المقاله تحت باب قضايا في
16/07/2011 06:00 AM GMT
نقاش | عادل كمال وجد أثيل النجيفي محافظ نينوى نفسه أمام موقف محرج، عندما أسفر تصويت جرى في مجلس المحافظة، على عدم قبول سيارة صالون قدمتها إيران هديةً لنينوى. المحافظ بدا متوتراً خلال مؤتمر صحفي عقده في السادس من تموز (يوليو) خصص نصفه عن الهدية، نافياً أن يكون مجلس محافظة نينوى قد رفض قبولها "وإنما لم تحصل موافقته على قبول هذه الهدية". التعبير الأخير كان غريباً بعض الشيء، لأنه كان يعني أيضاً رفض المجلس للهدية.
وحاول المحافظ أن يبين الأمر، بعدم اكتمال نصاب الحضور، تخلصا من ازمة سياسية وشيكة. فأوضح أن 18 (من أصل 38 هم مجموع الأعضاء) صوتوا لقبول الهدية، مقابل ثلاثة فقط صوتوا بالرفض، في حين تغيب الباقون عن الحضور. وبما أن قانون مجالس المحافظات ينص في حال التصويت على الهدايا والهبات، موافقة الأغلبية المطلقة، أي النصف زائد واحد، فكان لابد من موافقة أو رفض 20 منهم. وكان واضحاً في المؤتمر الصحفي أن المحافظ يوجه رسالة ودية إلى إيران بقوله أن نينوى تريد علاقات جيدة مع دول الجوار جميعاً، وأن العراق قد مر بتجارب كثيرة أساءت لعلاقته بمحيطه، وينبغي تجنب أخطاء الماضي. وفي إشارة النجيفي الى أعضاء في مجلس المحافظة، ربطوا رفضهم الهدية، بما قالوا أنها انتهاكات إيرانية في العراق قال بنبرة معاتبة "يجب أن لا نكون استفزازيين في علاقاتنا"، وأضاف أن على المسؤول في الدولة أن يتحدث بحكم المسؤولية، بعيداً عن تصوراته وآرائه الشخصية، لأن "كل كلمة يكون لها عواقب ويترتب عليها ردود أفعال مقابلة، ونينوى في غنى عن الدخول في مشاكل مع دولة مجاورة". وكانت جلسة التصويت، قبلها بيوم واحد، قد شهدت جدالاً بين الأعضاء استمر نحو أربعين دقيقة على سيارة صالون إيرانية الصنع، أهداها السفير الإيراني في العراق حسن دانائي فر إلى نينوى، في 10 كانون الأول ديسمبر عام 2010 أثناء زيارته التي تعد الأولى من نوعها لمسؤول إيراني الى هذه المحافظة الشمالية منذ أربع عقود. الرافضون لقبول الهدية وأبرزهم عبد الرحيم الشمري رئيس لجنة الامن والدفاع برروا ذلك، وحسبما يروى أن إيران تقصف باستمرار مناطق من العراق، وتقوم بالتجاوز على حقول نفط عراقية قريبة من الحدود الجنوبية، وتلوث شط العرب بمياه بزلها، مع اتهامها بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق. دلدار الزيباري نائب رئيس مجلس محافظة نينوى، حذر خلال جلسة التصويت من رفض الهدية الإيرانية. وقال بان زيارة السفير الإيراني لنينوى كانت "مهمة"، لان لجان شكلت خلالها لبحث ملف المفقودين والأسرى من مواطني نينوى في الحرب مع إيران التي استمرت من 1980 حتى 1988، ولا يعرف مصيرهم لغاية الآن، كما أنها فتحت آفاقا للتعاون الاقتصادي والتجاري المشترك، وعلى ضوء هذا ارسلوا السيارة هدية الى محافظة نينوى. وحذر الزيباري من أن رفضها "يعني حرمان المئات من العائلات من بارقة الامل في معرفة مصير أبنائها".
