تحريم الطرشي وكأس العالم

المقاله تحت باب  في السياسة
في 
01/02/2007 06:00 AM
GMT



كان الترياق يأتي من العراق. لكن ما يأتي الآن من هذا البلد المنكوب هو
العجائب والغرائب. ولم تعد حكايات ألف ليلة وليلة إلا حكايات ساذجة إزاء
حكايات الحاضر الغريبة حد الأساطير. وأنا لا أتحدث عن السيارات المفخخة
وفضائح جنود الاحتلال وأقبية تعذيب وزارة الداخلية وقطع الرؤوس وحفظها في صناديق الموز. فكل هذه الجرائم معروفة ونقرأ عنها يوميا في الصحف ونشاهد مآسيها في المحطات الفضائية, لكن هناك وجها آخر لنكبة العراق يتمثل في تلك العقول المتحجرة والأفكار المتخلفة التي تحاول فرض سطوتها وأمراضها علي المجتمع العراقي كله بالرصاص والسكاكين تحت شعارات الدين المزيفة.
ما علاقة الدين بالطرشي؟ وما علاقة الدين بإطارات السيارات؟ هذه ليست
نكتة, فالدين المقدس لا يتحمل الهزل مثلما يفعل هؤلاء الدجالون في بعض
المدن العراقية الذين أفتوا بمنع السراويل الرجالية القصيرة الشورت
والقمصان الشبابية التي شيرت وأغلقوا صالونات تجميل النساء بعد نسف
بعضها, وأعدموا بعض الحلاقين لأنهم يقصون شعر الرجال علي الطريقة الغربية الكافرة أو يستخدمون الخيط الفتلة في إزالة الشعر الزائد من الوجه. وفي البصرة ـ مثلا ـ منعوا دخول أي طالبة غير محجبة إلي الجامعة حتي وإن كانت مسيحية , وقتلوا أكثر من شاب وفتاة لأنهما كانا يتحدثان معا خلال استراحات المحاضرات, ومنعوا النساء من استخدام الهاتف المحمول لأنه يشجع علي الرذيلة ؛ ومعروف عن العراقيين أنهم ـ مثل المصريين وشعوب الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط ـ يعزون الطرشي ويقفون له احتراما, ومن النادر أن تجد مائدة مهما كانت بسيطة لا ويتصدرها صحن الطرشي وبقية المخللات. إلا أن للمتطرفين ـ في بعض المدن العراقية ـ رأيا آخر في هذا الموضوع الإستراتيجي فأصدروا فرمانا بمنع صناعة وأكل الطرشي لأنه مادة مسكرة ورجس من عمل الشيطان! وذكر لي رئيس تحرير إحدي الصحف العراقية الوطنية أن العاملين في مصانع ومحلات الطرشي انضموا إلي جيش العاطلين عن العمل بعد أن تعرضوا لتهديدات بقتلهم بتهمة التجارة في صنف من الخمور لأن الخل يحتاج إلي فترة تخمير ولذلك فهو خمرة! ومع ذلك, فمن الممكن الاستغناء عن الطرشي إذا كانت عاقبته قطع الرقاب. ولكن ماذا عن الفتوي الأخري التي تمنع إصلاح إطارات السيارات وأدت إلي إعدام بعض العاملين في هذه المهنة واضطرار كثير منهم إلي إغلاق محلاتهم خشية القتل مما أدي بدوره إلي مضاعفة أسعار إصلاح الإطارات لدي المتمردين علي هذه الفتوي. ويقول صاحبي رئيس تحرير إحدي الصحف العراقية المناهضة للاحتلال إن سبب منع إصلاح الإطارات مضحك ومبك في آن واحد.. فهو مبك بسبب الأرواح التي تزهق نتيجة هذا الدجل الإجرامي, ومضحك لأن المتطرفين إياهم يعتبرون العاملين في هذه المهنة كفارا لأنهم يحجزون هواء الله في أجهزة الضغط الكومبريسرات ومعني هذا, أن السيارات يجب أن تسير بإطارات خشبية مثل عربات العصر
الروماني. وتشمل هذه الفتوي الدراجات الهوائية والبخارية لأنها تستخدم
إطارات تملأ بالهواء. ويسري نفس الحظر علي إطارات الطائرات بجميع أنواعها المدنية والعسكرية والهليكوبتر. فإذا أرادت الجماعة شرح فتواها فهي ستشمل بالونات الأطفال التي تسمي في العراق نفاخات والمناطيد الهوائية وأنابيب الغاز لأنها كلها تعتمد علي حجز هواء الله كما يقول هؤلاء القوم. وما ينطبق علي تلك الأمور ينطبق مباشرة علي كرات القدم والطائرة والسلة. ومعني ذلك أننا يجب أن نعود إلي استخدام الكرة الشراب بالمصري وكرة الجواريب بالعراقي وبناء عليه, واستنادا إلي ما تقدم أيها السادة, فإن مباريات كأس العالم الجارية الآن هي رجس من عمل الشيطان وحرام ولا يجوز المشاركة فيها أو مشاهدتها ولو عبر التلفزيون. فالهواء المضغوط في الكرات المستخدمة في اللعب هواء محجوز خلافا للشريعة التي يؤمن بها هؤلاء المفكرون الأفذاذ الذين قلما تجود البشرية بأمثالهم من العباقرة. وعلي اتحادات كرة القدم العربية والإسلامية أن تعيد النظر في الكرة المستخدمة في اللعب وأن تطلب من الاتحاد الدولي للعبة استخدام كرة من القش أو القماش بالإضافة إلي إنذار اللاعبين بعدم أكل الطرشي!