أتذكر النجف |
المقاله تحت باب مقالات و حوارات أتذكر النجف. ذهبت لها عندما كان عمري 6 سنوات. زرت الصحن الحيدري والحضرة. مكان روحاني عجيب، عندما تطأ قدمك المكان يتملك جسدك شعور رائع وغريب، وتحس بالأمان وهو يحيطك من كل موضع. تشعر أن الملائكة تحيطك وتحميك من كل مكان. حتى الآن أتذكر شيخاً من أولئك الشيوخ الذين يجولون بالحضرة كانت عمامته خضراء. مسح على رأسي وأعطاني قطعة قماش خضراء كذلك. حتى الآن أتذكر رائحة المكان، السقف، الكرستال المنقوش بالفن الإسلامي، كأنك تدخل قلعة من قلاع ألف ليلة وليلة. لما دخلت الساحة الخارجية الواسعة كانت الأرض كلها رخامية وباردة جدا وكانت الناس جميعاً تجلس بتجمعات صغيرة. كانوا يدعون ويصلون، وكنت أشعر أن كل الموجودين هم أهلي وناسي، وأن من المستحيل أن أصاب بأذى وسط هؤلاء الناس الطيبين الذين عمرت قلوبهم بالسلام والإيمان. كانت خالتي تمسكني من يدي فندخل معاً الحرم. كانت تقول لي: امسكي بقوة يدي لأننا سنصل القبر، أي تلك الرقعة التي دُفن بها الإمام علي. الناس في زحمة هناك تدور حول المقام، وأنا امسك بيدها بقوة وأتشبث بعبائتها حتى لا أضيع. كنت أسمع الناس تدعو وهي تُمسك بالإطار المعدني المحيط بالقبر، لونه فضي لامع ورائحة المكان تفوح بالمسك. كان البعض يبكي بشدة ويطلب من الله أن يغفر له ذنوبه ويهديه الطريق الصحيح. كنت اسمح نحيبهم وأشعر به وهو يتغلغل في جسدي، لم يكن بشعاً، على العكس شعرت إنه كان مثل رسائل غير مباشرة إلي من الله. أحيانا عندما تسمع شخصاً يبكي على ذنب ارتكبه بحق نفسه أو غيره تشعر وكأن بكاءه وصوته هو رسالة لك من الله. ثمة الكثير في حياتنا اليومية من الرسائل التي تصلنا من الله لكننا لا ننتبه لها لأننا مشغولين بأمور أخرى. مرة ذهبنا للمقبرة بالنجف ومشينا في المقبرة الكبيرة لكي نزور قبر جدي. حتى اللحظة أتذكر المنظر الترابي هناك، والهواء الأصفر لأن المدينة شبه صحراوية. لم أخش المكان كونه مقبرة، لقد أحسست بشعور عادي وكأني أقوم بزيارة أشخاص أعرفهم من قبل. أشخاص رحلوا ورحلت ذكرياتهم معهم. اختفى كل شيء يخصهم ولم يبق سوى الاسم والسنة والتاريخ الذي ماتوا فيه. في هذه اللحظة يشعر المرء كم أن الحياة صغيرة وسريعة. أنا ازور المقابر بين الحين والآخر حتى انبّه نفسي إلى وجودي وعدمي. |