة، ناهيك عن الدور الأمريكي وقوات الاحتلال الممسكة بمقدرات العراق، وكل الجهات تنفذ أجندتها بقوة السلاح، ميليشيات طائفية تغدق عليها دول الجوار كل ما يلزمها من أسلحة وأموال، وجيوش نظامية للولايات المتحدة وحلفائها فيما يدعى بقوت التحالف، ولكل من هذه الأطراف دور ونصيب فيما يجري في البلاد من قتل وتخريب وتدمير لم يعرف له الشعب العراقي مثيلاً من قبل.
إن الوضع الأمني المتدهور جراء النشاط الإرهابي لقوى الفاشية والطائفية الظلامية بشقيها الشيعي والسني، والذي يعصف بالبلاد ويزهق أرواح المواطنين بالجملة كل يوم، والفساد المستشري في جهاز الدولة من القمة حتى القاعدة، والفقر والبطالة وتردي الحالة المعيشية للشعب، والوباء الذي يتمثل بالمليشيات المختلفة التي تعيث بالبلاد حيث الاغتيالات والاعتقالات والتعذيب والسجون خارج السلطة والقانون، وقوات الشرطة والجيش والأجهزة الأمنية الأخرى المخترقة من قبل عناصر هذه المليشيات ، والتي باتت لا تمثل السلطة الرسمية بقدر ما تمثل الأحزاب المنتمية لها، وقوات الاحتلال الأنكلو أمريكية المهيمنة على مقدرات العراق، والتي تخطط لحكم العراق إلى أمد طويل من وراء الستار، كل هذه الأمور أدخلت العراق وشعبه في مأزق خطير ينذر بكارثة كبرى باتت تهدد وبشكل جدي مصير ومستقبل العراق وشعبه . إن الطائفية التي مهد لها الدكتاتور صدام حسين بحملته الإيمانية المزيفة ، والتي اعتمدها الحاكم الأمريكي بريمر في تشكيله مجلس الحكم ، وتشكيل الحكومة المؤقتة فيما بعد، والانتخابات السابقة واللاحقة كلها تمثل عاملاً حاسماً ترسيخ جذورها وتعميق مخاطرها على مستقبل العراق . كما أن التعصب القومي الشوفيني، والكراهية أخذت بالتصاعد بوتائر متسارعة بين مكونات الشعب العراقي بحيث غدا المواطن السني يكره الشيعي، والشيعي يكره السني، والكردي يكره العربي والعربي يكره الكردي، والتركماني يكره الكردي والكردي يكره التركماني ، دعك عن القلق الشديد الذي ينتاب الأخوة من الطوائف الأخرى من المسيحيين والصابئة والأيزيدية جراء تنامي الكراهية الدينية والطائفية البغيضة والشوفينية القومية المتعصبة والخطيرة، ومحاولات البعض فرض أجندتهم المتخلفة على الآخرين بالقوة والترهيب، بل لقد تجاوزت ذلك إلى حد الاغتيال ونسف محلات بيع المشروبات الروحية، ومحلات الحلاقين الرجالية منها والنسائية، وفرض الحجاب على المرأة، والعودة بها القهقرى إلى العصور الغابرة بحجة مخالفة الشريعة!! . . وبدأت النغمات تتصاعد بالدعوة إلى استقلال كردستان تارة، والجنوب والفرات الأوسط تارة أخرى، وكأنما العراق أصبح فريسة لكل من يملك القوة والمليشيات المسلحة ليحقق طموحاته في تمزيق العراق، وإشعال نيران الحرب الأهلية التي تنذر بالدمار والخراب وإغراق العراق بالدماء، وجراء هذه المخاطر المحدقة بالشعب والوطن فإن الوضع الحالي يتطلب اتخاذ إجراءات حاسمة، وعلى وجه السرعة قبل فوات الأوان إذا أردنا إنقاذ العراق، وصيانة الوحدة الوطنية، والقضاء على الإرهاب والإرهابيين، وعودة الأمن والسلام في ربوع البلاد، وإنقاذها من الكارثة التي باتت محدقة بها وهذا يتطلب الإجراءات التالية: . * إعلان الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهما سحب قواتهم من العراق خلال ستة أشهر،إذا كانت هاتان الدولتان تحملان نوايا صادقة تجاه العرا، والحرص على سيادته واستقلاله كما تدعيان ، على أن تستبدل بقوات عربية ومن دول محايدة من الأمم المتحدة تتولى صيانة الأمن والنظام العام، والعمل على بناء جيش وأجهزة أمنية