قتلى وجرحى ومبان محترقة في «الإقليم الآمن» |
المقاله تحت باب قضايا نقاش : أولى أعمال العنف بدأت أمام المقر الرئيسي للحزب الديمقراطي الكردستاني (البارزاني) في مدينة السليمانية يوم الخميس 17 شباط (فبراير)، عندما قام المئات من المتظاهرين الشباب بمهاجمة المقر ورميه بالحجارة رافعين شعارات إصلاح ومحاربة الفساد، فقام مسلحون من الحزب الحاكم بفتح النار على المتظاهرين. وأسفر إطلاق النار عن سقوط قتيل في الـرابعة عشر من عمره، فضلا عن أكثر من خمسين جريحا تلقّوا نيران الحزب الديمقراطي، أحدهم في عمر 16 سنة كان قد أصيب بطلقة في الرأس ويمكث منذ أربعة أيام في المستشفى في حالة غيبوبة. وبالرغم من ان حركة التغيير المعارضة بقيادة نوشيروان مصطفى، سارعت إلى الإعلان بان ليس لها اي دور في هذه المظاهرات، وانها ضد أعمال العنف والتخريب، الا ان هذا لم يحد من تعرض مقراتها لهجمات في مناطق عديدة من اقليم كردستان. وفي مساء يوم الخميس نفسه، قامت مجموعة مسلحة بالهجوم على المقر الرئيسي لحركة التغيير المعارضة في مدينة أربيل وإحراقه بالكامل، وبعدها بدأت سلسلة من الهجمات المشابهة لمقرات الحركة في كل من مجمع بنصلاوة وقضاء شقلاوة وقضاء سوران التابعين اداريا لمدينة اربيل، واخيرا سلب مقرهم في مدينة دهوك، وجميع هذه المناطق تقع تحت سيطرة الحزب الديمقراطي الحاكم بقيادة رئيس الاقليم مسعود البارزاني. ومال زالت المظاهرات مستمرة إلى اليوم (الاثنين) في مدينة السليمانية، حيث ووجهت مظاهرت يوم امس برد فعل عنيف من قبل قوات الامن عن طريق استعمال الذخيرة الحية وسط انباء عن سقوط عشرات من الجرحى حسب مصدر من المستشفى العام، قسم كبير منهم تعرضوا الى حالات اختناق بسبب تنشق الغازات المسيلة للدموع، فيما فارق الحياة شابان متاثرين بجراحهما اثر تعرضهم لاطلاقات نارية. وحسب مصادر طبية لـ "نقاش"، فان عدد القتلى منذ يوم بدء المظاهرات (الخميس) لحد يوم امس (الأحد) بلغ ثلاثة قتلى فضلا عن 124 جريح. ويقول آري هرسين، العضو القيادي ومسؤول إعلام الحزب الديمقراطي في السليمانية، إن مسلحي وحراس مقرهم بدأوا باطلاق النار "دفاعا عن النفس" بعدما قام المتظاهرون بمحاصرتهم. بينما ألقى نائب رئيس الحزب، نيجيرفان بارزاني، اللوم على قوات الامن في مدينة السليمانية الواقعة تحت سيطرة الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة رئيس الجمهورية جلال الطالباني، لـ"عدم حماية المقرات". وكانت مدينة السليمانية قد دخلت في حالة من الاستنفار الامني قبل أقل من شهر بعد أن نشرت حركة التغيير الكردية المعارضة بيانا يوم 29 كانون الثاني (يناير)، طالبت فيه بحل الحكومة والبرلمان الكردستانيين، وإجراء انتخابات عامة في مدة أقصاها ثلاثة اشهر شريطة "تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة انتقالية". وجاءت ردود الفعل على هذا البيان قوية، فدخلت قوات الأمن والشرطة وقوات البشمركة (الجيش الكردي) حالة انذار قصوى. وشاهد مراسل "نقاش" انتشار القوات في مدينة السليمانية وتمركزها بالقرب من معظم الدوائر والمؤسسات الأمنية والحكومية، بينما تمركزت دبابتين عسكريتين تابعتين لقوات البشمركة فوق تلة تبعد عشرات الأمتار عن مكتب رئيس الحكومة الدكتور برهم صالح، وسط المدينة. أما بالنسبة لمظاهرات يوم الخميس الماضي والمستمرة لحد اليوم، فبالرغم من اعلان قرار منع التجوال من الساعة السابعة مساءا والى السابعة صباحا، الا ان المتظاهرين بقوا في الشوارع المحيطة بمقر الحزب الديمقراطي. ومازاد من غضب الشارع في مدينة السليمانية سقوط ما يقارب 14 جريحا يوم السبت الماضي، واستقدام سلطات الإقليم وحدات عسكرية تقدر بمئات