ما قصة وزير النقل عامر عبد الجبار؟

المقاله تحت باب  قضايا
في 
15/08/2010 06:00 AM
GMT



نقاش:
لا أحد من المتابعين يعلم دوافع وأسباب إقالة وزير النقل عامر عبد الجبار. الحكومة تقول أن الوزير "متهم بسوء الإدارة" منذ توليه المنصب قبل نحو عامين، لكن مصادر مطلعة قالت لـ "نقاش" أن هناك "صفقات" مالية، وأسباب سياسية أخرى تقف وراء "مؤامرة" تنحيته.

عندما أصدر الرئيس الوزراء نوري المالكي قراره في السابع من تموز يوليو الجاري، بـ"منح إجازة إجبارية" لوزير النقل عامر عبد الجبار، وتعيين وزير الأمن الوطني الحالي شيروان الوائلي وزيرا بالوكالة، أثار القرار استغرابا من جانب شريحة واسعة من العراقيين.

فالقرار مثل من الناحية العملية عملية "إقالة" للوزير، إذ أتى في الفترة المتبقية من عمر الحكومة، والتي تستعد فيها لتسليم مهامها لرئيس الحكومة الجديدة.

الحكومة أوضحت وقتئذ، أن القرار "نهائي ولا رجعة فيه". وأنه اتخذ بناءً على "وجود مشكلات كثيرة في الوزارة" على حد قول المتحدث باسمها علي الدباغ الذي أعرب عن أسفه "لعدم إعطاء (الوزير) الشركات المحلية الخاصة في مجال الطيران الفرصة لتطوير إمكاناتها خلال الفترة الماضية".

القاضي وائل عبد اللطيف عضو البرلمان السابق قال ان "قضايا فساد مالي واداري كانت السبب الرئيسي وراء تعليق مهمة الوزير". وبسؤاله عن تلك القضايا، وما هي قيمتها، وهل جرى التحقيق فيها، أجاب "قدمت أدلة ضد الوزير لهيئة رئاسة البرلمان السابق، تتعلق بشركة الخطوط الجوية والكثير من المناقصات الخاصة بهذا الشركة التي شابها عدم الوضوح".

هذه الاتهامات التي ساقها عبد اللطيف بالعموم، تنفيها جملة وتفصيلا، النائب عالية نصيف عضو لجنة النزاهة في البرلمان قائلة "انا اؤكد بأنه لا توجد ملفات فساد مالي ضد الوزير كما أن (وزير النقل) عبد الجبار لم يواجه بأية أدلة".

ناصيف أشارت أيضا إلى أن "الأسباب الخفية وراء قرار عزل الوزير عن منصبه هي مواقفه المعارضة لبعض الاجراءات المتخذة في مجلس الوزراء، خصوصا المتعلقة بتصفية الخطوط الجوية العراقية".

نائب في قائمة العراقية التابعة لرئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، وهو مطلع على ملف الوزير، قال أيضا أن "السّبب الحقيقي" وراء قرار الإقالة، ليس سوء الإدارة، إنما "موقف الوزير الرافض للإجراء الذي اتخذته حكومة (رئيس الوزراء المنتهية ولايته) نوري المالكي القاضي بحلّ شركة الخطوط الجوية العراقية، وخصخة قطاع النقل الجوي العراقي".

المصدر الذي طلب من "نقاش" الاحتفاظ باسمه طي الكتمان، لكي لا يدخل في دوامة الصراع مع ما وصفها بـ "مفرمة المالكي" أضاف:

"لقد أثيرت حفيظة المالكي وحلفائه الذين يسعون لوضع يدهم على قطاع النقل الجوي عبر تأسيس شركات طيران خاصة مرتبطة بهم، بعد معارضة وزير النقل لهذا التوجه، في ظل تصفية شركة الخطوط الجوية".

الوزير عبد الجبار، الذي مضى على تعيينه في منصبه قرابة العامين وهو نصف عمر الحكومة الحالية، كان قد اعترض على سلوك الحكومة حيال "أزمة الطائرة العراقية". تلك الطائرة التي احتجزتها السلطات البريطانية في مطار جاتويك في لندن اثناء تدشين خط الرحلات الأول بين بغداد ولندن نهاية أبريل (نيسان) الماضي.

وكان احتجاز الطائرة قد جرى بناءا على دعوى قضائية رفعتها الكويت على شركة الخطوط الجوية العراقية، كجزء من التعويض عن أسطولها الجوي الذي دمر ونهب بعد غزو نظام صدام حسين الكويت في أغسطس(آب) عام 1990.

حكومة المالكي، لجأت حينها إلى إعلان إفلاس وتصفية الشركة، وفي ذلك الوقت ذكر المتحدث باسم وزارة النقل، عقيل كوثر لموقع "نقاش" إن "قرار حل الشركة اتخذ بعد إحتساب المبالغ التي يطالب بها الجانب الكويتي كديون مفترضة على الموازنة العامة للشركة، وبذلك تصبح الشركة خاسرة وهو ما يفضي تلقائيا الى إعلان إفلاسها".

موظف في دائرة المفتش العام للوزارة، أوضح أن الحكومة العراقية لجأت إلى "مناورة قانونية" تتمكن من خلالها من تجنب تقييد حركة الطيران الجوي العراقي إذ إن الشركة لم تعد موجودة، وانشاء شركات طيران خاصة جديدة، في حين تبقى مسألة التعويضات في عهدة المحاكم الدولية.

الموظف الذي طلب عدم كشف اسمه ذكر لـ "نقاش" أن الوزير "تحفظ على قرار حل الشركة الوطنية، ورأى فيه استعجالا، وهو كان مدركا للدوافع الحقيقية لهذا القرار".

