المقاله تحت باب في السياسة في
05/08/2007 06:00 AM GMT
أتذكر أنني قرأتُ ، قبل سنوات ، مقالاً لأحد الكتاب ، يقارن فيه بين أوطاننا العربية ، وأوطان الآخرين في أوربا وأمريكا وغيرها ، حيث ذكر ، بأنّ المواطن لدينا ، هو من يحمل الوطن ، ويتحمـّل أعباءه ، ومشاكله ، وأمراضه ، بصبرٍ ، ووفاء لامثيل له ، بينما نرى أنّ الوطـن في ( الغرب ) ، هو من يحمـل المواطن ، ويسهر على تلبية احتياجاته ، والتخفيف عن همومه ، ويحرص على التأكيد على حقوقه ، التي ينبغي أن يتمتع بها . هذه الحقيقة المؤلمة ، صفعت بكفها الأبرية ، عين ، ووجدان كل ( عراقي ) هاجرَ ، أو لجأَ إلى ديار الغرب الأوربي ، والأمريكي ، بعد أن رأى الفرق بين نظرة الوطن ، لأبنائه ، في ( الغرب ) ، وهي نظرة أبوية رحيمة ، ومسؤولة ، تعبّر عن طبيعة ، ومتانة العلاقة ، بين الدولة ومواطنيها ، التي يكون ، البعد الإنساني ، والوطني ، والتربوي ، من أهم أركانها ، فضلاً عن تأكيد تلك العلاقة ، على أهمية الإنسان – المواطن ، باعتباره محوراً أساسياً ، للحياة ، والتطور ، والحضارة ، وهدفاً نهائياً ، لمسيرة البناء ، والإعمار ، والكفاح ، والنهوض العلمي ، والتكنولوجي ، والثقافي . .وبين نظرة الوطن ، لدينا ، ( وأنا أقصد ، هنا ، نظرة الدولة ، بثوب الإستبداد ، وهو الزي الرسمي في أغلب أوطاننا العربية ) ، التي تختلف ، كليّاً ، عن نظرة الوطن الآخر . فأبناء الوطن عندنا ، وعلى النقيض من الأبناء المدللين ، هناك ، يُعاملون ، بقسوة ، واحتقار ، ويُساقون ، بلا رحمة ، في دهاليز البؤس ، والقهر ، والخوف ، والذل ، والجوع ، والتجهيل ، والتضليل ، ويُقذَف بهم في أتون الحروب ، والسجون ، والمقابر ، والمنافي ، والإرهاب ، وتُنتزَع منهم ، الكرامة ، والإرادة ، والحقوق ، ويُسلب منهم ، العقل ، والحلم ، والأمل ، والفرح ، والحب ، والأمان . وفوق كل ذلك ، يُطلب منهم ، أن يكونوا مواطنين صالحين ، وأوفياء مضـّحين ، يكتمون ألمهم ، وبؤسهم ، وذلّهم ، ومهانتهم ، ويعضـّون على جرحهم ، وينزفون ، ويحترقون ، ويموتون من أجل الوطن .فكل شيء ، يهون ، من أجل عيون الوطن ، وكل الناس فداء للوطن . في ( الوطن الغربي ) ، يجري الحديث ، دائماً عن الإنسان ، وعن حريته ، وعن الحقوق ، التي ينبغي أن يمنحها الوطن لأبنائه ، وهي حقوق كثيرة جداً ، منها : حقهـم في التأمين الصحي ، والضمان الإجتماعي ، والعيش الكريم ، وحقهم في السكن في بيت نظيف ، ومؤثث ، يأويهم ، ويصون كرامتهم ، وحقهم في التعليم ، والدراسة ، والسفر ، و التدرّب على مهنة معينة ، والحصول على فرصة عمل ، وحقهم في تقديم النصيحة ، والمعونة لهم ، لتطوير أنفسـهم ، وبناء مستقبلهم ، وحقهم في رعاية أبنائهم ، قبل الولادة ، وبعدها ، وحقهم في الأمن والأمان ، وحمايتهم من المجرمين ، والعابثين ، وحقهم في عدم الإعتداء على حريتهم الشخصية ، أو إهانة