هل يعود جيش المهدي؟ |
المقاله تحت باب قضايا نقاش : وعقب تفجيرات استهدفت احياء ومساجد شيعية في بغداد يوم 23 نيسان أبريل الجاري واسقطت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، صرّح مقتدى الصدر عن استعداده "لتوفير المئات من المؤمنين لكي يكونوا سرايا رسمية في الجيش العراقي أو شرطته كي يدافعوا عن مراقدهم ومساجدهم وصلواتهم وأسواقهم وبيوتهم ومدنهم، بما يحفظ للحكومة ماء وجهها، ولا تلجأ للمحتل في حماية شعبها". وعلى الرغم من أن جيش المهدي كان أقدم رسميا على تسليم جزء من أسلحته الى القوات الاميركية قبل تجميد نشاطاته نهاية عام 2007، إلا ان هذه الدعوة جددت مخاوف البغداديين من أن الصدريين ما زالوا يحتفظون بقدرات عسكرية تمكنهم من السيطرة على بعض المدن والأحياء، من خلال بوابة حكومية هذه المرة. وما عزّز مخاوف المراقبين اكثر من أي شيء آخر، تصريح القيادي في التيار الصدري، حازم الأعرجي أن "جيش المهدي لم يُحلّ، بل قُسم إلى ثلاثة أقسام: الأول، المقاومون الذين يأخذون على عاتقهم مقاومة الاحتلال، والثاني الممهّدون لنشر الثقافة المهدوية، والثالث اجتماعي هو قسم المناصرين". وكان جيش المهدي قد اختفى من شوارع المدن منذ عامين بعد قيام حكومة المالكي بحملات عسكرية ضد "الميليشيات والخارجين عن القانون" في البصرة والعمارة ومدينة الصدر في بغداد، وغادر غالبية قادته وعلى رأسهم مقتدى الصدر إلى ايران بعد محاصرة معاقلهم واجيارهم على تسليم أسلحتهم. وبقي مقتدى الصدر، بعد الحملة العسكرية محافظا على قرار "تجميد الجيش"، ووعد باعادة هيكلته وتنظيفه من العناصر الخارجة عن ارادة الصدر والتي اتهمت بارتكاب جرائم طائفية وتصفيات جسدية. إلا ان تلك الوعود لم تنفذ بالشكل المطلوب، حيث اقتصر التغيير على بعض القيادات التي اختلفت مع الصدر حول نقاط محددة في سياسته. وتتزامن الدعوة إلى تولي جيش المهدي مسؤوليات امنية، مع المفاوضات التي تقودها الكتل الفائزة في الانتخابات لتشكيل الحكومة المقبلة. حيث يبدو مقتدى الصدر في موقف قوي من تلك المفاوضات بعد حصوله وحده على 40 من أصل 325 مقعدا في البرلمان الجديد. وتتخذ دعوة الصدر في جانبها المبطن، حسب المراقبين، نوعا من الضغط على المالكي بعدما اتهمه التيار في تصريحات سابقة بـ"الكذب والعجز"، واعلانه مرارا أن الأجهزة الأمنية غير قادرة على معالجة الوضع الامني، وأن الحكومة فشلت في حماية الناس بعد تجميد جيش المهدي. وتأتي هذه التصريحات ايضا في ظل التوتر القائم بين التيار الصدري وحزب المالكي بسبب اعتراض التيار على ترشيح المالكي لولاية ثانية. الحكومة والقيادات الامنية تحركت للحد من التحرك الصدري في هذا المجال، واصدرت بيانا اعتبرت فيه أن "أي عنصر يحمل السلاح في الشواع خارج اطار القوات الامنية خارجا عن القانون"، مانحة القوات الامنية "صلاحية اعتقاله ومصادرة سلاحه". وبعد يوم واحد من دعوة الصدرلاحياء جيشه، ظهرت في شوارع بغداد عناصر أمنية ترتدي زيا اسود وتحمل أسلحة وعتاد عسكري. وقد أشيع بين الناس أنهم من فرق الحمايات الخاصة التابعة لرئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي، وان إنزالهم الى الشارع جاء لاغلاق الباب امام الصدر. المستشار الاعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي قال لموقع "نقاش" ان "الاجهزة الامنية لا تحتاج الى عناصر جيش