شباب مستعد للموت.. مقابل 500 دولار |
المقاله تحت باب قضايا نقاش : أوراس الدفاعي 21 عاما من بغداد، التحق هذا العام بالكلية العسكرية الثانية ومقرها محافظة السليمانية شمال البلاد، بعد نجاحه في الاختبارات الصحية والعملية التي أهلته للدخول ضمن صفوف المؤسسة كضابط مجند. مخاطر عدة أحاطت بالدفاعي وغيره من المتطوعين تبدأ مع محاولات استهدافهم المتكررة عند بوابات مراكز التطوع في شتى أنحاء البلاد، مرورا بالإصابات البليغة التي تطالهم أثناء تأدية واجبهم العسكري، وليس انتهاءً بإحالتهم على التقاعد وإنهاء خدماتهم من دون أي تعويضات ملموسة. ورغم شهادة الدبلوم من معهد النفط التي يحملها يقول اوراس الدفاعي ان "المخاوف من البطالة والخشية من عدم الحصول على وظيفة بعد تخرجي من دراسة الدبلوم هي من دفعتني للالتحاق في صفوف قوات الجيش". آخر الاستهدافات ضد المتطوعين وعناصر الجيش كان قد حصل يوم الأربعاء 26 آب أغسطس الجاري وذلك عندما قتل وجرح أكثر من 300 شخص في عشر محافظات، اثر انفجار 13 سيارة مفخخة و14 عبوة ناسفة. واسهدفت سلسلة الهجمات خصوصا مراكز وحواجز للشرطة في العراق. قبلها بأيام وتحديدا في 17 آب أغسطس الجاري، فجر إنتحاري نفسه عند بوابة المقر السابق لوزارة الدفاع في منطقة باب المعظم ببغداد. وأدى الحادث الى مقتل ما يقارب الـ 60 متطوعا وجرح أكثرمن 100 أخرين، في أكبر حصيلة قتلى بهجوم واحد منذ مطلع العام الجاري. مصدرعسكري في وزارة الدفاع قال تعليقا على حادث مقر وزارة الدفاع الذي وقع قبل يومين من إنسحاب آخر كتيبة أميركية مقاتلة من البلاد إن "اللجنة المكلفة بالتحقيق في وقوع تفجيرات 17 آب أشارت إلى وجود خطأ في تحديد مكان ساحة الميدان كمركز لتجمع المتطوعين". واضاف أن المنطقة غير مؤمنة ومفتوحة على مناطق عديدة منها مناطق كانت تعد ساخنة مثل حي الفضل وساحة الميدان وجزء من شارع الرشيد". اللواء قاسم عطا المتحدث باسم قيادة عمليات بغداد علّق على كلام المصدر قائلا: "لا ننفي وجود خلل قد يكون في اختيار مكان التجمع أوالأجراءات الأمنية المتخذة"، مؤكدا أن لجنة التحقيق سوف تتوصل الى كشف التقصير. بالرغم من هذه الاستهدافات والمخاطر المحدقة بعمله، يرى أوراس الدفاعي المتطوع في الجيش العراقي إن "المهنة العسكرية تظل أفضل من أي مهنة أخرى في البلاد حاليا، كونها مهنة مضمونة وفيها إمتيازات عدة يمكن الحصول عليها مستقبلا بعد إستقرار الأوضاع في البلاد". أما الامتيازات التي يقصدها فهي عبارة عن "قطعة ارض وقرض سكني وسيارة حديثة". بعض المتطوعين ترك مهنة الآباء والأجداد، وتخلى عن الحياة المدنية الميسورة التي كان يتمتع بها، كما حصل مع أحد اقرباء الدفاعي وهو الملازم أول نشوان كنعان الذي يمتلك والده محل لصياغة الذهب توارثه عن أجداده، "فالمال يروح ويأتي لكن الوظيفة تبقى مصدر ثابتا للدخل" يقول كنعان، مضيفا أن "عمليات استهداف صاغات الذهب تفوق حوادث استهداف الشرطة وقوات الجيش". البعض الآخر تحدى عائلته ورفض الإنصياع الى النصائح التي قدمت له بالتخلي عن رغبة التطوع. من بين أولئك الشباب، عمر المقدادي 18 عاما الشاب البغدادي ذو السحنة السمراء، الذي انضم مؤخرا إلى القوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية. يقول المقدادي "الفرصة تأتي مرة واحدة وليس مرتين وسنحت الفرصة من دون مقابل في حين دفع بعض أقراني مبالغ مالية كبيرة لكي يتم قبولهم في وظيفة مماثلة"، مؤكدا ان ممانعة عائلته ستتبدد بمرور