سياسة أم عبادة؟

المقاله تحت باب  قضايا
في 
02/09/2010 06:00 AM
GMT



نقاش :
"فرصة ذهبية" تلك التي يمنحها شهر رمضان للأحزاب الإسلامية في كردستان، حيث تختلط فروض الطاعة والعبادة بالحملات الدعائية ومحاولات كسب تأييد الشارع. أما رسميا، فتنفي معظم الأحزاب الإسلامية استغلالها شهر الصيام في تحقيق أغراض سياسية.

ويشكل المسلمون نسبة اكثر من 95% من سكان اقليم كردستان، ويبلغ عدد المساجد والجوامع في محافظاتها الثلاث أربيل والسليمانية ودهوك 4563 مسجدا، ويتقاسم الإسلام السياسي ثلاثة تنظيمات لكل واحد منها جمهوره وتاريخه الخاص.

الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية والحركة الاسلامية، الاحزاب الاسلامية الرئيسية في كردستان العراق، يتفقون جميعا في تعريفهم لجوهر شهر رمضان بأنه شهر "نزول القرآن" وشهر العبادة والتقرب الى الله، لكنهم يختلفون في اغتنام هذه الفرصة من أجل نشر دعوتهم والتعريف بتنظيماتهم لدى الناس ومحاولة كسب عدد كبير من المؤيدين والأعضاء.

من المظاهر التي يمكن رؤيتها بوضوح في إقليم كردستان مع مجيء رمضان، تلك اللافتات والشعارات التي تلصق على الجدران، تحمل في ذيلها اسم الجهة او الحزب السياسي الذي أشرف على طباعتها.

وتحرص الأحزاب الإسلامية الكردستانية على تنظيم الدعوات والاجتماعات ومآدب الإفطار الجماعية وبعض الفعاليات الاخرى.

حول تلك النشاطات الدينية- السياسية، أشار المختص بالشؤون الدينية والأحزاب الاسلامية في كردستان العراق مريوان النقشبندي، الى أن "كل الجهات السياسية، بمن فيهم العلمانيين، يحاولون اغتنام رمضان من أجل مصالحهم الخاصة والاستفادة من أجواء الصيام بدرجات متفاوتة واهداف مختلفة".

وأكد النقشبندي على أن الإسلاميين أكثر الجهات نشاطاً في رمضان، لأن هناك أعداد كبيرة من المصلين يتجهون نحو المساجد، حيث للأحزاب الاسلامية دور أكبر، متابعا أن "المساجد تعتبر معقل الاسلاميين".

واعترف النقشبندي بامكان الاستفادة من رمضان من الناحيتين الدينية والدنيوية، مضيفا "على الرغم من أن الاحزاب الاسلامية تشير إلى أن هدفها من الاهتمام برمضان هو ارضاء الله، لكن حينما تشاهد لافتات وشعارات عليها اسم الحزب، تختلط الغاية السياسية والدنيوية بالدينية".

الحركة الإسلامية، أقدم الأحزاب الإسلامية الكردية التي تأسست سنة 1987 كحركة جهادية على يد مجموعة من رجال الدين ولهم مقعدين فقط في برلمان الاقليم، شددت على أن في هذا الشهر "عبرة جهادية" للمسلمين، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن رمضان "أفضل الاوقات لممارسة السياسية".

العضو القيادي في الحركة الاسلامية، عرفان أحمد كاكه محمود، فضلا عن وصفه شهر رمضان بأنه شهر "فضيل وشهر نزول القرآن" قال "هناك رسالة جهادية في رمضان لكافة المسلمين"، لافتا إلى أن حيث ان الذكرى السنوية لمعركة بدر (أولى معارك المسلمين) تصادف يوم 17 من هذا الشهر والذي "انتصر فيها رسول الله على كفار قريش".

كما شدد كاكه محمود على أن شهر رمضان هو شهر السياسة "فالدين والسياسة مترابطان ومتلازمان ولاينفكان الى الابد". وأوضح أن "رمضان فرصة مهمة للحملات الدعوية.. الدعوة جزء من السياسة لذا نحن نهتم بالسياسة في رمضان أكثر من أي وقت اخر".

الحركة الاسلامية إحدى الاحزاب التي حرصت على نشر العشرات من اللافتات والشعارات في المناطق العامة. ويمكن يمكن رؤية هذه اللافتات في كافة مدن الاقليم.

كما تستعد الحركة الاسلامية لتنظيم فعاليات اخرى مثل إعداد موائد الافطار الجماعية، لكن المسؤول في الحركة قال إن "هذا النوع من النشاطات سيقام في الأيام الأخيرة من الشهر الفضيل".

وعلى الرغم من الكثافة الملحوظة في نشاطات الأحزاب الإسلامية إلا أن الاتحاد الاسلامي في كردستان، وهو الذي تأسس سنة 1994 كحزب سياسي معتدل له ستة مقاعد في برلمان الاقليم واربعة في البرلمان العراقي، أكد على أن "الشهر الكريم هو أحد الشعائر الدينية ولايمكن ممارسة السياسة فيه، أو استغلاله لاغراض تنظيمية خاصة بالحزب".

