يوم غضب رداً على «يوم البلطجة»

المقاله تحت باب  قضايا
في 
26/02/2011 06:00 AM
GMT



نقاش:
في تمام الساعة الواحدة من فجر الاثنين الماضي 21 شباط (فبراير) وصلت سيارات "البلطجية" إلى ساحة التحرير. قبلها بنصف ساعة فقط، انقطعت الكهرباء عن أعمدة الإنارة، وانسحبت القوات الأمنية بشكل مفاجئ مخلية المكان.

البلطجية شنوا هجوما على السرادق الكبير الذي نصبه المعتصمون في وسط الساحة، ونهبوه بالكامل، واختطفوا ثلاثة منهم، قبل أن ينطلقوا إلى مكان مجهول.

أما المعتصمون الجالسون في الخيمة، والذين قدر عددهم بحوالي 40 شابا، فاستخدموا كل ما يملكون من أسلحة بيضاء لمواجهة ضربات الهراوات الكهربائية وطعنات السكاكين، لمدة استمرت اكثر من ساعة، في حين فرّ عدد منهم للاختباء خلف أشجار حديقة الأمة المجاورة التي غطت في ظلام دامس ساعة الهجوم. وأسفر الاعتداء عن جرح أربعة من المعتصمين، وردت أنباء لم يتسنّ التأكد منها، عن وفاة أحدهم صباح يوم الأربعاء متأثرا بجراحه.

وأشار المعتصمون إلى أن البلطجية كانوا يقدرون بنحو ثلاثين، يرتدون ملابس مدنية سوداء، ويستقلون سيارات رباعية الدفع شبابيكها مظللة. وفضلا عن عبارات السباب والشتم، كانوا يكثرون من ترديد عبارة "بعثية سفلة" وهم يضربون المعتصمين، في اشارة منهم إلى وقوف حزب البعث المنحل وراء تحريك الشارع العراقي ضد الحكومة.

وجرت الأحداث بعد مرور يوم واحد فقط على تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء نوري المالكي لوسائل الإعلام قال فيها “لدينا معلومات استخبارية أن هناك من يريد استهداف المتظاهرين عن طريق ارتداء زي الشرطة".

مضيفا أن "حق المتظاهرين مكفول على أن يكون بعيدا عن استهداف الممتلكات العامة وتحويل هذه المظاهرات إلى أعمال شغب".

سعد جاسم، طالب في كلية الإعلام، وأحد الذين كانوا داخل "سرادق الحرية" لحظة الاقتحام قال لـ"نقاش" إن "المعتصمين شعروا أن شيئا ما سيقع في الجوار، لكنهم لم يتوقعوا أن يتعرضوا للغدر من قبل الحكومة والقوات الأمنية".

ويضيف "قبل نصف ساعة أو اقل من الهجوم فوجئنا بانسحاب القوات الأمنية التي كانت تحيط بالمكان لحماية المعتصمين، وأيضا بانسحاب نقاط التفتيش الثابتة المحيطة بساحة التحرير، وسيارة الإسعاف التي كانت تتوقف قرب النصب، ثم انقطع التيار الكهربائي في المكان واستعان المعتصمين بمصابيح الشحن وبعض الشموع لإنارة الخيمة".

وكان المتظاهرون، ومعظمهم من الشباب الطلاب والعاطلين على العمل، قد بدأوا بالتجمع بالعشرات في ساحة التحرير منذ اندلاع الثورة المصرية في 25 كانون الثاني (يناير) الماضي، متضامنين مع أقرانهم المصريين المتجمعين في ميدان التحرير وسط القاهرة.

قبل ثورة مصر، كانت جميع المظاهرات منذ عام 2003 تنطلق من ساحة الفردوس، المكان الذي سقط فيه تمثال الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

ورفع المعتصمون العراقيون منذ بدء المظاهرات مجموعة من اللافتات المطالبة بتطبيق المادة 30 من الدستور التي تكفل للأسرة العراقية الضمان الصحي والاجتماعي والسكن الملائم، كما طالبوا بمحاكمة الوزراء الفاسدين، ووضع حد للتدهور الخدمي الحاصل في البلاد، وإيجاد حلّ لمئات آلاف العاطلين عن العمل، ووقف العمل بالمحاصصة الطائفية والعرقية في توزيع المناصب في البلاد.