وأضاف الموظف "لقد سبق وأوقف (وزير النقل) شركات طيران غير كفؤة وعقود مكاتب لشركات طيران خاصة، تابعة لجهات سياسية وبرلمانية متنفذة، كان هدفها منذ البداية تصفية الشركة الوطنية".

وبسؤاله عن هوية تلك الشركات التي اوقفت من قبل الوزير، أجاب "شركة جوبتير الاماراتية، التي كان وراء السماح لها بالعمل في العراق مسؤول كبير في الحكومة الحالية، كان ولا يزال مقيما في دولة الامارات العربية المتحدة، وشركة اجنحة الشام السورية، وكرفن الكويتية للطيران، وشركتي سكاي لينك عربية وسكاي لينك افيشنز البريطانيتين، على اعتبار ان هذه الشركات لاتمثل ناقل رسمي لبلدانها"، مؤكدا ان "قرار الايقاف بحق تلك الشركات تم اصداره قبل ثلاثة اشهر تقريبا".

وشدد المصدر على "وقوف شخصيات حكومية ذات مصالح مالية وراء قرار اقالة الوزير"، وبيّن أن بعض تلك الشركات عاودت العمل بعد أسبوع من تعليق مهمة الوزير، الأمر الذي تحققت منه "نقاش" من خلال الاتصال بعاملين في مطار بغداد الدولي.

وقال أحد العاملين في المطار لموقع "نقاش" إن "شركة جوبتير للطيران عاودت العمل باسم جديد هو غلوبل جت، وكذلك شركة اجنحة الشام السورية تعمل هي الاخرى، وسكاي لينك العربية عاودت العمل بشكل مشترك مع شركة الناصر للطيران وهي شركة طيران عراقية خاصة يمتلكها رجال اعمال عراقيون".

من جانبه، لم يدخل الوزير عبد الجبار في معرض الدفاع عن نفسه في حيثيات القضية من الناحية المالية، مكتفيا بالقول أن "أبعادا سياسية" وقفت وراء حل الشركة.

واضاف عبد الجبار "مما يؤسف له أن تكون المواقف (الحكومية) محكومة بالحسابات السياسية دون الالتفات إلى الابعاد الوطنية والمصالح العليا، الامر الذي أصبح سمة لغالبية السياسيين في مجمل مواضيع الساحة العراقية"، غامزا من قناة رئيس الوزراء المالكي.

"نقاش" أجرت اتصالا بالمتحدث باسم الحكومة علي الدباغ، الذي رفض التعليق على هذه المعلومات. وقال الدباغ في حديث مقتضب "لن اتحدث بهذا الموضوع ..الموضوع انتهى، والاجهزة القانونية في رئاسة الوزراء هي من ستتابع القضية وسترد على تصريحات الوزير".

في المقابل يرى مراقبون أن هناك دوافع "سياسية محضة" تقف وراء إزاحة عبد الجبار عن منصبه، لا علاقة لها بصفقات المال.

وزارة النقل كانت قد تعرضت لانتكاسات حادة طيلة السنوات السبع الماضية. وقد عهد بها الى الكتلة الصدرية في حكومة المالكي.

لكن وبعد انسحاب الوزراء الصدريين من الحكومة، خول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الرئيس المالكي اختيار وزراء مستقلين نيابة عن الوزراء المنسحبين، فوقع اختيار المالي على المستقل عامر عبد الجبار كوزير للنقل في التاسع عشر من شهر تموز عام 2008، قبل ان يلتحق الأخير بكتلة ائتلاف دولة القانون ليخوص الانتخابات البرلمانية في 7 آذار مارس الفائت.

وهنا، يقول المحلل السياسي، والأستاذ الجامعي في جامعة السليمانية، الناصر دريد أن "المالكي يحاول ترشيق أعضاء كتلته والتخلص من الحمل الزائد وتحديدا الأعضاء المستقلين الذين لم يفلحوا في الانتخابات الماضية".

وفي حديث دريد، إشارة فشل الوزير الذي كان قد ترشح لخوض الانتخابات التشريعية ضمن ائتلاف دولة القانون، في الحصول على عتبة نيابية تؤهله لدخول قبة البرلمان، وهو ما دفع المالكي لإتخاذ مثل هذا القرار كـ "عقاب انتخابي" على حد تعبير الباحث السياسي.

دريد اوضح أن "عدم وجود كتلة سياسية تدافع عن الوزير جعلته بمثابة كبش فداء، نيابة عن الحكومة المنتهية ولايتها، مثلما كان عليه الحال مع وزير الكهرباء المستقل كريم وحيد، الذي وافق المالكي على استقالته تجنبا للتظاهرات الشعبية والمحاولات المتكررة لإسقاط حكومته بحجب الثقة عنها في البرلمان".

ويدور حاليا صراع جدلي بين الاوساط السياسية والحكومية، حول مدى صلاحية التي تتمتع بها الحكومة الحالية وفيما اذا كانت تعتبر وفق السياقات الدستورية حكومة تصريف أعمال أم كونها تتمتع بكامل الصلاحيات التي تؤهلها لاتخاذ قرارات اقالة وعزل وزراء ومسؤولين.

وفي الوقت الذي تصر فيه أطراف حكومية مقربة من المالكي على انها تتمتع بكامل الصلاحية، يقول دريد أن "اطراف حزبية معارضة ترى أن صلاحية الحكومة انتهت مع بدء جلسة البرلمان الجديد، وقرار عزل وزير النقل جاء بعد انعقاد جلسة البرلمان وهو ما يدفع التشكيك به".