وأفاد عضو المكتب السياسي للاتحاد الاسلامي، الدكتور محمد احمد، في تصريح لـ "نقاش" أن حزبه "لا يمارس السياسة في رمضان لكن قنواتنا الاعلامية تعمل كمشجع ايجابي للناس كي يفهموا معاني وفلسفة هذا الشهر".

أحمد والذي يشغل منصب رئاسة مجلس شورى الاتحاد الاسلامي في الوقت نفسه، أضاف "نحن نوقف جميع نشاطاتنا ونوظفها في خدمة شهر رمضان، لان هذا الشهر خاص بالعبادة والعلاقات الروحية التي نحتاج اليها جميعا".

يأتي حديث أحمد في وقت ان حزب الاتحاد المذكور ليس بمعزل عن الفعاليات التي تقام بمناسبة شهر رمضان وله المئات من اللافتات والشعارات ترحيبا بهذا الشهر.

كما ان للاتحاد سلسلة من النشاطات الاخرى أيضا، كان اخرها مراسيم تكريم عدد من كتاب مدينة حلبجة بمحافظة السليمانية قبل أيام معدودة باسم "مراسيم القدر".

من جانب آخر، تتخذ الجماعة الاسلامية الكردستانية موقفا وسطا من بين رؤية الجماعتين المذكورتين من رمضان، حيث تؤيد تقليص العمل السياسي إلى الحد الأقصى، وإيقاف العديد من النشاطات الحزبية الداخلية كما يزعم قياديين فيها.

فالجماعة الاسلامية التي تأسست بعد انشقاقها عن حركة الوحدة الاسلامية في أيار مايو 2001 والتي لها أربعة مقاعد في برلمان الاقليم ومقعدين في بغداد "وضعت السياسة جانبا" في هذا الشهر، كما يشير عضو المكتب السياسي للجماعة عبدالستار مجيد، وذلك "من اجل الاهتمام بالجوانب التربوية الاخرى داخل الجماعة".

ويقول مجيد، "أوقفنا الأعمال الحزبية والادارية بشكل تام عدا بعض الاعمال الروتينية والسياسية الهامة، وركزنا على الجوانب التربوية". وأضاف "أما من الجانب الاعلامي فقد أولينا رمضان اهتماما خاصا".

لكن الجماعة الإسلامية وبحسب مراقبين، لم تختلف عن مثيلاتها في كردستان في نشر اللافتات والشعارات واعداد موائد الإفطار الجماعية.

من جانب آخر، يشير المختص بشؤون الديانات في كردستان مريوان النقشبندي، الى ان الاسلاميين لم يتمكنوا من الاستفادة السياسية من رمضان في هذا العام بالمقارنة مع الاعوام السابقة، وذلك بسبب "الأزمات الداخلية التي تعصف بهم".

ويوضح النقشبندي ان لدى الاحزاب الاسلامية "ازمة تنظيمات وخلافات حادة"، خصوصا بعد المؤتمرات الداخلية التي اقاموها هذا العام، في اشارة الى كل من الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية، هذا عدا الكثير من المشاكل والازمات بين قياديي الحركة الاسلامية على حد قول النقشبندي.

ويضيف المختص "ظهرت مشكلات عدة في المؤتمر الداخلي للاتحاد الاسلامي في أيار (مايو) من هذا العام، كان ابرزها عدم موافقة قسم من الاعضاء على اعادة ترشيح صلاح الدين بهاء الدين كأمين عام للحزب من جديد"، هذا عدا مجموعة من اللازمات والخلافات الاخرى.

الحال نفسه بالنسبة للمؤتمر الداخلي للجماعة الاسلامية المنعقد في تموز (يوليو)، حيث ظهرت "أزمات كبيرة في فروع الحزب في المحافظات مازالت تأثيراتها قائمة لحد الان" على حد قول النقشبندي.

أما بخصوص الحركة الاسلامية، فيوضح المختص في شؤون الديانات ان الخلافات الداخلية لهذا الحزب اكبر واشد من الحزبين السابقين، حيث خلافاتهم وصلت الى حد لم يستطيعوا معه الحصول حتى على مقعد واحد في مجلس النواب العراقي.

ويؤكد النقشبندي أن تلك المشكلات شغلت الأحزاب عن التعبئة والتحشيد السياسيين في رمضان، ودفعتهم للتفرغ اكثر إلى حل المشكلات التنظيمية.

ويشير المتابعون السياسيون في اقليم كردستان الى ان نفوذ وشعبية الحركات والاحزاب الاسلامية الكردستانية في تراجع مستمر خلال الاعوام الماضية وهذا ما يمكن رؤيته من خلال تراجع عدد المقاعد التي حصلوا عليها في البرلمان الكردي من جهة، ومجلس النواب العراقي من جهة اخرى.