وقال موجها كلامه الى الأعضاء: "بعضكم يعتبر إيران عدوة ولا يقبل هداياها، بينما يرحب بالمنح والمشاريع التي تقدمها أمريكا التي تحتل بلادهم الان". وكان يقصد بذلك فريق الأعمار الأمريكي الذي يقوم بمشاريع لبناء مدارس وإنشاء محطات للمياه في محافظة نينوى. دلدار بين أيضاً ان الرفض يعني أن "نينوى كلها" رفضت هدية قدتها جمهورية إيران الإسلامية، وسيتنافى ذلك مع البروتوكول الرسمي، ويضر بالمصلحة العامة للبلاد، لان العراق تربطه بإيران علاقات قائمة، والحرب بينهما انتهت منذ 22 عاماً. قصي عباس ممثل الشبك في مجلس محافظة نينوى، صوت لقبول الهدية، وذكر بان الأمر تم تهويله، ولم يكن يستحق كل ذلك، لأن السيارة في الأصل قدمت من السفير الايراني كنموذج عن التطور الذي وصلت إليه صناعة السيارات الايرانية، ومثلت في جزء منها دعوة ذات طابع ترويجي تجاري لاستيرادها، وفي جزء آخر خطوة لتطوير العلاقات وتفعيلها مع حكومة نينوى المحلية. رفض الهدية الإيرانية، كشف عن جرح في نينوى يعود تاريخه الى الحرب العراقية الايرانية لم يندمل بعد. هذا ما يؤكده الباحث الاجتماعي وعد عزيز، ويقول بان "اكبر نسبة من الضباط والجنود الذين شاركوا في الحرب العراقية الإيرانية، كانت من نينوى، وعدد كبير منهم قتلوا أو فقدوا طوال سنوات الحرب الثمانية، ومازال ذووهم يرون في إيران عدوة". وأضاف أن "ذات النظرة للأسرى الذين قضى قسم كبير منهم عقدين أو أكثر في السجون الإيرانية، معظمهم عاطل عن العمل الآن بعد سقوط نظام صدام وقطعت الرواتب التي كانت تدفع إليهم". ولأن التوجه الإيراني خلال السنوات ما بعد 2003 ظل منحصراً في المحافظات ذات الأغلبية الشيعية، مع تواصل الأنباء عن تدخلاتها في العراق، وقيامها بتصرفات عدائية تجاهه، ظلت جذوة العداوة قائمة. إذ ينظر مواطنو نينوى بريبة كبيرة إلى زيارة السفير، وكثير منهم عبروا عن مخاوفهم من أن يكون ذلك بداية لوصول النفوذ الايراني، أو استعداد لذلك، ولاسيما وان الانسحاب الأمريكي المنتظر على الأبواب. عدد من أعضاء المجلس في معرض نقاشاتهم، رفضوا تسييس الهدية، واعتبروا أنها كانت "مغازلة" لنينوى اقتصادياً بعد ارتفاع نسبة الأمن فيها مقارنة بالسنوات السابقة، وحاجة سوقها الواسعة إلى منتجات رخيصة يمكن أن توفرها إيران. لكن حتى على المستوى التجاري، هناك مقاطعة المواطنين في نينوى غير المعلنة للبضائع الايرانية مفضلين شراء التركية، "فالكثيرون هنا مازالوا يعيشون حرباً مع إيران" يقول الباحث عزيز. ويندر أن يعثر المتجول في أسواق الموصل على أية بضاعة إيرانية الصنع باستثناء بعض اللدائن البلاستيكية وبعض الأجهزة الكهربائية، وهي على العموم يجلبها تجار صغار من السليمانية المحاذية، أو محافظات جنوب العراق حيث الوجود الإيراني الأكبر.
كما لا يوجد أي مشروع لإيران في نينوى، سواء ضمن مشاريع تنمية الأقاليم التي تخصص مبالغها الحكومة المحلية، أو التي ترصد مبالغها الوزارات العراقية، أو حتى على صعيد القطاع الخاص. ولو قدر للمجلس أن يقبل هدية السفير الإيراني، فستكون تلك أول سيارة إيرانية الصنع في نينوى، بخلاف بغداد وباقي محافظات الجنوب، حيث تكتظ الشوارع بالسيارات المصنوعة في الجمهورية الإسلامية.
المحافظ أوجد مخرجا لائقا يحفظ ماء وجهه أمام مواطنيه دون أن يستفز الجارة الشرقية، بانتظار أن تحرز اللجان التي شكلها الطرفين تقدما في ملف المفقودين وملفات أخرى شائكة. وإلى أن يتحقق ذلك "لن تسير سيارة إيرانية في شوارع نينوى" يقول الباحث عزيز.
|