مشاعرهم ، أو منعهم من الإحتجاج ، أو التظاهر ، أو التعبير عن قناعاتهم .. وغيرها من الحقوق ، والخدمات ، التي لايتردّد المواطن من المطالبة بها ، والتمتع بمميزاتها ، بعيداً عن دنَس المنـّة ، وعَفـَن المَكرُمة ، وسوط الجميل . ولذلك ترى الناس ، هناك ، يحبون أوطانهم ، ويحرصون على سمعتها ، ويحترمون تقاليدها ، ويقدسون القانون ، والنظام ، والنظافة ، والطفولة ، والطبيعة ، والفنون ، والمكتبات ، والجامعات ، والمسارح ، والأسواق ، والعمل .. ألخ . بينما في ( الوطن العراقي ) ، أو ( العربي ) ، تنعكس الآية ، ويكون الحديث ، عن قائمة الواجبات ، والتضحيات ، الطويلة ، التي يجب أن يؤديها المواطن ، وهو يلبس رداء الطاعة ، والإستقامة ، وكفن الشهادة ، وقناع السعادة ، نحو وطن ، لم يقدّم له ، غير الفقر ، والمرض ، والحزن ، والرعب ، والموت ، والتشرّد . الوطن لدينا ، يريد من أبنائه ، أن يؤدوا حقوق الوطن عليهم ، بينما هو يحرمهم ، من أبسط حقوقهم . ويريد منهم ، أن يموتوا من أجله ، بينما هو ينتهك حريتهم ، وكرامتهم ، ويُسمـِّم حياتهم . ويريد منهم ، أن يُنتجوا ، ويبدعوا ، بينما هو يسجن عقولهم ، ويمسخ نفوسهم . ويريد منهم أن يخدموه ، ويخلصوا له ، بينما هو يذلّهم ، ويقمعهم ، ويذبح أحلامهم . ويريد منهم ، أن يغنـّوا ، ويرقصوا على أنغام ِ أمجاده ، وبطولاته ، وإنجازاته ، بينما هو يدفعهم لـ ( الموت ، جوعاً ، أو قتلاً ، أو إغتراباً ) . ولكن ، وبالرغم من كل ذلك الظلم ، والحرمان ، والوجع ، والعذاب ، ترى الناس في أوطاننا ، يذوبون عشقاً بالوطن ، وتخفق قلوبهم ، وتهتز مشاعرهم ، عندما يُذكر إسمـَه ، أو ترتفع رايته ، ويذرفون الدموعَ السخية ، عندما يستمعون إلى قصيدة ، أو أغنية ، أو قطعة موسيقية ، تلهج ُ بجماله ، أو أنينه ، أوصموده ، ويُزمجرون من الغيظ ، وتخرجُ عيونهم من محاجرها ، عندما يجرؤ أحد على النيل منه ، ويحلمون بالعودة إلى أحضانه ( الباردة ) ، وهم ينعمون بالدفء ، والأمان ، والحرية ، والعيش الرغيد ، في أحضان الغربة . أليست هذه معادلة مرّة ، وعسيرة على الفهم ، وثقيلة على القبول ؟ أم أنّ ضرب الحبيب ، لايؤلم ، مع أنّه ، وللحق ، يؤلم كثيراً ، على قول ( الحـلاّج ) المصلوب ، الذي أخذ يتأوّه ويبكي ، عندما ضربه صديقه ( الشبلي ) ، مضطراً ، بباقة ورد ، بعد أن أمره الشرطة برجم الحلاج . ولما سأله الشبلي ، وهو يرتعد من الحسرة ، والنشيج ، على صديقه : ياحلاج ياصديقي ، الناس يضربونك بالحجارة ، والقاذورات ، وأنت تبتسم ، غير آبه بقطع يديك ورجليك ، وتعليقك على الصليب ، والدماء التي تسيل منك ، وأنا قذفت بالورد ناحيتك ، مرغماً ، فصرختَ وبكيتَ ! . فقال له الحلاج : إنّ ضرب الحبيب ليؤلـم ياشبلي ! . وشتان بين ورد الشبلي ، وبين هذا الذي يفعله الوطن الحبيب ، بأبنائه المخلصين ، من قهر ، وقتلٍ ، وتشريد !! .
|