المقاله تحت باب نصوص شعرية في
22/09/2010 06:00 AM GMT
الكتابةُ قِناعُ الشَّيْطانِ أيْضاً لكي يغوي فتياتِ الحَيِّ. مُنذُ حِيْنٍ كانَ ينفُثُ سِحْرَهُ في السُّطُوْرِ لتمَّحِيْ. كانَ يَرْتعِشُ في عَلامَاتِ التعجّبِ. ألمْ يَختبئْ فِي المَحْبَرَةِ لِكي تَصِيْرَ قُمْقُماً لِلجِّنّيِّ البَلاسْتيكيّ المُتمَطِّيْ بين جُدْرَانِها؟. ألمْ يَتحَرَّكْ في سَوَادِ المَقالةِ لكي تـُشِعَّ بالأنوَارِ؟. الشَّيْطانُ المَوْهُوْبُ بفمٍ مُبلَّلٍ شبَقيٍّ، وَقصَبَةٍ شقراءَ يُمْكنُ أنْ تكوْنَ فزّاعَةً في المُرَبَّعِ الزِّرَاعِيّ لتصيرَ مِسْمَارَاً في مُثلثِ الذبابِ. الكتابَة أدَاتهُ فِي خَدِيْعَةِ الحُقُوْلِ والخلائِقِ:
لكي يُلغي حِكْمَةَ المَوْجُوْدِ لكي يَمْحِو قَطْرَةَ العَرَقِ عَلى جَبْهَةِ اليَتِيْمِ وَيُدْمِجَ الكوَابيسَ فِي عِلَّةِ السَّعَادَة
أنتصرُ لليدِ المُرْتجفة أنجزتُ، بجَدَارَةٍ، دَوْرَةَ الفُصُوْلِ في هُجْرَةِ مَالِكِ الحَزِيْن. مَحَوْتُ المَاضِيْ بضرْبَةِ عَصَا سِحْرِيّةٍ. وعَلى مَسَاقطِ الضَّوْءِ في الحَانةِ التي أشربُ فيها نخْبَ الحَاضِرِيْنَ اتكأتُ أخيراً. أمّا المُسْتقبل فقدْ رَحَوْتُهُ فِي رَحَى أسْلافِي الحَجَريّة فظلّ يتناثرُ حَبّةَ قمْحٍ بَعْدَ حَبّةٍ من أجلِ أيْدِيْ الزَّارِعِيْنَ. البَصَلُ والبَطّيْخُ الأحْمَرُ وبَاقة الرَّيْحَانِ تتجَاوَرُ عَلى مَائِدَةِ عَائِلتي. الخُبْزُ قرْبَ شفرَةِ السِّكّيْنِ أيْضاً. أيْدِيْنا المُرْتعِشةُ تتلمَّسُ شفاهَنا بَحْثاً عن الكلمةِ المُناسِبَة. أنتصِرُ الآنَ: للرَعْشةِ غير المرئيّةِ في القمِيْصِ المُعَلَّقِ في الخزانةِ، للبُذوْرِ الخَرْسَاء التي تتأوّهُ فِي مَطْحَنةِ الحُبُوْبِ، ولليدِ التي تشُقُّ الهَوَاءَ تعبيراً عن نفسِها الدهاليز لمْ يكنْ بدّ مِن التجْوَالِ فِي الدَّهَالِيْزِ الإثني عَشرَ لِهذِهِ السَّنةِ المَرِيْضةِ. سَيَكُوْنُ طرِيْقُ العَوْدَةِ مَحْفُوْفاً مِنَ الجَّانِبَيْنِ بأيَّامِ الجَّهْلِ السَّبْعَةِ وأيْتامِ الخَلِيْقةِ. لا بُدَّ مِن اخْتِرَاقِ بَقايَا مَعَابدِ الصَّحْرَاءِ والمُرُوْرِ بَيْنَ الشُّعُوْبِ المُهَاجِرَةِ، قبْلَ الوُصُوْلِ إلى المَرْجِ المُوْشِكِ عَلى الاختِفاءِ: هَلْ كانَ ضَرُوْرّياً القتالُ حتى آخر ناب هَلْ كانَ رَشْقُ الدَّمِ عَلى وَرَقةِ الكِتابَةِ ضَرُوْريَّاً لكي تتخصَّبَ الدُّمُوْعُ المُتجذرةُ في العِصْيَان؟ رَمَى النجّارُ أمَامي هَيْكلاً