شاكر علي (32) سنة معوق، وعاطل عن العمل فقد ذراعه الصناعي اثناء المواجهة وقضى الليل بطوله باحثا عنه، ولم يعثر عليه فبقي يتجول بذراع مقطوع.

يقول شاكر لـ"نقاش" ان احد المهاجمين سحبه من ساعده وضربه على ظهره بالهراوة، وحينما فوجئ بخلع الساعد أخذه منه ولم يعده إليه.

ويضيف "ربما كان هذا الأمر سببا في نجاتي فلولا أن ساعدي خلع في يد ذلك البلطجي لما تمكنت من الهرب والاختفاء بين الأشجار لحين نهاية الهجوم".

ويؤكد انه راقب المهاجمين يختطفون ثلاثة من المعتصمين الشباب بينهم أحدهم قدم من مدينة الناصرية الى جانب اثنين من أقرانه من بغداد، قبل الانطلاق بهم إلى جهة مجهولة.

وفي اليوم التالي توافد الى الساحة عشرات المتظاهرين من أطراف بغداد ومحافظات القادسية وذي قار وديالى لمشاركة المتظاهرين استنكارهم للاعتداء الذي طاولهم. أما شاكر، فقدم إلى المكان في اليوم التالي رافعا لافتة تطالب الحكومة بإعادة ذراعه، وإطلاق سراح زملائه المختطفين.

الانسحاب الأمني المريب الذي وقع قبل الحادث بنحو ساعة جعل المعتصمين متيقنين بضلوع أطراف حكومية وراء الاعتداء.

فطبقا للقانون، تخضع جميع نقاط التفتيش الموجودة في شوارع بغداد لتوجيهات قيادة عمليات بغداد، سواء كانت تلك النقاط ثابتة أو متحركة. وتنشر القيادة نقاط التفتيش في كافة أرجاء العاصمة حتى في الأيام الخالية من الاعتصامات.

ولأن المعتصمين يدركون تماما هذا الأمر فلم يترددوا في الإشارة إلى ما أسموه "غدر الحكومة" بالمعتصمين العزل.

وقال شاكر في هذا الصدد أن "الرئيس (نوري) المالكي وقيادة عمليات بغداد مسؤولون عن حمايتنا، ونحن نتهمهم بشكل مباشر في الاشتراك في الجريمة الحاصلة".

أما قيادة عمليات بغداد فنفت علمها بخلفيات الحادث والجهة التي نفذته، وكذلك فعلت الحكومة العراقية.

وقال حسون علي حسون القيادي في ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي لـ"نقاش" إن "حكومة المالكي المنتخبة ديمقراطيا لن تجازف بسمعتها أمام شعبها وأمام المجتمع الدولي في ارتكاب الاعتداء على المعتصمين".

واتهم حسون أطراف سياسية بتنفيذ الاعتداء بهدف "الإساءة إلى صورة الحكومة وإظهارها بمظهر المناهض للتظاهرات".

وقال إن "الخاسرين في الانتخابات السابقة سواء كانوا أطراف سياسية أو أفراد هم من يحاول تحريك الشارع ضد المالكي".

ويعترف حسون بفشل الوزراء السابقين في القيام بمهامهم في توفير الخدمات للناس، ويرى أنه هو السبب الرئيس في استثمار تلك الأطراف للشارع العراقي، "فلو أتقن الوزراء عملهم وكرسوا جهودهم لخدمة الشعب لما حصل ما حصل".

أما المتظاهرون الذين اجتمعوا في اليوم الثاني في ساحة التحرير تعبيرا عن سخطهم لاستهداف المعتصمين ليلا، فعبروا عن عدم اكتراثهم بتبريرات القادة الأمنيين والمسؤولين في الحكومة.

وقالت ميادة نعيم إحدى الناشطات المدنيات إننا "ندرس الخطوات القانونية الممكن اتخاذها ضد الحكومة العراقية بعد هذا الحادث، إلى جانب استمرارنا بالتظاهر".

وتتوعد عشرات من منظمات المجتمع الأهلي، فضلا عن رجال دين عراقيين كبار ومجموعات شبابية على موقع الفيسبوك، الحكومة العراقية بما أسموه "يوم غضب" شعبي حاشد، من المقرر أن ينطلق الجمعة المصادف 25 شباط فبراير من ساحة التحرير، ويجوب شوارع بغداد، على أن تستمر التظاهرات إلى حين تحقيق المطالب.