(عصائب أهل الحق) و (جيش المهدي) |
المقاله تحت باب قضايا نقاش | مفاجأة من العيار الثقيل، تلك التي فجّرها الاشتباك المسلح الذي حصل قبل أسابيع بين عناصر من ميليشيا "جيش المهدي" بزعامة مقتدى الصدر وميليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة مساعده السابق قيس الخزعلي.
فرغم صراع النفوذ غير المعلن في عدد من المدن الشيعية بين التنظيمين، بقي الصدر متحفظا على توجيه نقد مباشر لنشاط العصائب، وحافظ على "الود" في مخاطبة زعيمها الخزعلي الذي كان مساعدا له وناطقا باسمه حتى العام 2004. بل إن الصدر الذي يحظى تياره حاليا بأربعين مقعدا في البرلمان العراقي (من مجموع 325 مقعدا)، فضلا عن ثماني وزارات (من 42)، دافع عن تنظيم العصائب في منعطفات عدة وعمل على إطلاق سراح معتقليه من السجون العراقية. لكن الاشتباك الذي وقع في 18 حزيران (يونيو) الماضي في منطقة سوق العورة في مدينة الصدر، دفع زعيم التيار إلى الإعلان صراحة وللمرة الأولى، أن العصائب "مجرمون وقتلة" عارضا على الحكومة التعاون لـ "ردعهم". ووقع الاشتباك عندما أطلق مسلحون من جيش المهدي يستقلون سيارات دفع رباعي، الرصاص على عضو في العصائب يدعى "سيد احمد" أردوه قتيلا، تلتها مواجهات بين الطرفين أسفرت عن سقوط قتيلين من التيار وجرحى من الطرفين. وبحسب المعلومات فإن "سيد أحمد" كان أحد مساعدي "أبي درع"، وهو اللقب المتداول لقيادي سابق في جيش المهدي انضم لاحقا إلى العصائب، اسمه الحقيقي إسماعيل حافظ اللامي، كان أحد الضالعين في عمليات القتل الطائفي بين سنتي 2006 و2007 وتروى عنه قصص كثيرة في أحياء بغداد كلها تشير إلى قسوته المفرطة. تصريحات مقتدى الصدر المفاجئة، أثارت تساؤلات عدة حول علاقة التيار الصدري الملتبسة بعصائب أهل الحق، الجناح الذي بدأ بالابتعاد عن جيش المهدي منذ العام 2004 ليعلن الانشقاق عنه في العام 2007. "فرقة خاصة عالية الامكانيات" هكذا كان يصف بعض كبار مساعدي مقتدى الصدر تنظيم العصائب قبل العام 2007، وهو العام الذي اتخذ فيه الصدر قرار تجميد جيش المهدي. حتى بعد الانشقاق، تعامل الزعيم الشاب مع العصائب بنوع من المرونة، فتدخل لإخراج قائدها العام قيس الخزعلي من المعتقل. وقد تم له ذلك بالفعل باتفاق ثلاثي بين الحكومة والسفارة البريطانية في العراق وعصائب أهل الحق، في مقابل الإفراج عن المستشار البريطاني بيتر مور وتسليم جثث أربع حراس آخرين اختطفتهم العصائب من أمام مبنى وزارة المالية عام 2007. الصفقة أنهت عملية اختطاف للمستشار دامت قرابة سنتين، واطلقت الخزعلي خارج السجن قبل أن يغادر إلى إيران التي تشرف على تدريب جماعته ودعمها بشكل مباشر باعتراف قادتها. أحد مساعدي الصدر أكد لـ "نقاش" أن الفرقة كانت قد أسست ضمن تشكيلات جيش المهدي بأربعة كتائب، الأولى "كتائب الإمام علي" المدربة على زرع العبوات الناسفة والهجوم بالصواريخ في مناطق وسط وجنوب العراق، أما الثانية فهي "كتائب الامام الكاظم" وهذه تدير جميع العمليات المسلحة ضد المنطقة الخضراء وفي صوب الكرخ، تناظرها في العمل في صوب الرصافة "كتائب الإمام الهادي"، أما "كتائب الإمام العسكري" فتدير العمليات العسكرية في محافظتي