دوش ماء بارد للصائمين، وعقوبات للمجاهرين بالافطار

المقاله تحت باب  قضايا
في 
29/08/2010 06:00 AM
GMT



 نقاش:
تبدو أسواق الموصل مع ساعات ما بعد منتصف النهار شبه خالية، فالصائمون يلزمون بيوتهم بعد أن وصلت درجات الحرارة هذا الصيف إلى معدلات غير مسبوقة، وتجاوزت الخمسين مئوية، كما أن معظم الطرق الرئيسية والفرعية المؤدية الى الاسواق أغلقت من قبل الاجهزة الامنية المنتشرة لتنفيذ عمليات ام الربيعين الجارية منذ اكثر من عامين.

ظاهرة ضعف الاقبال على اسواق الموصل القديمة الرئيسية كالسرجخانة وباب السراي وباب الطوب، تحدث للمرة الاولى، حسب الباحث والمؤرخ عبد الجبار الجرجيس الذي قال إنها كانت تعج في رمضان من كل عام بالاف المواطنين القادمين من كل الانحاء، ولم يكن الصخب والضجيج ليختفيان، الا بعد لحظات قليلة من اطلاق مدفع الافطار.

الاعلامي يونس فتحي قال لـ "نقاش"، ان انفلات الوضع الامني في مدينة الموصل وتحديداً منذ اليوم الذي يعرفه الموصليون بالسقوط الثاني، وكان في 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2004، تسبب بإحداث تغيرات في جغرافيا الاسواق، التي حافظت على تماسكها طوال الف عام تقريباً.

في ذلك اليوم سقطت المدينة بكامل مرافقها وأسواقها باستثناء مبنى المحافظة بيد مسلحي دولة العراق الاسلامية. وخلت الموصل من الوجود الأمني بعد أن سيطر المتشددون على مقرات الشرطة الرئيسية.

الخوف من التفجيرات المفاجئة، واطلاقات النار العشوائية، والاغتيالات، واغلاق الطرق لفترات طويلة ،يقول فتحي، جعل المواطنين يتجنبون التبضع في مناطق بعيدة عن محلات سكناهم، "وهكذا انتقلت محال بيع الالبسة، والعطور، والمواد الغذائية، والادوات المنزلية، والفواكه والخضر، وحتى الاطباء والمختبرات الصحية، الى داخل المناطق السكنية او قريباً منها وبدأ يتراجع تدريجيا نشاط الأسواق الكبيرة".

الحاج محمود الكواز وهو تاجر البسة في الستين من عمره، اعتبر ضعف النشاط التجاري في اسواق الموصل "حالة مؤقتة"، وذكر بان المواطنين "اقتنوا اغلب احتياجاتهم قبل حلول شهر رمضان، لانهم يعرفون مدى صعوبة ومشقة القدوم الى السوق بسبب حرارة شهر آب اللاهبة، وانهم سيضطرون في كل مرة الى قطع مسافة كيلومترين او ثلاثة مشياً على الاقدام بسبب غلق الطرق لدواع امنية".

الملازم الاول عزيز احمد، وهو من الشرطة الوطنية، يتركز واجبه عادة في القرب من باب السراي اقدم الاسواق واكبرها على الإطلاق في الموصل، قال إن الاجهزة الامنية اضطرت الى غلق معظم المنافذ والافرع الثانوية المؤدية الى هذا السوق وما يجاوره من اسواق اخرى، وابقت على منفذين احدهما للدخول والاخر للخروج، "تحسبا للقيام باختراقات امنية، وذلك بعد ارتفع معدلات حوادث الاغتيال التي طالت مدنيين وغيرهم في وضح النهر داخل هذه الاسواق في الأأشهر الماضية".

"ففي كل مرة كان يظهر فيها الارهابيون بمسدساتهم الكاتمة الصوت كانوا يهربون عبر الافرع الضيقة بعد تنفيذ العملية ويختفون كالاشباح" يقول أحمد، مضيفا أن "العمليات الارهابية تزاد في شهر رمضان".

