(ديموكتاتورية).. بزعامة المالكي |
المقاله تحت باب قضايا نقاش |
إلى جانب عدد كبير من الكتاب والمثقفين الأكراد، وضع الشاعر الكردي الأشهر شيركو بيكس اسمه على مذكرة موجهة إلى رئيس الوزراء في الحكومة المركزية تحت عنوان "معاً ..نحطم طبول الدكتاتورية".
يقولون فيها: "نراقب بقلق متزايد ضيق صدر نوري المالكي وحكومته وأدوات قمعها الخارجة عن حدود مؤسسات الدولة والقانون". مذكرة بيكس ورفاقه أتت على خلفية صدامات وقعت في ساحة التحرير وسط بغداد في 10 حزيران (يونيو)، بين شبان تظاهروا مطالبين برحيل المالكي بعد "فشله" في تحسين الخدمات، وشيوخ عشائر موالين للحكومة قمعوا التظاهرة مستخدمين العصي والسكاكين. بصرف النظر عن مناسبة إصدار المذكرة، فانها تقول صراحة إن "طبول الدكتاتورية" في بغداد باتت تسمع، ليس في الغرف السرية لخصوم المالكي حسب، بل في الإقليم الكردي الآمن. فالمالكي، حسب قولهم، استخدم نفوذه عقب ظهور نتائج الانتخابات النيابية في آذار(مارس) العام الماضي، وتمكن من استصدار قرار عن المحكمة الاتحادية، حول تفسير عبارة "الكتلة الأكبر" الواردة في الدستور. صبّ قرار المحكمة آنذاك في صالح المالكي، فسلب أياد علاوي حق تشكيل الحكومة رغم تفوق قائمته "العراقية" بمقعدين على ائتلاف "دولة القانون" الذي حصل على 89 مقعدا من أصل 325، هي عدد مقاعد مجلس النواب. الخصوم يشيرون أيضا إلى قرار آخر للمحكمة صدر في 12 تموز (يونيو) 2010، قضى بحصر صلاحية اقتراح القوانين بمجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية وسحب تلك الصلاحية من المؤسسة التشريعية ممثلة بمجلس النواب. وإذ تسنى لخصوم زعيم "حزب الدعوة" التغاضي عن قرارات حصل عليها عبر السلطة القضائية، فليس في وسعهم التغاضي عن هيمنته شبة التامة على أغلب مفاصل السلطة وأشدها خطورة الممثلة بأجهزة الأمن على اختلاف مسمياتها. وتبدي أطراف كثيرة سواء من "القائمة العراقية" أو شركاء للمالكي داخل "التحالف الوطني" قلقها الشديد من توليه السلطة المطلقة على الملف الأمني. وذكر أحد ضباط وزارة الداخلية لـ"نقاش" أن الوكيل الأقدم عدنان الأسدي تخلى عن عضوية مجلس النواب الأسبوع الماضي بطلب من المالكي ليتفرغ لوزارة الداخلية، وبمجرد دخوله الوزارة أوعز بإبعاد ونقل نحو 1600 منتسب من ضمنهم ضباط كبار في الوزارة بحجة الزيادة المفرطة في عدد المنتسبين المتواجدين داخل الوزارة. إلى جانب الوزارات الأمنية الثلاثة يسيطر المالكي على جهاز المخابرات بعد أن أقال رئيسه السابق محمد الشهواني الذي عينه الحاكم الأمريكي المدني على العراق بول بريمر عام 2004، وعين بدلا عنه زهير الغرباوي المقرب منه. ذلك فضلا عن سيطرته على مستشارية الأمن القومي عبر تعيين فالح الفياض العضو السابق في حزب الدعوة والعضو الحالي في تيار الإصلاح بزعامة ابراهيم الجعفري في منصب المستشار. أذرع "أبي إسراء" تقبض أيضا على "جهاز مكافحة الإرهاب" المفتقر للغطاء القانوني، لجهة أن الدستور العراقي يحظر إنشاء قوى أمنية خارج إطار الوزارات الأمنية المعروفة، والجهاز غير مرتبط بأية وزارة ويخضع لسيطرة المالكي بصورة مباشرة. بالعودة إلى عام 2005 يلاحظ أن حزب الدعوة حصل حينذاك على منصب رئاسة الوزراء فقط، ولم يكن لديه سوى 12 نائبا في "الائتلاف العراقي الموحد". أما اليوم فلديه إلى جانب رئاسة الوزراء وزارتي التعليم العالي والمصالحة الوطنية، فضلا عن سيطرته المطلقة على "ائتلاف دولة القانون" وله 54 نائبا هم مجموع نواب "كتلة الدعوة" فيه. إضافة إلى مئات المناصب الإدارية العليا في مفاصل الدولة، وسيطرته على تسع حكومات محلية في محافظات العراق الــ 18. وإذا كان الأمر كذلك، فالسؤال هو إلى أي حد يستطيع المالكي وحزبه "ابتلاع" الدولة والعودة بها إلى مربع الحزب الواحد الذي ساد العراق عقودا طويلة، لكن وقبل ذلك ينبغي التساؤل ما إذا كان في الإمكان التفريق بين المالكي من جهة وحزبه من جهة أخرى؟ العضو السابق في حزب الدعوة الإسلامية ضياء الشكرجي يفسر علاقة المالكي بحزبه على النحو التالي: "هناك نوع من ثنائية، فالمالكي شيء، والدعوة كحزب شيء آخر. لكن هناك مصلحة مشتركة، فالمالكي لا يعني شيئا من غير الحزب، والحزب لا بديل له غير دعم زعامة المالكي للدولة والحزب". ولعل ما يدعم وجه نظر الشكرجي الآنفة، الصعود المذهل للمالكي في صفوف الحزب بفترة قياسية، في وقت لم يكن أكثر زعماء الحزب بروزا. التحق المالكي عام 1970 في صفوف حزب الدعوة، أي بعد 27 عاما من تأسيسه على يد المرجع محمد باقر الصدر، وبحلول نيسان (ابريل) 2007 انتخب في مؤتمر عام للحزب أمينا عاما دون منازع، اثر فوزه بالدورة الأولى لرئاسة الوزراء. تكرر ذات السيناريو في المؤتمر الثاني في آب (أغسطس) 2009. وهناك شكوك تساور بعض أعضاء الحزب حول انعقاد المؤتمر الثالث في آب (أغسطس)المقبل، ذلك إن النظام الداخلي لا يسمح برئاسة أمانة الحزب أكثر من دورتين، الأمر الذي لا يرغب به المالكي. ولا يستبعد البعض أن يضغط باتجاه تغيير نظام الحزب الداخلي كي يتسنى له الفوز برئاسة ثالثة. مصدر مقرب من حزب الدعوة يحبَذ استعمال تعبير السعي للحصول على "شعبية اكبر" بدلا عن محاولة المالكي وحزبه "ابتلاع الدولة". ويقول لـ"نقاش" ان "كل حزب يسعى لان يحصل على أكبر عدد من الجمهور وأوسع نفوذ ممكن ويستغل وجوده في السلطة لتحقيق ذلك". غير أنه يعود لرمي الكرة في ملعب الجمهور، حين يعتبر أن "نفسية ومزاج فئة من الجمهور المنبهر بـ "وهج السلطة" يجعل الدولة طبقا جاهزاً للابتلاع". يبدو أن حزب الدعوة والمالكي يدركان أن الحصول على السلطة أمضى أسلحة كسب المؤيدين، ومعروف أن اغلب كوادر الحزب انفضت عنه قبل 2003 وما أن تسلم مقاليد السلطة في العراق عادت وانضوت تحت لواء التنظيم مجددا. ويلفت المصدر إلى أن لدى بعض قيادات حزب الدعوة "قناعات" مغزاها "إن التوسع من خلال الموقع والسلطة يكون فعالا بصورة اكبر من التوسع عن طريق المكاتب الحزبية". قريب من هذا التصور، يقول البعثي السابق هاني الفكيكي في كتابه "أوكار الهزيمة" في معرض تقيمه لعمل "حزب البعث" في بداية استلامه للسلطة عام 1968 : "بالأحرى نحن أمام حزب عملي، لا نظري، حزب انصب اهتمامه، منذ البدء على تطوير قدرته لانجاز مهمة الاستحواذ على السلطة، وهو ما نجح به نجاحا لافتا فيما بعد". وإذا نجح حزب الدعوة في "ابتلاع" الدولة العراقية مثلما سبقه في ذلك غريمه وعدوه اللدود "حزب البعث" فستكون مفارقة نادرة في تاريخ العراق الحديث. سألت "نقاش" العضو السابق في حزب الدعوة الإسلامية ضياء الشكرجي عما إذا كان "الدعوة" يعتزم "ابتلاع" الدولة وإعادة البلاد إلى حكم الدكتاتورية، فقال: "أجيب بالإيجاب، حزب الدعوة يسعى فعلا لابتلاع الدولة. المالكي بالذات أثبت أنه ذو نزعة استبدادية، وله قابلية التحول إلى ديكتاتور بالآليات الديمقراطية المفرغة من الجوهر". ثم يعود الشكرجي ليقول :"لا أتصور أن هناك فرصة للتحول الديكتاتوري، بل هي محاولات تدشين للون جديد من الديكتاتورية التي أسميها "ديموكتاتورية"، أي ديكتاتورية مدمقرطة". وبرأي الكثير من المراقبين المحليين، إن ما يحول دون تحول ثنائي المالكي - الدعوة إلى ديكتاتورية ناجزة وراسخة أمور عدة، منها أن القوى السياسية وخاصة الشيعية منها، قوى متعددة وذات نزعة ديكتاتورية هي الأخرى، وهي قوى متحالفة من جهة ومتنافسة ومتصارعة ومتعادية في ذات الوقت. والجامع الوحيد فيما بينها رغبتها في بقاء زمام السيطرة بيدها، وبهذا المعنى فهي لن تسمح بتفرد طرف على حسابها. ولا ننسى الولايات المتحدة الأمريكية التي أطاحت حكم الرئيس الراحل صدام عام 2003 كقوى راعية للديمقراطية الوليدة في العراق، وضامنة لعدم انزلاق البلاد مرة أخرى نحو متاهة الأنظمة الشمولية الدكتاتورية، فذلك مناقض لشعار "حرية العراق" الذي دشّنت به غزوها. ولعل "الحساسية الشعبية" حيال عودة الدكتاتورية التي طحنت البلاد طحنا منذ صعود "العسكرتاريا" إلى السلطة عام 1958 وحتى سقوط نظام البعث عام 2003 تمثل أحد "الكوابح" المضافة أمام عودة الدكتاتورية. ويخمن الشكرجي أسبابا أخرى داخل "حزب الدعوة" قد تحول دون العودة إلى حكم الدكتاتورية مؤداها أن الحكم بهذه الطريقة "سيحولهم إلى فئة مرفوضة ومكروهة من قبل جماهير الشعب، مما سيؤدي إلى استعداء الشعب لهم". وأخيرا هل يستطيع "الدعوة" ابتلاع الدولة؟ يجيب الشكرجي: "يحاول؟ نعم، أما يستطيع؟ فأشك في ذلك. ربما يستطيع لمرحلة معينة". |