ديالى وكركوك شمال شرق بغداد . وعندما قرر مقتدى الصدر تجميد نشاطات جيش المهدي وإعادة هيكلته، وخصص فرقة واحدة فقط لمقاتلة قوات الاحتلال تحت اسم "لواء اليوم الموعود"، برز انشقاق العصائب التي استقطبت المئات من الشباب المجمدين العاطلين عن العمل. ومنذ ذلك التاريخ، تشهد أحياء بغداد وخصوصا مدينة الصدر، اشتباكات يومية بين الطرفين لا تخرج إلى العلن إذ يحرص الطرفان على نفي حدوثها، إلى أن أعترف الصدر أخيرا بالاشتباكات واصفا العصائب بالـ "المصائب" وبأن "لا دين ولا ورع لهم". اليوم أيضا، يكشف صلاح العبيدي الناطق السياسي باسم التيار في تصريح مقتضب لـ "نقاش" أن العصائب التي رفضت قرار تجميد جيش المهدي كانت هي السبب الرئيسي في اتخاذ قرار التجميد. وقال العبيدي "إن نشاط العصائب، وعملها بعيدا عن توجيهات السيد مقتدى الصدر كانت سببا رئيسا في إعلان السيد تجميد الجيش وإعادة هيكلة قياداته". توفيق العجيلي، الخبير المتخصص في الشؤون الأمنية يرى أن التحرك الصدري واغتيال عناصر من العصائب "عكس نوعا من الاتفاق غير المعلن بين التيار والحكومة للحد من نفوذ العصائب المسلح، بعدما بات التيار يلعب دورا لا يستهان به في الائتلاف الحكومي". العجيلي قال أيضا أن "تصريحات مقتدى الصدر ووصفه العصائب بالقتلة والمجرمين، غيرت مسار العلاقة التي ربطت الطرفين بشكل كامل". ويعتقد الخبير الأمني أن الاستعراض شبه العسكري الذي أقامه آلاف المقاتلين من جيش المهدي في أيار (مايو) الماضي تحت حماية مباشرة من القوات الأمنية الحكومية، مثل "اعترافا من الدولة بجيش المهدي، لكن في حضنها وتحت أنظارها". سكان مدينة الصدر التي كانت مسرحا لأزمات أمنية متلاحقة طوال السنوات الماضية باتوا يخشون اندلاع ازمة من نوع خاص هذه المرة فيما لو تطور النزاع بين جيش المهدي والعصائب، سيما وأن المدينة تعد معقلا أساسيا لأعضاء التنظيمين. ويدعم مخاوفهم تلك الهجمات التي تعرضت لها المنطقة الخضراء في الفترة الماضية، والتي تسببت في اندلاع حرائق في بعض المنازل وإصابة عائلات تسكن داخلها فضلا عن عمليات استهدفت مناطق شيعية، تتهم العصائب بالضلوع في تنفيذها. وعلى الرغم من أن مقتدى الصدر أعلن مواصلته تجميد نشاطات جيشه باستثناء "لواء اليوم الموعود"، إلا أن عرضه مساعدة الحكومة في "ردع" تنظيم الخزعلي قد يؤجج صراع الميليشيات في بغداد. وبحسب الخبير الأمني العجيلي فإن نزاعا من هذا النوع، قد يكون مبررا لتمديد بقاء القوات الأمريكية في حال تطورت المواجهات واتسعت إلى مدن عراقية أخرى، لاسيما وأنهما يمتلكان جذورا في المدن الشيعية ذاتها. وتشير تقارير إعلامية إلى أن تنظيم العصائب بدأ منذ مدة بفتح مدارس دينية لاجتذاب الجيل الشاب تحت اسم "خاتم الرسل" في مدن بغداد والنجف الأشرف والبصرة و السماوة والناصرية والعمارة، على غرار المدارس التي أوجدها للتيار الصدري في تلك المناطق. اما الموقف الإيراني في دعم أي من الطرفين على حساب الآخر عند المواجهة فيتوقف -بحسب المحلل- على قضية تصفية حسابات الجمهورية الإسلامية مع جيوش العم سام، ومدى رغبتها بمغادرة القوات الأميركية في نهاية العام الجاري، أو بقائها لمدة أطول في العراق. |