الوضع الامني، غير ايضاً طقساً مهما من طقوس رمضان، كان يمارسه المواطنون في الموصل طوال عقود ما قبل 2003، وهو التجوال في الاسواق والتبضع ليلاً بعد الافطار. هذا الطقس اختفى، مع فرض حظر التجوال الليلي.

وبحسب المؤرخ المكتبي حميد عبد الله فان سبباً آخر يقف وراء اختفاء التسوق الليلي في رمضان وهو انقطاع الكهرباء.

وأشار الى ان هذا الطقس تراجع في معظم اسواق الموصل منذ عام 1991، اي بعد الحرب العراقية الامريكية الاولى، وتفاقم الامر بشكل أكبر بعد الحرب الثانية في عام 2003.

في المقابل، طفت على المشهد الرمضاني هذا العام ظواهر جديدة لم يألفها الموصليون من قبل. أحدث تقليعة انتشرت في أسواق الموصل هي ما يسميه الأهلي "الدوش السفري".

بائع مواد منزلية في شارع الكورنيش في مركز مدينة الموصل، فضلا عن مئات المحلات التجارية والمطاعم في منطقته بدأت بوضع "دوش" وهو عبارة عن خرطوم مياه ينتهي بدش حمام، يوضع بشكل عمودي في مدخل المحل، يستخدمه عموم المواطنين الهاربين من حرارة آب، وتعب الصيام في تبليل أجسادهم.

البائع ذكر بشيء من المرح "بدأنا نستخدم وسائل متحضرة، في اقناع المواطنين بإرتياد الاسواق، لقد جلبنا لهم حمامات متنقلة، ولم يعد بوسع احد التذرع بارتفاع درجات الحرارة".

هذه الظاهرة، تفشت بسرعة كبيرة، وانتقلت عدواها الى معظم الاسواق الكبيرة في الموصل.

وشرح ثابت عبد اللطيف 53 سنة، وهو بائع قماش في سوق البزازين، كيف انتشرت ظاهرة "الدوش السفري"، وقال بأن المحال التجارية التي تضع خراطيم المياه تلك، كانت تقدم مياه الشرب الباردة مجاناً قبل رمضان، "ولأن معظم الناس صائمون في رمضان، لجأؤا الى طريقة اخرى لكسب الحسنات وربما الزبائن، من خلال ابتكار الحمامات المجانية".

الوضع الامني وغلق الطرق وارتفاع درجات الحرارة ليست الاسباب الوحيدة وراء قلة ارتياد الاسواق في الموصل رمضان هذا العام.

تاجر المواد الغذائية فراس فاضل، أكد ارتفاع الاسعار المبالغ كان سبباً اضافياً. ولفت فاضل الى ان توقيت ارتفاع الاسعار مع قدوم شهر رمضان سببه عدم انتظام توزيع مفردات البطاقة التموينية على المواطنين، اضافة الى حدوث ارتفاع في الطلب مع انخفاض في المعروض قبل بداية الشهر، فحدثت فروقات الاسعار، "وهي حالة مؤقته وستنتهي مع انتهاء شهر رمضان" على حد قوله.

من جهة أخرى، سارعت محافظة نينوى الى الاعلان عن عقوبات ستواجه كل من يفطر بشكل علني في اسواق الموصل، دون ان تحدد ماهية تلك العقوبات. وقالت محافظة نينوى ان قوات من الجيش العراقي والشرطة المحلية، ستقوم بمتابعة ذلك و"القبض على كل من يثبت افطاره العلني".

على أرض الواقع، فإن حالات الافطار العلني التي ترصد في شوارع الموصل عادة يكون مصدرها عناصر في الجيش او الشرطة المرابطين في نقاط التفتيش المنتشرة بشكل كثيف في كل مناطق الموصل وكذلك في الاسواق.

أحد أفراد الشرطة قال لـ "نقاش" انه وزملائه "يضطرون الى القيام بواجباتهم في الغالب تحت اشعة اشمس الحارقة، ويصعب على الكثيرين منهم الاستمرار في الصيام".