دعوى قضائية ضد "العالم" |
المقاله تحت باب في السياسة نردد دوما ان اي وسيلة إعلام هي شخصية عامة، مثل الفنان والنجم السينمائي والسياسي، عليها ان تتلقى الاعتراض والنقد وحتى الشتيمة باهتمام، تماما كما تفرح بمن يثني عليها. ذلك أن الذم والاطراء كلاهما دليل على المتابعة، وهي الهدف الاساس من الكتابة الصحفية. لكن المؤسف ان تأتي الاشياء بمنطق آخر هو محاولة منع حرية التعبير، او السعي لثني الصحفيين عن القول. الداعي لتأكيد معاييرنا في انتقاء الملفات الصحفية، هو وجود دعوى قضائية تتعلق بتقرير اخباري نشرته جريدتنا، وكنا نتمنى ان يكون الاعتراض عليه بالطريقة المتعارفة، اي ان نتسلم تعقيبا توضيحيا ننشره تحت باب "حق الرد المكفول". لكن وزارة الشباب والرياضة تريد ان تواجهنا في المحاكم. ايضا فإنها تطلب تعويضا ماليا كبيرا يمكنه ان يخيف كل مؤسسة عراقية أهلية مواردها محدودة، وتتمكن بالكاد من تغطية نفقاتها التي تتعرض للتقليص اساسا كي تتعايش مع ظروف البلاد القاسية. بالطبع فإن خيار اللجوء الى القضاء امر معمول به في كافة انحاء العالم في قضايا النشر، ومن يثق بالمواد التي ينشرها، سيشرفه المثول امام قضاتنا الذين نثق بمهنيتهم، للدفاع عن حقه في قول الاشياء. لكن الرسالة التي يحملها هذا اللون من الدعاوى، تخيب آمالنا حيال مواقف الشخصيات الرسمية من الصحافة، والتي كنا نتمنى ان تبنى على اساس علاقة تفاهم وتعاون وتوضيح متبادل، ينتهي بخدمة معلومات الجمهور. عشرات الزملاء الصحفيين الذين واجهوا هذا الموقف طيلة الاعوام الماضية، تملكهم شعور الخيبة. معظمهم انتصر له القضاء، وهذا يخفف من الخيبة. لكن المرء يتمنى ان لا تصل الامور الى محاولة "لي ذراع الصحفي" او "تخويفه". "العالم" تقدم لقرائها كل يوم عشرات الافكار والمعلومات، وفق معايير معمول بها دوليا، اي انها تنشر من المعلومات ما كانت مطلعة شخصيا على صحته، او ما كان الخبراء والمسؤولون يدعمونه ويوثقونه. ثم يمكن ان يأتي خبير او مسؤول آخر ويرد التقييم والرأي، بتقييم ورأي مغاير، فتتضارب الآراء وتتكون صورة جيدة عن الملف المعني. وحين يتعلق الامر بالموضوعات العامة ولا سيما الاتهامات التي تتعلق بخلل اداري او تلكؤ في مشاريع استراتيجية، فإن وسيلة الإعلام تجد نفسها ملزمة أمام القارئ لطرح رأي الخبراء، كما تتمنى ان تكون نتيجة النشر، ظهور رأي علمي او اداري مختلف يقدمه الطرف المسؤول ليصحح ما يمكن ان يكون خفي علينا او على القراء. بعض المسؤولين في الدولة ينجحون في تقدير هذه الدوافع، وحين يعترضون فإنهم يعمدون الى التوضيح وهو سبيل يكرس التعاون بين الصحفي والسياسي. ويحصل كل يوم في صحفنا ومحطاتنا الاذاعية والتلفازية، ان ننشر تعقيبات يمكنها ان ترد تهمة او توضح شكا، او ترد الحجة بالحجة. العديد من الوزراء وكبار الساسة يبعثون لنا توضيحاتهم، ونعاملها بتقدير مسؤول كما احسب. اما البعض الآخر من المسؤولين (او ممن يحيط بهم)، فلا يقدر هذه الطريقة. انه يلجأ الى محاولة تقييد وسيلة الإعلام بمبالغ مهولة "تعويضا عما تقول" وكأننا ندير تجارة بالمليارات، في هذا البلد الذي يمزقه العنف وتتقلص فيه فرص الحركة السليمة لرؤوس الأموال. ما يؤلمني ايضا امكانية ان تنقلب العلاقة بين الصحفي والمسؤول، من تفاهم وتعاون مفترضين لا يعكر صفوهما الخلاف في الآراء كما في الدول المتقدمة، الى عداوة يمكنها ان تتعاظم وتضطر وسيلة الإعلام الى الحديث بصراحة عما تتعرض له. قبل ايام دخلت المحكمة بسبب القضية التي اتحدث عنها، وكانت تجربة اخوضها لأول مرة في حياتي. نجحنا في تأجيل النظر بالقضية ريثما نقوم بالاستعدادات القانونية. ولا زلت اتمنى حتى هذه اللحظة، ان تأتي مبادرة من الطرف المشتكي كي نحمي العلاقة بين الصحفي والمسؤول الكبير، من خيبة كبيرة وسط تجربتنا الفتية هذه، كصحفيين او ساسة. اما اذا كان المطلوب محاولة منعنا او تخويفنا، وهو ما لا اتمنى ان تقصده وزارة الشباب والرياضة، فإننا على استعداد دوما للدفاع عن دورنا الصحفي. لقد كشفنا خلال الشهور الماضية العديد من المعلومات التي تهم الرأي العام. ونحن مستعدون لدفع ثمن ذلك. مستعدون ايضا لنشر الرأي المضاد والمغاير. لأنه ثمن ان نكون أمناء مع جمهورنا، وبدون الأمانة هذه لن نستحق من القراء اي عناية. نثمن كذلك كل الدعم غير المحدود الذي تطوع العشرات من الزملاء والمؤسسات المحلية والدولية بتقديمه، لجريدتنا. ثقة هؤلاء بنا كنز لا يفنى.
________________________________
يعلن موقع " الكاتب العراقي" عن تضامنه مع جريدة "العالم" الغراء واستنكاره الشديد لسلوك وزارة الشباب والرياضة.
|