مظاهرات بغداد.. للقصة بقية |
المقاله تحت باب قضايا نقاش : الساحة التي تنتصب فيها جدارية الحرية للفنان التشكيلي الراحل جواد سليم، غصت عن بكرة أبيها بجموع المتظاهرين فيما عرف بـ "يوم الغضب" العراقي. وقدر عددهم بنحو خمسة آلاف متظاهر، قدموا من أحياء مختلفة في العاصمة بغداد سيرا على الأقدام، في ظل حظر فرضته الحكومة على حركة المركبات. بعض القيادات العسكرية المتواجدة في المطعم التركي، طلبت من المتظاهرين اختيار وفد للتفاوض معهم والاستماع إلى المطالب، لكن الأخيرين ردّوا برفع أحذيتهم، وقالوا أنهم يرغبون بقدوم رئيس الوزراء شخصيا للتفاوض. أما المالكي، فقد صرح قبل ساعات فقط من بدء التظاهرات، في لقاء بعدد من رؤساء منظمات المجتمع المدني أنه "لا يحترم من يخرج في هذه التظاهرات". وقالت فيان الشيخ علي، رئيسة "منظمة تموز للتنمية الاجتماعية" التي كانت ضمن الوفد الذي حضر اللقاء، أن "رئيس الوزراء أبدى استهزاءه بالمتظاهرين بشكل واضح وصريح وأمام جميع الحاضرين واحد مستشاريه". وكان رئيس الوزراء ، قد كثف بشكل ملحوظ اجتماعاته مع وفود لنقابات مهنية ومنظمات مجتمع مدني وشيوخ عشائر وأعضاء في الحكومات المحلية، في الأيام السابقة للتظاهر، لحضّهم على تهدئة الشارع. وذكرت الناشطة المدنية فيان الشيخ علي أن مدة اللقاء المقررة مع المالكي في صبيحة يوم الجمعة كانت نصف ساعة فقط، لكنها استغرقت قرابة الساعتين. وأشارت إلى أن زملائهما عرضوا أمام رئيس الحكومة مؤشرات وممارسات تثير القلق في أداء الحكومة، وهو "ما أثار حفيظته ودفعه لإطلاق كلام غير مقبول بحق المتظاهرين"، كما تقول. وبالتزامن مع اجتماعات المالكي، كانت ثلاث فرق عسكرية، فضلا عن قيادة عمليات الرصافة، ووحدات مكافحة الشغب والشرطة الوطنية وبعض مديريات وزارة الداخلية من شرطة النجدة والمرور، في حالة تأهب لاستقبال يوم الغضب الشعبي. وأوضح مصدر برتبة مقدم ركن من الفرقة 11 في بغداد أن القوات الأمنية وضعت على أهبة الاستعداد قبل أيام من انطلاق التظاهرة. ورفعت القوات الأمنية استعداداتها الى درجة الإنذار (ج) وهو اعلى درجات الحيطة والحذر التي تتخذها السلطات في حال مواجهتها لاي مخاطر محتملة. وحملت مجاميع المتظاهرين في جمعة الغضب الأعلام العراقية حصرا، وغابت أعلام الأحزاب والتيارات السياسية. ورددت شعارات مختلفة بعيدا عن الطائفية والجهوية، من أمثلتها "رواتبنا والأجور لا تكفي حتى العصفور"، "بغداد ليست طهران أو دمشق" والشعار الأخير فيه أشارة ضمنية إلى ارتباط بعض الأحزاب والشخصيات السياسية بأجندات اقليمية. وقطع معظم المتظاهرين مسافة عدة كيلومترات سيرا على الأقدام للوصول إلى المكان، ووقفوا على مدار أكثر من عشر ساعات في ساحة التحرير قبل أن تفرقهم القوات الأمنية بخراطيم المياه والهراوات والغازات المسيلة للدموع وإطلاق العيارات النارية. وتعتبر الشيخ علي، أن عدد المتظاهرين في ساحة التحرير كان كبيرا بالقياس مع "محاولات العرقلة والقمع التي مارستها الحكومة لمنع التظاهر". محاولات التضييق، وفقا للناشطة المدنية، تجسدت على ارض الواقع قبل بدء التظاهر، من خلال تطبيق قرار منع التجوال في عموم العاصمة بغداد على المركبات والدراجات الهوائية والنارية، باستثناء السماح بحرية الحركة للأشخاص. كما أصدرت السلطات العراقية مذكرات اعتقال بحق عدد من الصحفيين بينهم منتظر الزيدي، وذلك قبل يوم من المظاهرات، وهو الصحفي الذي كان قد رمى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بفردتي حذائه في آخر زيارة لبوش إلى العراق في 2008. . وحرصت حكومة المالكي