رَمَى النَّجّارُ أمَامِي هَيْكلاً وَقالَ: اجْلِسْ فِي مَلكُوْتِ الصُّنّاعِ. قرَّبَ قالبَاً مُزخْرَفاً مِن أنفِي وَقالَ: شُمَّ عُطوْرَ الغابَةِ، اسْتسلِمْ لِشرَاهَةِ أسْنانِ المِنشارِ، اقبضْ عَلى العُرْوَةِ الوُثقى فِي خشَبِ البَابِ، امْشِ في أبَّهَةِ الصَّنْدَلِ عَلى البلاطةِ وَانقرْ بإصبعِكَ أخِيْرَاً عَلى لوْحِ الطاوِلةِ: لعلكَ وَاجدٌ دُمْيتكَ الأولى لعلكَ في عَجيْنةِ الخـَلْقِ لعلكَ في أرُوْمَةِ الحَيْرَةِ المُشترَكةِ
فنون الشعر صُنـَّاعُ القصِيْدَةِ حَاكوا النقوشَ نفسَهَا عَلى أنوَالِ الجّدّاتِ. زيَّنوا بالآهَاتِ أفوَاهَهُمْ المَخمُوْرَةَ ثم المتهاوية في صحون النـُّدَمَاءِ. بالشـَّمْعِ الأحْمَرِ ختمُوَا السِّرّ عَلى قلوبنا: كي لا ينحَرِفَ أحدٌ عَن الجَّادَةِ الكبْرَى العَامَّةِ كي نزدَهِرَ سَرِيْعَاً وَنمُوْتً سَرِيْعَاً كازدِهارِ الوَرْدَةِ السَّرِيْعِ ثمَّ ذبُوْلِهَا السَّرِيْعِ
"بئر علي" ثمَّ مَرَّتِ العَذرَاءُ عَلى "بئر علي" . ثوْبُهَا مَنفوْخٌ بالرِّيْحِ عَلى سِعَةِ المَشْهَدِ. لا صَوْتَ سِوَى النِّبَاحِ الأجَشِّ لِلكَلبِ العَجُوْزِ. لا إيمَانَ سِوَى بأحْجَارِ البئرِ الصّوانيّة آخِرَةَ النهارِ. الكلْبُ العَجُوْزُ رُوْحِيْ، أحْجَارُهُا أصَابعِيْ. لكنها مَرَّتْ مِنْ بَيْنِ أصَابعِيْ، وَنشَجَتْ فِيْ رِئتِيْ نشيْجَ الخَسْرَانِ: "بئر علي" مَطْمُوْرةٌ بالضَّوْءِ "بئر علي" مَمْحوّة تحْتَ صَفِيْرِ الحَشرَاتِ "بئر علي" تائِهة فِي الرِّيْفِ بثَوْبٍ عَرَيْضٍ
"بار الباشا" ضرَبَتِ العَاصِفةُ قنانِي الجِّعَةِ المُمْتازةِ الخضْرَاء في "بار الباشا" فأجْهَشَ تِيْنُ الحيِّ القدِيْمِ بالبُكاءِ في صُحُوْنِ السكارَى. ندَمٌ يتسَاقطُ مِن سَقفِ "الباشا" الرَّطْبِ، وذكرَيَاتٌ تتفتتُ كالآجُرِّ البالي. عَيْنٌ جَاحِظةٌ تصْدَحُ بالغِناءِ فجأة. ضرَبَتْ فتحرَّكتِ الكرَاسِيْ وارتجَفَ الطائِرُ في جَسَدِ السيّدِ الجَّالِسِ وَحِيْداً مَعَ كأسِهِ، مع أمْسِهِ: يتأمَّلُ الهِلالَ على أظفرِهِ يرنو في لمَعَانِ صَحْنِهِ الخالي بينما تتناثرُ بقايَا العَاصِفةِ، بهُدُوْءٍ، حَوْلَ كتِفيْهِ
طائرُ الماء صَرَخَ عَلى صَفْحَةِ المُسْتنقعِ فاسْتفاقَ أرْبابُ الرَّافِدَيْنِ النائِمِونَ فِي الأعْمَاقِ. تبَلّلتْ لُحَاهُمْ القرْمُزِيّةِ. ثم بَدَأوا بنشَيْجٍ وَاحِدٍ بَيْنَ القصَبِ، نقلتـْهُ الرِّيْحُ مع جَناحَ الطَّائِرِ بَعِيْدَاً. هَا هِيَ زُهُوْرُ آدَمَ مَفرُوْشة عَلى أعْشَابِ حَوَّاء: هَا هُوَ المِيْرَاثُ مَقضُوْمَاً بين الفكِّين الدَّامِيين هَا هِيَ الجَّنةُ مُحْتلَّةً هَا هِيَ الفضَائِلُ مِنْ دُوْنِ ظِلالٍ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1- بئر علي: قرية تابعة لمدينة صفاقس. 2- بار مشهور في مدينة قابس، جنوب تونس.
|