المهدي في التحرك لضبط الوضع الامني في بغداد بقدر حاجتها الى معلومات امنية واستخباراتية دقيقة". واضاف ان "الاجهزة الامنية تحتاج الى تعاون كبير في المجال المعلوماتي، فالتحدي لازال كبيرا رغم الانجازات التي تحققت بقتل امراء القاعدة في العراق". ويعترف الموسوي بأن "الاجهزة الامنية لا زالت بحاجة الى الكثير من الوقت للوصول الى المستوى المطلوب"، وأن تعاون الاهالي في نقل المعلومات الى الاجهزة الامنية بات حاجة ملحة في الوقت الحالي. المخاوف من عودة الميليشيات الشيعية الى العمل واحياء الصراع التقليدي بينها وبين عناصر تنظيم القاعدة لم تقتصر على اهالي بغداد فحسب، بل امتدت الى تلك المدن الجنوبية التي عانت من هيمنة الميليشيات لوقت طويل على مقدراتها الاقتصادية، وفرضها نمطا خاصا من التقاليد الاجتماعية مثل اجبار النساء على ارتداء الحجاب الديني ولبس "العباءة التقليدية" في البصرة أو في مدينة الصدر. ويعزو الكثير من المراقبين حصول المالكي على اكثر من نصف مقاعد البصرة في الانتخابات النيابية الاخيرة التي جرت في السابع من آذار الماضي الى الحملة التي شنها على البصرة وتمكن فيها من دحر ميليشيا جيش المهدي وطردها من المدينة في آذار مارس 2008. هذا الرأي يؤيده جمال حسن، المحلل في الشؤون السياسية العراقية، الذي اضاف أن "عودة المظاهر المسلحة إلى الشارع سيعيد البلاد الى المربع الاول ويطيح بجميع الاعمال التي حققتها الحكومة في المجال الأمني". على صعيد آخر يخشى رجال دين سنة ان تدفع عودة جيش المهدي الى تحرك سني مماثل قد يمهد لفوضى امنية لاحقة في حال تأخير تشكيل الحكومة التي يبدو انها لن ترى الضوء في وقت قريب. ودعت تلك الاطراف السياسيين العراقيين الى تحمل مسؤولياتهم والاسراع في تشكيل الحكومة لقطع الطريق امام عودة المظاهر المسلحة الخارجة على القانون الى شوارع بغداد. وقال نائب رئيس الوقف السني الشيخ محمود الصميدعي لموقع "نقاش" ان "السياسيين يتوجب ان يتصرفوا بحكمة للحؤول دون عودة الصراعات الطائفية في بغداد". واضاف أن "السياسيون مطالبون بتحمل مسؤولياتهم التاريخية والشرعية والدستورية امام شعبهم، وقطع الطريق أمام جميع الخارجين على القانون من العودة الى الشارع". معتبرا ان العمليات الاخيرة التي نفذتها القاعدة في بغداد والدعوة الى احياء جيش المهدي "ناتج طبيعي" لافرازات الفراغ الامني بعد الانتخابات. القياديون في التيار الصدري حاولوا تدارك الموقف بعدما لمسوا ردود افعال معارضة من جميع الاطراف على بيان الصدر. وقال القيادي في التيار الصدري فلاح حسن شنشل لموقع "نقاش" ان "نزول جيش المهدي الى الشارع هو فهم خاطئ"، وان "بعض الضباط في الجهاز الامني فسروا بيان الصدر بشكل غير واقعي وغير حقيقي وهو امر يربك الاخرين". ويرى شنشل أن الدعوة التي وجهها مقتدى الصدر "تمثل نوعا من انواع التعاون بين القواعد الشعبية والقوات الامنية لاننا نعتقد ان القاعدة الشعبية مهمة في دعم القوات الامنية" داعيا إلى التعامل معها "بايجابية". مبينا أن"دعوة الصدر ليست جديدة فهي معمول بها في العديد من الدول التي تشهد اوضاعها الامنية اضطرابا". لكن هذا الموقف لم يهدأ من مخاوف العراقيين الذين لن يشعروا بالارتياح قبل تشكيل حكومتهم المرتقبة، وتواصل عملية حصر السلاح بيد الدولة، بعد ذكريات أليمة طبعتها ميليشيات الأحزاب الطائفية في ذاكرتهم. |