الزمن. الحال يختلف بالنسبة الى الملازم أول محمد الساجي الذي سبق الدفاعي في الإنضمام الى الكلية العسكرية الأولى في منطقة الرستمية شمال شرق بغداد، ليتخرج منها قبل ثلاث سنوات برتبة ضابط صف، فهذا الشاب البالغ من العمر 24 عاما دفعته تقاليد العائلة الى الانضمام الى المؤسسة العسكرية. ورغم أن عائلته من العوائل البغدادية الثرية التي تملك سلسلة عقارات سكنية واراضي زراعية في بغداد ومحيطها، الا أن الساجي أراد من خلال الالتحاق بالعسكرية أن يسير على درب أخواله الضباط وأبنائهم أيضا. "أحببت المهنة العسكرية من خلال أحاديث اخوالي وابنائهم، اضافة الى ما تحمله هذه المهنة من هيبة ووقار للشخص ولعائلته" يقول الساجي. وعلى الرغم من ورود استثناءات كالساجي، إلا أن معظم الشباب الذين يصطفون لساعات بانتظار تقديم أوراقهم لمراكز التطوع تحت درجة حرارة تصل إلى الخميسن مئوية، يأملون بالحصول على مرتبات شهرية قد تصل قيمتها الى 600 الف دينار كمرتب أسمي، أي ما يعادل 500 دولار أميركي. الشباب الذين قتلو عند ابواب مراكز التطوع في السنوات الماضية او جرحوا لم يحصلوا على تعويضات تذكر من الحكومة أو المؤسسة العسكرية. ومؤخراً أصدر وزير الدفاع عبد القادر العبيدي قرارا منح فيه ضحايا تفجير باب المعظم الحقوق والامتيازات التي يحصل عليها الجندي في الجيش، والتي تبلغ 600 الف دينار (حوالي 500 دولار). أما الجرحى فقد قبلوا ضمن صفوف قوات الجيش العراقي. لكن هذه التعويضات لن تكون كافية من وجهة نظر أهالي الضحايا، "ويمكن أن تلغى إذا ما تغير وزير الدفاع الحالي كما حدث مع عشرات القرارات السابقة" على حد قول الحاج عبد الستار الفلاحي من سكنة مدينة الصدر شرق بغداد، وهو والد احد الشباب الذين راحو ضحية التفجير عند مقر وزارة الدفاع. أما ذوي الضحايا من المجندين، فيشتكون من البيروقراطية التي تسود عملية تقديم المعاملات. ويقول سعد الحميري الذي فقد شقيقه هشام، نائب ضابط في اللواء 42، اثر تفجير انتحاري استهدف دوريته قبل ثلاث سنوات في منطقة الاعظمية "منذ استشهاد شقيقي ولغاية الان ومعاملة تقاعده غير مكتملة ويتم منحنا مبلغ قدره 90 الف دينار، كمنحة، في حين ان شقيقي كان يتقاضى قبل استشهاده مرتب يبلغ 900 الف دينار". من جهة أخرى، ذكر عدد من الجنود الجرحى الذين أصيبوا اثناء تأدية الواجب العسكري لموقع "نقاش" أن ضغوطا تمارس عليهم من قبل وحداتهم العسكرية عن طريق اجبارهم على الدوام بشكل يومي رغم الاصابة او الإعاقة. الجندي سعيد موسى وهو احد منتسبي اللواء 42 التابع لفرقة الحادية عشر، والذي كان قد أصيب أثناء مواجهات مع متمردين في طلق ناري لا زال مستقرا في اسفل ظهره جعل حركته بطيئة جدا قال ان "الوحدة العسكرية التي انتمي اليها تهددني وبقية زملائي المعوقين بانهاء خدماتنا بين فترة واخرى، ودائما ما كنا نتعرض للابتزاز". وأضاف موسى وهو بطل العراق سابقا بلعبة كرة الطاولة ويحمل بطولات عربية واسيوية "لا اعرف مصيري انا وبقية زملائي، وفي الوقت الحاضر يطلبون منا التواجد في مقر وحداتنا العسكرية". وذكر أن إدارته العسكرية تكلفه بمهام يعجز عن ادائها. "لكننا لا نستطيع الرفض خوفا من أن يتم تسريحنا وحفاظا على لقمة خبزنا" يقول موسى. ويبلغ عديد قوات الجيش العراقي حاليا 260 ألف عسكري. لكن وزارة الدفاع أعلنت نيتها تطويع 40 ألف جندي عراقي إضافي ليصل العدد الكلي الى 300، وذلك لسد الفراغ الأمني الحاصل بعد انسحاب القوات الامريكية المقاتلة . |