المقاتلين تابعة للحزب الديمقراطي من مدينة اربيل يوم الجمعة وتمركزهم عند حدود المدينة. وقال وزير البشمركة في حكومة اقليم كردستان، الشيخ جعفر مصطفى (الاتحاد الوطني الكردستاني)، إن القوات التي اتت الى السليمانية، هي "قوات تابعة لحكومة الاقليم وتتحرك وفق أوامر الوزارة". لكن مصدر عسكري رفيع المستوى، رفض الكشف عن اسمه، اخبر "نقاش" ان القوات التي اتت الى السليمانية "تابعة فعليا للحزب الديمقراطي وولاءها للحزب وتتلقى الأوامر منه"، أما ما يقال عن أنها جزء من منظومة قوات البشمركة فهو "مجرد شكل". كما ان شهود عيان لاحظوا انتشار مجموعة من القوات داخل المدينة، وخصوصا في الطرق الرئيسية المؤدية الى مقر الحزب الديمقراطي، يختلف لون زيهم العسكري وطريقة تسليحهم عن القوات المتواجدة أصلا، من المرجّح حسب الشهود أنهم أتوا من أربيل . ومع استمرار القوات الأمنية في استعمال الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين، رفع الأخيرون شعارات أبرزها "خروج الميليشيا من المدينة" في إشارة إلى قوات الحزب الديمقراطي، فضلا عن إطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين، ومحاكمة مسؤول فرع الحزب الديمقراطي ومسلحي الحزب المتهمين بقتل وجرح العشرات من المدنيين. وبينما واصلت القنوات الفضائية الكردية، والتي جميعها تابعة للأحزاب السياسية، الاستمرار ببث برامجها اليومية من ترفيه واغاني، متجاهلة ما يحدث في الشارع الكردي، قامت قناة NRT التابعة لشركة "ناليا" التجارية بتغطية شاملة للمظاهرات، ما أدى الى الهجوم عليها واحراق مبناها بالكامل داخل مدينة السليمانية وتوقفها عن البث. كما تعرض العديد من صحفيي الإقليم للضرب على يد قوات الأمن في السليمانية ومدن اخرى. وكان المدير العام للقناة المذكورة، توانا عثمان، قد صرح قبل يوم من الحادثة ان مسؤولين حزبيين رفيعي المستوى هددوا القناة وطالبوا باغلاقها، خصوصا أنها قناة جديدة مازالت في بثها التجريبي، الا ان القناة رفضت الانصياع لتلك التهديدات واستمرت بالبث. وقال عثمان "قام اكثر من 50 مسلح يرتدون زيا عسكريا بالهجوم على مقر القناة، وبعد اصابة الحارس بطلقة في الصدر، احرقوا البناء بالكامل واتلفوا محتوياته، وعن استعملوا الذخيرة الحية ليلة 19-20 شباط (فبراير)"، دون ان يكشف عن هويتهم، لكنه اكد "اننا نملك ادلة واضحة على من يقف خلف الحادثة". وتحاول الاحزاب السياسية ورئاستي الاقليم والحكومة في كردستان تهدئة الاوضاع واعادة الاستقرار الى مدينة السليمانية عن طريق البيانات والخطابات، فيما انتشرت عدوى المظاهرات لتشمل مدن اخرى تابعة لمحافظة السليمانية، اغلبيتها تحمل شعارات "خروج الميليشيا" والقضاء على الفساد واطلاق صراح المعتقلين، ويبدوا ان هدفهم هو الوصول لمقرات الحزب الديمقراطي واحراقه، حسب ما ينادي به الشباب المتظاهرون. وعلى اثر التطورات السريعة للاوضاع في اقليم كردستان ومدينة السليمانية بشكل خاص، من المتوقع ان يعقد اليوم (الاثنين) اجتماع كبير بين الحكومة والقوى السياسية في اقليم كردستان. وقال مصدر حكومي رفيع المستوى إن "إيجاد آلية لتهدئة الأوضاع هي احدى اهم نقاط الاجتماع"، مضيفا "سيتطرق الاجتماع الى وضع خطة عمل من اجل القيام باصلاحات عامة في الاقليم". وهو ما أكده نائب جلال الطالباني في الاتحاد الوطني الكردستاني، كوسرت رسول، بضرورة الجلوس على طاولة واحدة، خاصة بالذكر "الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي وحركة التغيير والاتحاد الاسلامي والتجمع الاسلامي الكردستاني". وجاء في البيان الذي نشره رسول "ستنسحب القوات بشكل كامل من السليمانية" في خطوة لتهدئة الشارع الكردي. |