جديدة قادرة على حفظ الأمن والنظام بعد خروج قوات الأمم المتحدة على أن تتولى الأمم المتحدة اختيار رئيس للجمهورية من العناصر المستقلة والمؤمنة حقاً وصدقاً بوحدة العراق أرضاً وشعباً، وتشكيل حكومة تكنوقراط من العناصر المستقلة غير المنتمية للأحزاب السياسية في الوقت الحاضر، وليست لها أي ارتباط بالنظام الصدامي المقبور، ومن المشهود لها بالكفاءة، ونظافة اليد، والأمانة على مصلحة الشعب والوطن تتولى السلطة خلال فترة انتقالية أمدها ثلاث سنوات. . * تتولى القيادة الجديدة للعراق حل البرلمان الحالي، وتشكيل برلمان استشاري مؤقت يضم 150 شخصية عراقية مستقلة من مختلف المناطق العراقية على أساس الكفاءة والنزاهة، والحرص على صيانة الوحدة الوطنية، ووحدة العراق أرضاً وشعباً، وإعادة الأمن والسلام في ربوع العراق، ومكافحة الإرهاب والإرهابيين، وتجفيف مصادر تجنيدهم، ليس من خلال القوة وحدها، بل من خلال معالجة فعّالة وسريعة لقضية البطالة ، وتأمين الخدمات الأساسية والضرورية للمواطنين من ماء وكهرباء وخدمات صحية وضمان اجتماعي يؤمن الحد اللائق لحياة المواطنين، والعمل الجاد والفعّال لبناء المؤسسات الديمقراطية التي تضمن حقوق وحريات المواطنين العامة منها والخاصة، والمساواة في الحقوق والواجبات بين سائر المواطنين بصرف النظر عن انتمائهم العرقي والديني والطائفي، واتخاذ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة أساسا لنظامنا الديمقراطي المنشود. .
* تتولى القيادة العراقية المنشودة معالجة قضية الفساد المستشري في كافة أجهزة الدولة، وهذا يتطلب بادئ ذي بدء أن يقوم أعضاء الحكومة والبرلمان الاستشاري المؤقت بتقديم جرد لممتلكاتهم وممتلكات زوجاتهم وأولادهم وبناتهم قبل مباشرتهم المسؤولية، وبعد انتهاء مهامهم مباشرة، وإعادة تشكيل هيئة الرقابة المالية من العناصر الكفوءة والمشهود لها بالنزاهة ونظافة اليد، ومنحها الصلاحيات اللازمة لملاحقة السراق والمرتشين، وناهبي أموال الشعب، وكشف هذه الجرائم ومرتكبيها أمام الرأي العام العراقي، وتقديمهم إلى المحاكم الخاصة بهذه الجرائم لينالوا عقابهم الصارم الذي يستحقونه، واستعادة كل ما سُرق من خزينة الدولة، ومنع مرتكبيها من ممارسة أي نشاط سياسي داخل وخارج السلطة لمدة عشر سنوات على الأقل.
* إلغاء الدستور الحالي المختلف عليه والذي يتضمن ثغرات دستورية خطيرة تتعلق بمستقبل العراق ووحدة أراضيه، ووحدة شعبه الوطنية، فالدستور بشكله الحالي يحمل بذور الحرب الأهلية الطائفية، واتخاذ دستور مؤقت لحين إعادة الأمن والسلام في البلاد وتهيئة الأجواء لأجراء انتخابات برلمانية على أساس الدائرة الواحدة، وليس على أساس القوائم كما جرى من قبل، وتكليف عناصر خبيرة في القانون الدستوري مشهود لها بالكفاءة، والوطنية الصادقة، مع الاستعانة بمساعدة الأمم المتحدة لوضع دستور ديمقراطي علماني يضمن التطور الديمقراطي الحقيقي بعيداً عن الطائفية المقيتة والشوفينية القومية، والتخلف والتعصب والاضطهاد العنصري أو الطائفي، ومحاولات تمزيق العراق باسم الفيدرالية. دستور يوحد العراقيين ويصون حقوقهم وحرياتهم بصورة كاملة غير منقوصة، وذلك حسب ما نص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتم عرضه على البرلمان المنتخب للمصادقة عليه.
* حل كافة الميلشيات المسلحة دون استثناء، والعمل على سحب السلاح منها، وإصدار قانون بتحريم حمل أو امتلاك السلاح لغير أجهزة السلطة المركزية العسكرية والأمنية، وفرض عقوبات صارمة على كل من يخالف القانون .