قبل يوم من التظاهر على قطع جسر الجمهورية المؤدي إلى المنطقة الخضراء، حيث مقر الحكومة والبرلمان والبعثات الدبلوماسية، وهو ما دفع المتظاهرين في وقت مبكر من عمر المظاهرة لإسقاط عدد من تلك الحواجز، قبل أن تمنعهم قوات الامن من الاستمرار. كما منعت الحكومة وصول متظاهرين من مدن ومحافظات قريبة الى مكان الحدث، كانوا قد أعلنوا تضامنهم مع زملائهم في بغداد. وأدلى بعض المسؤولين وفي مقدمتهم رئيس الوزراء نوري المالكي، بتصريحات زعمت أن جهات سياسية وأخرى معادية للعملية السياسية تقف وراء الاحتجاجات، بل ذهب بعضهم إلى ابعد من ذلك عندما زعم مشاركة "القاعدة" و"البعثيين" فيها. لكن المتظاهرين وفي مسعى لتفنيد تلك المزاعم حملوا شعارات ورددوا هتافات تندد بحزب البعث المنحل والنظام السابق والقاعدة والإرهابيين، طيلة فترة التظاهرة. كما طرد المتظاهرون عددا من السياسيين وأعضاء البرلمان ممن حاولوا ركوب التظاهرة ومنعوهم من القاء كلمات وخطب في ساحة التحرير. وكجزء من محاولات "الترهيب" التي رصدتها تقارير المنظمات المدنية، تحليق طائرات هيلكوبتر كانت تجوب أجواء المنطقة بمستوى منخفض جدا، وعلى مقربة أمتار من رؤوس المتظاهرين. ومنعت الحكومة ادخال سيارات البث المباشر الى مكان الحدث، كما صودرت معدّات الصحافيين عند نقاط التفتيش التي أقامتها الأجهزة الأمنية في محيط ساحة التحرير. وتعرض عدد من الصحافيين الى اعتداءات وانتهاكات جسدية، وجرى اعتقال خمسة صحفيين مساء يوم الجمعة أفرج عنهم فجر يوم السبت. وقال هادي المهدي أحد الصحفيين المفرج عنهم في مؤتمر عقد في نفس اليوم، أن الجهة التي اختطفتهم أجبرتهم "وهم معصوبي الأعين، على توقيع اوراق لا يعلمون ماذا كتب فيها"، وهو يخشى ان تتضمن ادعاء بانتسابهم إلى حزب البعث المحظور. وتحدث الصحفيون الخمسة في المؤتمر عن تعرضهم للإيذاء الجسدي والضرب بأخمص البندقية، وأكدوا ان من قاموا بضربهم كانوا من الضباط لا من الجنود. المالكي وفي مؤتمر صحافي عقده بعد ثلاثة أيام من "يوم الغضب" في مقر رئاسة مجلس الوزراء، اقر بضرورة أجراء إصلاحات في النظام الإداري في الدولة، وهو شعار حمله المتظاهرون في بغداد وغيرها من المدن العراقية. وقال في هذا الإطار، أن "جزء من عملية الإصلاح الإداري وجود مناصب ووزارات فائضة عن الحاجة، لذا ينبغي ان تعالج هذه المسألة". لكن المالكي نفى ممارسة حكومته للتضييق على حرية التظاهر متسائلا: "هل هناك بلد في المنطقة بل في العالم أجمع فيه حريات مثل ما موجود في العراق؟ انا استبعد ذلك". عماد الخفاجي منسق منظمة آيركس الدولية في بغداد، يرى في حديث الحكومة عن الحريات، "أكذوبة" أو "مراوغة". ويقول الخفاجي إن "هناك تحايل تمارسه السلطات ومن يقف الى جانبها، فقد قالوا في البدء انهم مع المظاهرات وما أن رأوا جدية المسألة تراجعوا عن مواقفهم وها هم اليوم يتكلمون مجددا عن الحريات". ويدعو الخفاجي، ومعه مجموعة من الكتاب والناشطين إلى مظاهرة جديدة يوم الجمعة 4 من الشهر الجاري الذي سمي "جمعة الإصرار". كما تعمل مجموعات أخرى على مواقع التواصل الاجتماعي على الترتيب لتظاهرة كبيرة وواسعة تحت اسم "يوم الندم" في يوم الاثنين السابع من الشهر الجاري، الذي سيصادف الذكرى السنوية الأولى لإجراء الانتخابات النيابية التي تشكلت على ضوئها الخريطة السياسية الحالية. وتقول الناشطة المدنية فيان الشيخ علي أن ما حصل خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ما هو سوى "بروفا" للمظاهرات التي ستأتي لاحقا، وتؤكد أن "للقصة بقية على الحكومة أن تستمع إليها جيّدا". |