المياه الملوثة تنذر بخراب البصرة |
المقاله تحت باب قضايا عن نقاش :
غطت المياه الملوثة القادمة من إيران مساحات واسعة من الشريط الحدودي جنوب شرق العراق، مهددة بحصول كارثة بيئية.
وشكلت مياه غسل الأراضي أو ما يعرف بالـ "بزل" مسطحا مائيا متقطعا على شكل بحيرات بطول أكثر من 60 كيلومتر، يمتد بشكل متعرج على الحدود بين محافظتي البصرة وميسان، وإيران، وبسماحة إجمالية تزيد عن 150 كيلو متر مربع. ويصف المهندس علاء البدران مقرر ملوحة شط العرب في الأمانة العامة لمجلس الوزراء البحيرات المتشكلة "بشديدة الملوحة والسمية"، وقد بلغت مساحة إحدها 70 كيلومتر مربع "حيث لا يمكن رؤية ضفتها الأخرى حتى بالمرقاب العسكري". وكانت قيادة حدود المنطقة الرابعة في محافظة البصرة أول من نبهت في وقت سابق إلى تدفق مياه البزل الإيرانية، تحديداً في منطقة الشلامجة عند مخفر زيد رقم 1 الحدودي. فالسواتر الترابية التي أقيمت خلال حرب الثمانينات بين البلدين لأغراض عسكرية تحجز حاليا بحيرات المياه عن التوسع، لكنها غير قادرة على الصمود طويلا وقد تغمر المخافر الحدودية قريبا على حد تصريحات شرطة الحدود. وعملت جغرافية المكان بدورها على تسهيل تدفقها بسبب ارتفاع الأراضي الإيرانية، فيما تتصاعد المخاوف حاليا من أن تصل إلى حقول النفط العراقية المتواجدة قرب الشريط الحدودي وتغمرها بالكامل. وقال علي غانم المالكي رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة البصرة لمراسل "نقاش" إن "حقول النفط ستتأثر إذا تجاوزت المياه الساتر الترابي وهذا ما لن نسمح له بالحدوث". في المقابل، ذكر مصدر في شركة نفط الجنوب حبذ عدم ذكر اسمه أن مياه البزل غمرت بالفعل حقل السندباد النفطي الحدودي وهو حقل صغير، إضافة إلى طرق المواصلات والعلامات الحدودية، لكنها لم تهدد حقول نفط مجنون العملاقة. وبدأت المياه الإيرانية بالتدفق في الأشهر الأخيرة من العام الماضي، حيث نصب الإيرانيون مضخات مياه "لغسل التربة بهدف إعدادها لزراعة قصب السكر" كما ذكر منصور الموسوي رئيس لجنة البيئة والصحة في مجلس محافظة البصرة. وقال المنصوري إن "إيران تحاول تحقيق اكتفاء زراعي ذاتي نتيجة للحصار الدولي الذي تتعرض له، فقامت باستغلال الكثير من أراضيها الجدباء للزراعة عن طريق غسلها". لكن تحليلات خبراء عسكريين، أفادت بأن إيران تعمدت إغراق المنطقة بالمياه لتشكيل خط دفاعي يحميها من أي هجوم أميركي تكون البصرة منطلقا له، وهو ما لم ينفه علي غانم المالكي رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة قائلا أن "هناك ربما مؤشرات في هذا الاتجاه". وتشير مصادر مجلس المحافظة أن تربة المنطقة تحتوي على مواد كيماوية من مخلفات عمليات القصف الجوي في الحرب التي دارت بين البلدين في ثمانيات القرن الماضي. وفي الشهرين الماضيين، دارت مباحثات بين مسؤولي البلدين عقدت في محافظتي خوزستان والبصرة لاحتواء المشكلة، وشكل الجانبين لجنة فنية قامت بأخذ عينات من مياه البزل. ووفقا لهاشم لعيبي مدير إعلام مجلس محافظة البصرة "أظهرت نتائج الاختبارات التي تمت موقعياً احتواء المياه على مواد كيماوية سامة"، وأضاف أن "السفير الإيراني خلال زيارته الأخيرة للبصرة وعد بوضع خطة لإلقاء مياه البزل إلى البحر عبر شق قناة في الجانب الإيراني". ورغم التصريحات الإيرانية التي تشير إلى انخفاض منسوب المياه المتدفقة، تقول الحكومة المحلية أن أربعة أنابيب قطر الواحد منها 14 أنش تعمل من دون توقف، على امتداد الشريط الحدودي. ووصلت نسب الملوحة في المياه المتدفقة إلى "معدلات خطيرة أعلى من نسبة ملوحة مياه البحر" وفقا للمهندس علاء البدران مقرر ملوحة شط العرب في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، الذي أضاف أن أنهار مشتركة بين البلدين أهمها نهر خيبين تعرضت الحياة البيئية فيها إلى "إبادة كاملة". وقال بدران في هذا الصدد أنه "وبعد يوم واحد من تدفق المياه في نهر خيين هلكت الثروة السمكية فيه". من جهتها، أعربت دائرة البيئة في البصرة عن مخاوفها من أن تختلط المياه الملوثة بمياه شط العرب عبر نهر خيبين أو أن تصل نهر دجلة عبر نهر السويب. ويعتقد خبراء البيئة أن وصول المياه الملوثة إلى الشط أو النهر سيجبر الأهالي على الهجرة من مناطقهم والبحث عن عمل آخر. ففي شط العرب تلتقي مياه نهري دجلة والفرات العذبة مع مياه الخليج العربي المالحة لتشكل حدا طبيعيا يفصل جنوبي العراق عن إيران، ولتشكل شريان الحياة الرئيس لمحافظة البصرة، حيث تعتاش آلاف الأسر على الصيد والزراعة. وسبق لشط العرب أن شهد ارتفاعا ملحوظا في منسوب الملوحة فيه بسبب غلق إيران نهري الكارون والكرخا اللذين كانا يصبان فيه، الأمر الذي أدى إلى تضرر مساحات واسعة من الأراضي. وتقول خيرية حمود مديرة دائرة البيئة لموقع "نقاش" إن "الملوثات الكيماوية الخطيرة سيكون لها تأثير مستقبلي سلبي على الأراضي وحياة الناس، وسوف نحتاج إلى عمليات استصلاح زراعية وأموال هائلة لإعادة الوضع إلى ما كان عليه". ويحذر أهالي المحافظة وقياديين سياسيين من انعكاس أزمة مياه البزل على العلاقات بين البلدين، بعد مطالبات عدد من الأقضية الحكومة العراقية باللجوء للمحاكم الدولية في حال لم تتوقف إيران عن ضخ المياه. في حين علق المهندس علاء البدران قائلا إن ما حدث هو "نتيجة غياب السلطة العراقية خلال السنوات السابقة وانشغالها بالمشاكل الداخلية". |