* تشكيل لجنة من العناصر العسكرية المستقلة تأخذ على عاتقها تطهير الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية من عناصر المليشيات المنتمية للأحزاب السياسية، والحرص على أن يبقى ولاء الجيش والأجهزة الأمنية للعراق وشعبه وسلطته الوطنية، ولا يجوز ممارسة النشاط الحزبي في صفوفها بأي شكل كان، وتثقيف أفراد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بالفكر الديمقراطي، واحترام حقوق الإنسان، والحرص على سيادة واستقلال العراق . .
* إصدار قانون جديد ينظم عمل الأحزاب السياسية بما يضمن المسيرة الديمقراطية ، ومنع نشاط كافة الأحزاب القائمة على أساس ديني أو طائفي شيعياً كان أم سنياً،أو قومي شوفيني متطرف عربياً كان أم كردياً أم تركمانياً أو أية قومية أخرى، وأن يكون الشرط الأساسي لقيام الأحزاب السياسية هو الإيمان قولاً وعملاً بالديمقراطية، والالتزام التام بوحدة العراق أرضاً وشعباً. .
* مكافحة الفكر البعثي الفاشي، وإحالة كل العناصر التي مارست الجرائم بحق الشعب، والتي سطرت التقارير عن المواطنين للأجهزة الأمنية وسببت إعدام الألوف منهم إلى المحاكم لينال كل مجرم العقاب الذي يستحقه ، والعمل على احتواء العناصر التي لم تمارس الإجرام وإعادة تثقيفها بالفكر الديمقراطي وإعادة تأهيلها لتأخذ دورها في بناء العراق الديمقراطي المتحرر .
* إن كلّ الثروات الوطنية في العراق، ما كان منها في باطن الأرض أو على الأرض، ملك للشعب العراقي دون استثناء، وتحت تصرف حكومة مركزية ديمقراطية ، ولا يحق لأي حزب أو فئة أو قومية أو طائفة التصرف في أي جزء منها بأي شكل من الأشكال، وعلى السلطة المركزية أن تخصص من عائدات هذه الثروة إلى المناطق العراقية حسب الكثافة السكانية وبشكل عادل ، مع مراعات المناطق التي كانت أكثر تضرراً والتي تحتاج إلى رعاية خاصة ترفع المعانات القاسية عن أهلها. وينبغي أن ينص الدستور القادم على ضرورة أن يكون استثمار المكامن النفطية تحت سيطرة الدولة، وشركة النفط الوطنية التي انشأها الزعيم الراحل الشهيد عبد الكريم قاسم ، وتشجيع الاستثمار في هذا المجال بما يضمن الحرص على ثورة البلاد من هيمنة الشركات الاحتكارية، وتطوير الدخل الوطني اللازم لإعادة بناء البنية التحية المدمرة للعراق ، وتأمين الحياة اللائقة للشعب الذي عانى الكثير من الحرمان والجوع والفقر والأمراض والقهر والعبودية خلال العقود السابقة. . * تطبيق الفيدرالية في كردستان العراق بعد الفترة الانتقالية بما يضمن وحدة العراق أرضاً وشعباً، مع العمل على تعزيز الأخوة العربية الكردية، وسائر القوميات الأخرى ومكافحة الميول الشوفينية والعنصرية لدى سائر أطياف ومكونات الشعب العراقي، وضمان مشاركة الجميع في بناء العراق الديمقراطي الحر المستقل والموحد والمشاركة الفعّالة في السلطة بصرف النظر عن الانتماء القومي أو الديني أو الطائفي وعلى قدم المساواة. . إن أي محاولة من جانب أي قوى قومية أو دينية طائفية لتمزيق وحدة البلاد، وتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب العراقي خيانة وطنية عظمى لا يمكن السكوت عليها، وإن محاولة اتخاذ جرائم النظام الصدامي كقميص عثمان واستغلالها لتبرير فرض الفيدراليات الهادفة لتمزيق العراق أمر خطير لا ينبغي السكوت عنه، بل تقتضي مقاومته بكل الوسائل والسبل، وسيتحمل كل من يسعى في هذا السبيل الخطر مسؤولية كبرى لما سيحدث من صراع طائفي أو قومي شوفيني والذي لن يخرج أحد منه منتصراً، بل ستحل الكارثة الكبرى بالجميع دون استثناء.
|