كهرباء الشاعر والرئيس |
المقاله تحت باب في السياسة لا يكتفي بقبلة خفيفة على الكتف كما يفعل اهل البصرة حين تبادل المصافحة العراقية، بل يقوم بأخذ نفس عميق وهو يقرب رأسه من رأسك. سألت كاظم الحجاج العام الماضي: لماذا تأخذ نفسا عميقا اثناء هذه التحية؟ ينشغل بالسلام على الاصدقاء الآخرين، ويتمتم... أنا أستنشق اصدقائي.. احبهم. جبل هائل من البياض والبراءة وسرعة البديهة. قامة تعيد الى الخيال فخامة الخمسينات ولياقاتها.. غالبا ما تلمحه يمشي مع محمود عبدالوهاب شيخ الادباء الاكثر شبابا منا، ومحمد خضير، أصمعي البصرة الهادئ والحاذق. تلمح الثلاثة في زاوية داخل المدينة العتيقة وتشعر انك امام مشهد معتزلي، او شيء له صلة بإخوان الصفا الراقدين عند اقدام ابن سيرين ورابعة العدوية في مدخل الزبير. يضع كاظم الحجاج تاجا مرصعا بلآلئ شط العرب، على رأسي: أنا اقرأ ما تكتب في السياسة.. اتابعك، لكنني اعتب عليك، ألست قاسيا اكثر من اللازم على رئيس الوزراء.اكثر شخص شعر بالسعادة في "صولة الفرسان" هو كاظم الحجاج. هو يعتقد مثل كثيرين منا تملكهم هذا الشعور لحظة ما، ان علينا نسيان اي خطأ يقع فيه المالكي، لأن المالكي هذا كان جريئا حين اعاد الميليشيات الى مخابئها عام 2008. لا يقبل مني هذا الشاعر، ان اتمادى كثيرا في انتقاد الحكومة: لنحاول اعطاءهم مهلة، من حرر البصرة من المتشددين، سينجح في تصحيح اخطائه. هكذا يخاطبني حين ابدو ثائرا على سياسات السلطة، خلال سهرة في جنينة طالب عبدالعزيز على نهر حمدان بأبي الخصيب.ولذلك فإن كاظم الحجاج الاكثر أملا، هو في الوقت ذاته، الاشد شعورا بالخذلان من سياسات السلطة. كاظم المتحمس لمالكي 2008، هو الاكثر شعورا اليوم بالخذلان من مالكي 2011، الذي سمح لتشدد الميليشيات بالعودة على شكل سياسات الاحزاب الحاكمة... من كامل الزيدي الى ابطال الاصولية شمالي الخليج.كاظم "يعتكف حتى الموت" احتجاجا على الخدمات السيئة، بل سياسة إلغاء الحريات بصوت التشدد الصانع للموت في القرن الحادي والعشرين. كاظم المحتج على عودة أشكال اخرى لصدام حسين واستبداده وفشله وعزلته، يحاول ان يقوم بخطوة، تليق بحلم شاعر. خطوته هذه تخاطب سلبية الجمهور قبل ان تستهدف فشلا بديهيا لأمراء الحرب الحاكمين من بيخال الى سيحان.قرار "الاعتكاف حتى النهاية" يسري بتأثير بطيء داخل امة مصابة بالدوار من طرازنا. اعرف ان الدكتور جلال الماشطة هو من نبه رئيس الجمهورية جلال طالباني الى ما حدث. الخبر يقول ان هناك مبعوثا من الرئيس سيزور كاظم الحجاج. ولعلها ستكون بمثابة زيارة الى نموذج ناصع "للضمير العراقي". لا مشكلة، واستاذنا الماشطة معروف بمبادراته الحية، والمسؤولة، وقلبه المتعب الابيض. لكن "القمندة" ليست هنا. تخيلوا الحوار بين الشاعر والرئيس؟كاظم سيقوم بتقبيل المبعوث الرئاسي على كتفه الايمن، وربما "سيستنشق اصدقاءه" كما يفعل كل مرة. بعدها سيجلس المبعوث، وربما هو استاذنا الماشطة، ليحاول ان يقول شيئا. لدى الماشطة كثير من الهموم كي يقولها بصفته الكاتب والاديب والمخضرم والمثقف. لكن ماذا لديه كي يقول كمبعوث رئاسي؟ كيف سيفهم كاظم الحجاج فشل العراق في نصب مولدات سريعة بقيمة ملياري دولار، يمكنها سد نصف العجز في الطاقة، طيلة 9 اعوام. كيف يمكن ان يفهم سبب تأخرنا في انفاق مليارين او ثلاثة بشكل مفيد، لثلاثين مليون "لاجئ" يعيشون في هذا الوطن؟ كيف يمكنه ان يفهم كل التبذير والتبديد الذي حصل في بيت طالباني وبيت المالكي وبيوت كل "الامراء" الآخرين، العاجزين عن تدبر مليارين او ثلاثة على شكل مولدات سريعة التشييد تخفف عن عاصمة النفط رطوبة البحر الهائلة، وتتكرم على باقي المحافظات ببضع ساعات من هواء "المبردة". ماذا سيقول لهذا المفتون بالكلمات، بشأن الانتهاكات التي تتعرض لها حرية التعبير وحرية الحياة؟ وربما امكن لطالباني ان يقدم لكاظم الحجاج اقليم كردستان كنموذج نجاح نسبي في وسع عرب العراق ان يطمحوا الى مثله. لكن محافظ البصرة وهو وجه بارز في حزب المالكي، تحدث الى كاظم الحجاج كما يبدو. فماذا قال له؟ حزب رئيس الحكومة المسيطر على العباد والبلاد، يحكم بصرة كاظم. والحزب في البصرة يعتزم ان يتظاهر احتجاجا على الحزب نفسه في بغداد. هل لمح احدكم ابتسامة كاظم الساخرة حين كان يحدق في وجه المحافظ؟ هل كانت ابتسامة ام قصيدة اخرى مليئة بذكائك؟ هل ستظل تسخر بألم من الحاكمين؟ هل نتجرأ ونقرر في لحظة ان نأتي و"نعتكف" معك؟ أم اننا "شعب ميت" ومجتمع "لاجئين" عاجز؟ هل سيسخر منك الساسة يا كاظم؟ هل في وسعهم ان يرددوا قصائدك؟ هل ستعتكف حتى النهاية في دارك، بينما يعتكفون هم، في قصورهم وخيلائهم وزهوهم وفشلهم؟ هل في وسع الساسة ان يشموا رائحة احتجاجك واحتجاجنا يا كاظم، كما تشم انت "خيبة" اصدقائك؟ |